ثقافة وفنون
58
اختتام موسم الندوات لوزارة الثقافة في نسخته الثانية
الدوحة – قنا
اختتمت مساء اليوم، فعاليات موسم الندوات الذي نظمته وزارة الثقافة في نسخته الثانية بالتعاون مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومكتبة قطر الوطنية في الفترة من 4 حتى 19 مارس الجاري.
وجاء ختام الموسم بعقد ندوة تحت عنوان “تأثير الحضارة الإسلامية على الغرب” بحضور سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة وسعادة السيد مسعود بن محمد العامري وزير العدل، وعدد من كبار الشخصيات وجمع كبير من المثقفين والمهتمين من المواطنين والمقيمين، وتحدث في الندوة الأكاديمي والداعية المغربي الدكتور سعيد الكملي، وأدارها الداعية يوسف عشير.
واستعرض الدكتور سعيد الكملي موقف المؤرخين الأوروبيين حول تأثير الحضارة الإسلامية على الغرب، حيث يزعم بعضهم أن تأثير الحضارة الإسلامية كان فقط في نقل وترجمة علوم الحضارة الإغريقية والرومانية إلى العربية، وحفظ بذلك من الضياع إلى أن تسلمه الغرب في عصور النهضة وطوروه، ومن هؤلاء نيوتن، وغاليليو، وصامويل هنجتون وغيرهم، مؤكدا أن مزاعم هؤلاء باطلة بشواهد التاريخ ببداهتها، وبالنظر إلى سيل العلماء المسلمين في شتى المجالات، وفقا للمنصفين منهم الذين رأوا أن الحضارة الإسلامية كان لها أثرها الواضح على الغرب.
وتناول بعض الكتاب والمؤلفات التي أنصفت الحضارة الإسلامية، مثل الكاتب الفرنسي فولتير رغم موقفه من المسلمين، حيث قال “نحن مدينون لهم بالفيزياء والكيمياء والطب والفلك وحتى الفنون”، وكان لفولتير قاموس محمول قال فيه “إننا مدينون لهم بالجبر”، وكان يقصد العرب، كما استشهد بكتاب “حضارة العرب” للمستشرق الفرنسي غوستاف لوبون، الذي قال “إن العرب هم من علمنا الطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء وحتى الفنون”.
وتحدث الكملي عن المقومات الحضارية للإسلام الذي حث على إعمار الكون، ونقل أتباعه من حالة الأمية إلى الأستاذية، وحدث هذا التغيير بتغيير التصور للحياة الدنيا، حيث فهم العرب من خلال الإسلام أنهم مستخلفون في الأرض، وأنهم مطالبون بإعمار الأرض وأن هذا مرتبط بالعمل للحياة الآخرة، مستدلا في ذلك بالكثير من الأحاديث النبوية التي حثت على إعمار الأرض ومنها قول النبي الكريم “إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”، مشيرا إلى إدراك وتفصيل العلماء لطبيعة الإعمار والإحياء وكيفية تحقيق ذلك.
وأوضح الداعية المغربي أن الإسلام حرض الناس على العمل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحرض على العمل وعلى النظام في آن واحد، كما تبع سنته الخلفاء الراشون فقد وضع عمر ابن الحظاب رضي الله عنه أساسا لتخطيط المدن وعرض الشوارع كما حدث في الكوفة والبصرة بالعراق والفسطاط بمصر، مؤكدا أن الإعمار والبناء في الحضارة الإسلامية كان مبنيا على أسس وعلم، مؤكدا اهتمام الحضارة الإسلامية بكافة مقومات صناعة الحضارة بداية من التعمير والبناء وصولا إلى إرساء قواعد الهندسة العسكرية منذ القرن الأول الهجري.
وأكد الدكتور سعيد الكملي خلال ندوة “تأثير الحضارة الإسلامية على الغرب” أن الأندلس كانت محطة مهمة وعظيمة تسللت منها مقومات الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، حيث عقد مقارنة بناء على شهادات الكتاب الغربيين أنفسهم حول أوروبا في العصور الوسطى وحضارة الأندلس التي كانت متقدمة علميا ومعرفيا وحضاريا، فكان في الأندلس الجامعات والمراصد والمختبرات والمكتبات، حيث كان في إسبانيا أكثر من 70 مكتبة عامة حتى أن مكتبة الحاكم المستنصر كانت تحتوي وحدها على 600 ألف كتاب في ذلك العصر، وذلك وفقا لكتاب /حضارة العرب/، في حين كانت العواصم الأوروبية غارقة في الظلام، لافتا إلى أن نتائج هذه المقارنة كلها كانت مقدمات منطقية لأن يبرز من المسلمين الأطباء والعلماء والمهندسون.
وذكر الكملي الكثير من علماء المسلمين الذين برزوا في صناعة عناصر الحضارة في مختلف العلوم والمعارف مثل البيروني والخوارزمي وابن سينا والفارابي وغيرهم، مشيرا إلى أن الأمر لا يتوقف على العلماء المشهورين بل هناك علماء كبار لم يحظوا بنفس الشهرة، مثل أبو بكر ابن زهر الذي برع في الطب وهو صاحب كتاب التيسير في المداواة والتدبير، وكان أول من استعمل الغرز في سد الجروح، وأول من نص على ضرورة التزام الطبيب للمراقبة السريرية للمرضي وعدم الاكتفاء بالجانب النظري.
كما تحدث الكملي عن كتاب الألمانية زغريد هونكه والمترجم /شمس العرب تشرق على الغرب/، في حين رأى أن الترجمة الصحيحة هي شمس الإسلام تشرق على الغرب لما تحمله من تأثير الإسلام ذاته، مؤكدا في حديثه أن العرب كانوا أول من بنوا المستشفيات، فكان أول مستشفى ذلك الذي بناه الوليد بن عبدالملك في دمشق عام 88 هجرية، لينتقل إلى باقي الحواضر الإسلامية وكان بالمستشفيات غرف للمرضى، وعلاج كامل بالمجان.
وتناول الداعية المغربي الدكتور سعيد الكملي الإسهامات التي قدمتها الحضارة الإسلامية في مجال الرياضيات، والتي استفاد منها الغرب وقاموا بالبناء عليها فيما بعد، ما جعل الأقلام الغربية حريصة على ترجمة المؤلفات التي ألفها المسلمون في الرياضيات، مشيرا إلى كثير من النماذج في هذا المجال ومن أهمهم: بن البناء المراكشي والذي برع إلى جانب الرياضيات في العديد من العلوم شأن الكثير من علماء المسلمين، وقد ألف أكثر من سبعين كتاباً في الحساب، والهندسة، والجبر، والفلك، ضاع أغلبها ولم يبق إلا القليل منها، وقد تمت ترجمة ما تم العثور عليه منها.
وفي معرض حديثه عن إشكالية تراجع المسلمين في العصور الحديثة، قال هذا أمر له أبعاد كثيرة أهمها الاستعمار الذي استطاع أن يفصل حاضر المسلمين عن ماضيهم، إلى جانب الاعتماد على كتابات الغرب التي انطلقت من معاداة الإسلام والمسلمين، مؤكدا في ختام حديثه على ضرورة العودة إلى العلوم كوسيلة لتحقيق إسهام حضاري حقيقي، مؤكدا أن هناك تجارب أكاديمية في العالم الإسلامي، ومنها عدد من الجامعات القطرية التي تسلك هذا السبيل الذي يعزز العلم كوسيلة للنهوض.
جدير بالذكر أن موسم الندوات تضمن 5 ندوات، وأمسية شعرية وهو منصة سنوية حية وفضاء رحب لإبراز الثقافة الوطنية وإثرائها بالتفاعل مع الثقافات العالمية، فضلاً عن دوره الأساسي في تعزيز الحوار بين المفكرين وأجيال المثقفين حول قضايا محورية تهم قطاعات واسعة من المجتمع.
مساحة إعلانية