بعض تجار التنمية البشرية في دائرة الاحتيال
محليات
478
بعض تجار التنمية البشرية في دائرة الاحتيال
هديل صابر
مع بداية كل عام يتنافس «مدعو» التدريب في التنمية البشرية على تحفيز أفراد المجتمع لإعداد خطة العام الجديد، وتبَني أهداف جديدة، والدعوة إلى الانتصار على التسويف ونبذ الكسل كل بطريقته التي باتت تشكل ضغطا على الشباب وخاصة تلك الفئة العالقة غير القادرة على فهم ما يتفوه به هؤلاء المدربون، لعدم تمكنهم –أي الشباب- من الأدوات والمهارات المستخدمة للوصول لهذه الأهداف، فنجد البعض واقعا في دائرة مغلقة ما بين إمكانياته، ورغبته الحقيقية في الوصول لهدف ما.
إذ منحت وسائل التواصل الاجتماعي وبكل أسف غير المتخصصين شهادة خبرة بقياس عدد المتابعين، دون إلزامهم بنشر شهاداتهم أو خبراتهم المطلوبة في هذا المجال أو ذاك، كما هو الأمر على أرض الواقع، إذ لا يوجد متخصص في علم ما يستطيع أن يؤسس لنفسه نافذة على المجتمع كعيادة أو مكتب إرشاد نفسي أو أسري أو تنمية بشرية وهو الأهم هنا، إلا وهو ملزم بإظهار شهاداته العلمية، وترخيص ممارسة المهنة على الملأ، الأمر غير المعمول به في فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي الفسيحة، فيبقى دافع هؤلاء وخاصة المدعين منهم هو الشهرة والانتشار الواسع لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم هُم على أكتاف المتابعين، وهم بذلك يبيعون الوهم تحت غطاء التحفيز والتنمية البشرية، مستغلين حاجة البعض للمساعدة في أن يكتسب مهارات حقيقية لتحقيق أهدافه.
لذا ونحن على أعتاب عام جديد، رغبت «الشرق» بطرح هذه القضية على عدد من المختصين، للوقوف على رأيهم العلمي في هذه القضية، والذين أجمعوا على أنَّ هذه الفئة من غير المتخصصين تبيع الوهم للشباب المتعطش في الحصول على النصيحة والمساعدة لتحقيق طموحاتهم، مشيرين إلى أنَّ غالبية هؤلاء الأشخاص غير متخصصين في علم بيعنه، فهم لا ينتسبون لأي علم إنساني، بل تطفلوا على عدة تخصصات، واتخذوا من فضاء العالم الافتراضي فرصة للظهور والانتشار لزيادة مكاسب ومنافع لهم. وحذر المختصون الذين استطلعت «» آراءهم من تلقي المعلومات من هؤلاء المدعين، مطالبين بضرورة طلب الاستشارة من رجال الاختصاص والعلم.
د. خالد المهندي: ضغوط نفسية لدى الشباب والمراهقين
حذر الدكتور خالد المهندي – استشاري نفسي-، فئة الشباب من مدعي «التنمية البشرية»، مشيرا إلى أنَّ التنمية البشرية ليست بعلم، وهم كمختصين لا يعترفون به، لافتا إلى أنَّ هؤلاء لا ينتمون لأي علم من العلوم، لا ينتمون لعلم النفس، أو علم الاجتماع، كما أنَّ القواعد التي وضعوها للنجاح وللخطط المستقبلية قواعد غير صحيحة، فأي تعميم لأي قاعدة عامة يجب أن يكون قد أُصدر بها ما لا يقل عن مليوني بحث معتمد حتى يتم تعميمها، أي أنَّ أي مفهوم سلوكي يجب أن يبحث ويصدر عنه من مليون إلى مليوني بحث لتعميمه واعتباره قاعدة. وتابع الدكتور خالد المهندي قائلا «إنَّ هؤلاء جمعوا خبرات أفراد وقاموا بتعميمها على الجميع، ووضعوها في قوالب واعتمدوها كمعايير للنجاح وهذا أمر خطير وغير نافع على المدى البعيد، هدفهم من وجهة نظري الكسب المالي، ودائما لديهم كلمة «أثبتت الدراسات» دون دليل علمي، إذ إنَّ ما يستخدمونه من تقنيات هي تقنيات غير صالحة، كالطاقة، قانون الجذب والعلاج بخط الزمن».واعتقد د. المهندي أنَّ ما يروجه هؤلاء المدعون عبر منصات التواصل الاجتماعي يسهم في مضاعفة الضغوط النفسية لدى الشباب والمراهقين الذين لا يمتلكون بعض المهارات المعرفية السلوكية، سيما وأنَّ هناك قواعد تُروج ليس لها سند علمي، بل يبيعون الوهم، ويزرعون مفاهيم تشكل ضغطا على كل من يستمع إليهم أو يتابعهم.
محمد كمال: عدم الرضوخ لما تبثه وسائل التواصل
وبدوره أكدَّ السيد محمد كمال-باحث وأخصائي علم النفس الاجتماعي-، أنَّ وقع هذا الأمر يختلف من شخص لآخر، فإذا كان الشخص من الذين يضعون أهدافهم فقد يكون وقع هذا الحديث إيجابيا، وإنما شخص لا يزال يبدأ حياته ولا يعلم كيف وما أدوات التخطيط فالأمر تأثيره سلبي، كما أنَّ المعلومة لابد أن تصدر من متخصص ولا أحد سواه.وأوضح السيد كمال قائلا «إنَّ منصات التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فالبعض أساء استخدامها، كالذين يدعون تفقههم بالتنمية البشرية، إذ أنَّ «التنمية البشرية» عملية تركز على الإنسان لتطوير مهاراته وقدراته، إلا أنَّ البعض روج لها بطريقة أساءت لها لاسيما في عالمنا العربي، واعتبرها البعض مهنة دون بذل أي مجهود سوى بالحصول على دورة واحدة، ليقدم نفسه بعد ذلك أنه متخصص في هذا المجال، الأمر الذي شكلَّ فجوة بينهم وبين من يستمع لهم، لأن الأطراف المدعية التخصص لا تملك الخبرة الكافية لتدريب الأشخاص على اكتساب الأدوات لتطوير أنفسهم، وبالتالي انعكاس الأمر سلبي على المتلقين، كما أنَّ هذا الأمر خلق إشكالا بين غير المختصين مع أصحاب العلم، فالمدربون لهم دور في الدول المتقدمة لأنهم مؤهلون وحملة شهادات، لكن هذا الأمر للأسف غير معمول به في المنطقة العربية، خاصة لمن يملك منصة على وسائل التواصل الاجتماعي، فالأمر لا يتطلب منه ترخيصا لممارسة المهنة ، فيجعلهم يصولن ويجولون دون رقابة». ورأى السيد محمد كمال أنَّ التخطيط للأهداف ليس مقترناً ببداية عام أو نهاية عام، بل يبدأ عند إيمان الشخص بفكرته، مشددا على أهمية اللجوء إلى المختصين في مجالاتهم وعدم الرضوخ لبعض ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي من غثٍ.
د. طارق العيسوي: إلزامهم بترخيص مثل بقية المهن الصحية
قال الدكتور طارق العيسوي-استشاري نفسي-، «إنَّ انعدام الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي، أتاح المجال لغير المتخصصين أن يخوضوا في مجالات ليست بمجالاتهم، كما بات الكثير من الأشخاص يقدمون أنفسهم بأنهم مدربو تنمية بشرية، هدفهم الأوحد هو زيادة المتابعين والمشاهدات لتحقيق طموحاتهم التي لم يستطيعوا تحقيقها خطوة خطوة على أرض الواقع، فاختاروا الطريق السريع ليكسبوا شهرة تجعل لهم مكانة في المجتمع، دون أن يدركوا أن ما يقومون به له تأثير سلبي على من وثقوا بهم سيما وأنهم لا يمتلكون الخبرات الحقيقية للعطاء في هذا المجال، بل خبراتهم لا تتعدى دورة تدريبية واحدة».
وشدد الدكتور طارق العيسوي على ضرورة إخضاع هؤلاء للرقابة من قبل الجهات المختصة، وإجبار كل من يخترق هذا المجال أو أي مجال له علاقة مباشرة مع الأفراد للحصول على ترخيص لممارسة المهنة كما الأطباء والعاملين في القطاع الصحي لتقنين العاملين في هذا المجال.
عبد العزيز الشرشني: وضع ضوابط لمقتحمي المجال
وطالب عبد العزيز الشرشني بضرورة وضع ضوابط للذين يقتحمون مجال التنمية البشرية، خاصة من يروجون لأفكارهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال تثبيت رابط يتضمن الشهادة الحاصل عليها، والخبرات والجهة التي منحته الشهادة والخبرات، إذ إنَّ غير المتخصصين بإمكانهم بث مفاهيم مغلوطة، يشكل أثرها السلبي خطرا على المتلقي.
خالد الدوسري: إخضاع حساباتهم على وسائل التواصل للرقابة
ورأى خالد الدوسري أنَّ من يقتحم هذا المجال دون دراسة وافية، يسهم في تثبيط الشباب من كلا الجنسين، خاصة من لا يملك المهارات في تحديد ماذا يريد، أو ما هدفه الفعلي في الحياة، إذ إنَّ بعض الكلام المحفز يؤثر سلبا على هؤلاء، وقد يعيشون صراعا داخليا بسبب عدم قدرتهم على تحقيق ما يسمعون من مدربي التنمية البشرية، دون أن يدركوا أنهم لا يمتلكون بالأساس الأدوات لتحقيق ما يريدون، لذا من المهم متابعة الحسابات هذه عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومنح الممارسين المتخصصين ترخيصا يتم نشره عبر صفحتهم.
مساحة إعلانية