فاطمة قنديل وأقفاصها الفارغة.. رواية تتحدى العنف
ولا تتوقف فاطمة قنديل فى الروية عند علاقات العنف التى كانت الراوية أو بطلة الرواية طرفا فيها بل تتعرض لعلاقات العنف التى رأتها رأى العين ومنها المواقف العنيفة التى تعرضت لها الأم باعتبارها نموذجا نسائيا آخر، والتى تجلت فى الموقف الأكبر الذى جعلها تنهار حينما أهينت من زوجة أخيها فاحتاجت وقتا طويلا لتتتعافى.
مواقف الرواية لا توقف بل يمكن اعتبارها رواية مواقف فكم المواقف التى تظهر من تحت السطح أى من تحت سطح الذاكرة كثيف ومتدفق، والتداعي حر جدا بين السطور، وهو ما يفاجئ الكاتب نفسه أحيانا إذ كيف تذكر ذلك المقام أو ذلك الموقف أو تلك الاستعارة أو ذلك التشبيه وكلها مقتطفات من الطفولة مرت كأنها غيمة أو سحابة صيف فتذكرها الكاتب وهو يعيش تجربة التعبير والوصف كما فعلت فاطمة قنديل فى روايتها التى تروى مقاطع العنف الناعم، من قلب أسرة عاشت فى مصر الجديدة، وأب يعمل درسا وهى المهنة الأكثر تكرارا بين أبناء الطبقة المتوسطة الذين سافروا إلى الخليج متحدثة عن بيتها “أبو جنينة” صغيرة، والذى تم انتهاك حديقته الصغيرة حين وضع أحدهم أقفاصا فارغة منتهكا حرمة البيت، فقامت البطلة بوضعها فوق السطوح منتصرة على الأقفاص الفارغة التى هى رمز التشويه.
تسرد فاطمة قنديل مقاطع الطفولة بما فى ذلك المغامرات اللذيذة والتجارب الصعبة التى كانت البنت تسر بها لأمها مخبرة إياها بما فعل الزمن، وما تركت لها الأيام، وكيف كانت الأم تتعامل مع تعرض جسده طفلتها للاستباحة أو الاستغلال، فى ضوء من الماضى ينبعث ويغرق الرواية فى تلال من الذكريات المتداعية التى لا يحدها السرد لتدفقها الكبير ودقة تفاصيلها فى عين الكاتبة وطرائق التعبير.
تترك رواية الذكريات العائلية مساحة للفعل النسوى المتمثل في لوم الشخصيات الذكورية، وكذلك مساحة أكبر للتعبير عن كيف يمكن لشاعرة أن تعيش وسط هذا الكم المتداخل من الأحداث العائلية المتلاطمة والمتضاربة فى بعض الأحيان والتى تشكل ما يطلق عليه الشخصية أو لتترك الندوب على الأقل مثل نتؤات المسار ، فى مرآة تعيد العرض المستمر للماضى فى عين الذاكرة، ذاكرة المرأة التى تسجل كل شيء، وتعبر بشكل مختلف عن الذكرى والشخوص.