اقتصاد محلي
87
ارتفاع تكاليف تمويل المواد الخام يضعف الإنتاج الصناعي
حسين عرقاب
نشر موقع “consultancy” تقريرا تناول فيه موضوع الصناعة في قطر خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك على اختلاف نشاطاتها، مؤكدا النمو المعتبر لهذا المجال داخل الدوحة مؤخرا، مستدلا في ذلك بزيادة عدد المصانع العاملة في الدولة، والتي لا يمكن مقارنتها بما كانت عليه الأوضاع قبل عشر سنوات من الآن، مرجعا الفضل في ذلك إلى العديد من المعطيات التي أسهمت بشكل مباشر في تحقيق هذا القطاع لمثل هذه النهضة، وأولها الإدراك الكبير من طرف رجال الأعمال لضرورة الاهتمام بالإنتاج المحلي، وتقديم منتج وطني قادر على المنافسة في السوق الوطنية، دون نسيان مونديال كرة القدم الذي احتضنته الدوحة نهاية العام الماضي، والذي لعب دورا كبيرا في توجيه المستثمرين إلى اطلاق مشاريع جديدة في شتى المجالات، من أجل تلبية حاجات زوار البلاد في تلك الفترة، وهو ما تمكنت منه المصانع المحلية بالذات العاملة في قطاع الأغذية، والتي تمكنت من تغطية حاجات السوق المحلي دون تسجيل أي نقص بالرغم من التزايد الواضح في كميات الطلب على جميع البضائع.
نمو منتظر
وأكد التقرير على أن الحفاظ على هذا النسق يتطلب بكل تأكيد الاستمرار في السير على هذا النهج، والتخطيط للمرحلة القادمة التي يجب أن تستفيد فيها الدوحة من مجموعة من العوامل، التي من شأنها العمل على دفع عجلة هذا القطاع إلى الأمام بصورة أكبر في المستقبل، وأولها المناطق الحرة التي يجب استغلالها بالشكل المطلوب، وكذا البنية اللوجيستية المميزة التي تتوفر عليها البلاد من مطارات وموانئ، والقادرة على تحويل قطر إلى محور تجاري مهم للوصول بمختلف البضائع إلى دول أفريقيا وغيرها من البلدان الآسيوية، التي تطرح أسواقها العديد من الفرص للمصانع التابعة لرجال الأعمال القطريين، أو غيرهم من المستثمرين الأجانب، بالذات في حال ما تم الاستفادة من هذه النقطة بالصورة اللازمة، منتظرا تحقيق الصناعات القطرية للمزيد من النمو في الفترة القادمة، التي من المتوقع أن يتم العمل فيها على إطلاق مصانع جديدة تهتم بكل التخصصات مع توسعة المشاريع الحالية، التي ما زالت تملك هامشا للتوسع أكثر.
معوقات الصناعة
وفي تعليقهم على ما جاء به التقرير بين العديد من المصنعين القطريين الناشطين في مختلف القطاعات حقيقة ما جاء به تقرير “consultancy” بخصوص التطور الكبير الذي شهده هذا المجال في السنوات القليلة الماضية، إلا أنهم وبالرغم من ذلك أبدوا رغبتهم في تغيير وتعديل العديد من العوامل المساهمة في الحفاظ على هذا النمو، والسير بهذا القطاع إلى ما هو أفضل خلال الفترة القادمة، المعتمدة عليهم كمستثمرين من خلال الحرص على الاستفادة من الفرص الصناعية الموجودة في الدولة، وأولها التوجه نحو الصناعة البيتروكيمياوية، وغيرها المستندة على الجهات المسؤولة على القطاع في البلاد، المطالبة بتقديم الستهيلات اللازمة للمستثمرين المساهمين في الصناعة الوطنية وغيرهم من الراغبين في ولوج هذا العالم مستقبلا، من الناحيتين المادية وكذا اللوجيستية.
وبين المتحدثون ذلك بالإشارة إلى أبرز النقاط التي ما زالوا فيها بحاجة إلى المزيد من الدعم، ومن بينها دراسة تكلفة التمويل من طرف البنوك، والتي يجب أن يتم تخفيضها إذا ما أردنا الحفاظ على النسق التصاعدي لهذا المجال، وبالذات المرتبطة منها بالقروض التشغيلية، زد إلى ذلك تمكين المصنعين من الوصول إلى الأراضي أو المصانع الجاهزة بأقل التكاليف لإعطائهم القدرة للانطلاق بمشاريعهم وإخراجها من سجن المخططات الورقية، إلى أرض الواقع، وسن قوانين تحمي المصنعين من حيث الحصول على أموالهم الناتجة عن المناقصات مع مختلف الشركات في البلاد، وتضمن لهم القدرة على منافسة البضائع المستوردة، لاسيما في المنتجات التي بلغنا فيها مرحلة الاكتفاء الذاتي.
وأضاف رجال الأعمال لـ “الشرق” ضرورة تيسير الإجراءات الإدارية التي باتت من أبرز العراقيل التي تواجههم في طريقهم نحو الاستثمار الصناعي، قائلين إن الخطوات الإدارية لفتح مصنع ما قد تستغرق مدة تصل إلى سنة كاملة، داعين إلى تحسين هذا المحور بالذات، خاصة وأن كل الإمكانيات لذلك متوفرة، وعلى رأسها القفزة النوعية التي حققتها الدولة في الخدمات الالكترونية، مؤكدين على أن النجاح في القيام بهذه التعديلات سيسمح دون أي أدنى شك من الرفع من حجم الاستثمارات الصناعية في قطر، سواء من خلال رجال الأعمال المحليين، أو غيرهم الأجانب الذين يحتاجون إلى المناخ المناسب من أجل إقرار الاستثمار في أي دولة كانت.
تنويع الاستثمار
وفي حديثه للشرق شدد رجل الأعمال ناصر الحيدر على الازدهار يشهده القطاع الصناعي في البلاد خلال المرحلة الأخيرة، وتوجه العديد من أصحاب المال إلى إطلاق مصانعهم الخاصة على اختلاف نشاطاتها، بعد إدراكهم لضرورة النهوض بالمنتج المحلي والوصول به إلى مرحلة منافسة نظيره المستورد والقادم من مختلف دول العالم، إلا أنه وبالرغم من ذلك قال بأن الحفاظ على النسق التصاعدي لهذا المجال، والوصول به إلى مستويات أكبر من التي هو عليه في الوقت الراهن، يتطلب اتخاذ مجموعة من الخطوات، التي تعتمد على المستثمرين في حد ذاتهم، وكذا على الجهات القائمة على هذا القطاع في الدولة.
وبين الحيدر كلامه بالإشارة إلى الدور الكبير الذي سيلعبه المستثمرون في الحفاظ على التطور الذي تمر به الصناعات في الدولة خلال الفترة الحالية، وذلك من خلال تركيزهم على النهوض به وتعزيزه أكثر فأكثر مستقبلا، عبر التوجه إلى المجالات الصناعية التي ما زالت توفر فرصا استثمارية للراغبين في اقتحام هذا العالم، وعلى رأسها الصناعات البيتروكيمياوية التي لم تلق لحد الساعة الاهتمام اللازم، في ظل الامكانيات الكبيرة التي تحوزها البلاد في هذا المجال، وأهمها المواد الخام المتواجدة بكثرة في قطر، بالنظر إلى مخلفات الانتاج المحلي من الغاز الطبيعي المسال، والتي من المنتظر أن تتضاعف في الفترة القادمة، مع سعي الدوحة إلى رفع قدراتها الانتاجية من الغاز الطبيعي المسال إلى 126 مليون طن سنويا من الغاز، وهو ما يمكن له أن يجعل قطر واحدة من الدول الرائدة في الصناعات البيتروكيمياوية، في حال ما تم استغلاله بالشكل المطلوب.
تشييد المصانع
وفي كلامه عن الاجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومة لدعم النمو الصناعي الذي تشهده الدولة في الفترة الحالية، صرح رجل الأعمال عبد العزيز البوعينين، أن أهم ما علينا الانطلاق منه هو تهيئة البيئة المناسبة للراغبين في الاستثمار الصناعي داخل قطر، وبالذات أصحاب المال المحليين الذين ما زالوا بحاجة إلى المزيد من الدعم الحكومي لتمكينهم من الوصول إلى ما يطمحون إليه في هذا القطاع كل على حسب اختصاصه، ورفع مستوى الصناعة القطرية إلى أعلى مستوياتها، بما يتماشى مع رؤية قطر 2030، المبنية في الأساس على تمويل حاجيات السوق المحلي بالسلع الوطنية والتقليل من الاعتماد على البضائع القادمة من الخارج.
وبين البوعينين أن المقصود بتهيئة البيئة للمستثمرين المحليين، هو الرفع من درجات الدعم اللوجيستي المقدمة لهم، وبالأخص المرتبطة بالمصانع الجاهزة أو الأراضي الخاصة بتشييدها من طرف أصحاب المال، وذلك لتقليل التكاليف الخاصة بإنشاء المشاريع الصناعية، مؤكدا على أن عملية الحصول على بنايات جاهزة للمارسة النشاط الصناعي معقدة جدا، في حين أن الحصول على قطع أراضي لبناء المصانع الخاصة بالمستثمرين يعتبر مكلفا في ظل زيادة رسوم الإيجار والوصول بها إلى حدود 10 ريالات قطرية للمتر الواحد سنويا، ما يرفع قيمة الإيجار إلى مبالغ كبرى لا تخدم المستثمر، الأمر الذي دفع بالكثير من رجال الأعمال القطريين إلى التوجه للخارج وإطلاق مشاريعهم الخاصة هناك، ومن ثم توجيه سلعها إلى الدوحة، بدلا من تأسيسها فيها، لافتا إلى ضرورة التركيز على هذه النقطة بالذات وإيجاد حلول لها، من أجل تشجيع المستثمرين المحليين على الاستثمار في البلاد دون اللجوء إلى الدول الأخرى بحثا عن تكاليف أقل.
تكلفة التمويل
من جانبه رأى رجل الأعمال منصور المنصور أن موقع الانتاج لا يعد العقبة الوحيدة التي تواجه المصنعين في قطر على اختلاف تخصصاتهم، مضيفا إليه تكلفة التمويل العالية والتي باتت من بين أبرز عراقيل تطوير القطاع الصناعي في قطر، بالذات فيما يتعلق بالقروض البنكية التي وصلت أرباحها إلى مستويات جدا عالية، تدفع بصاحب المال إلى التفكير لألف مرة قبل التفكير في الاستفادة منها، زد إليها قيمة المواد الخام التي زادت بشكل ضخم في الفترة الحالية، وهو ما يتطلب إعادة النظر في طرق تمويل المشاريع الصناعية في قطر خلال المرحلة القادمة.
واقترح المنصور أن يتم على الأقل تخفيض قيمة الأرباح على المصنعين فيما يتعلق بالمواد الأولية، في صورة ما يحدث في العديد من دول العالم، التي نجحت من خلال هذه الخطة في النهوض بهذا المجال والقفز به إلى درجات جدا عالية، مفسرا ذلك بالقول بأن المؤسسات المالية المساهمة في تمويل المشاريع الصناعية في قطر، مطالبة بالتفريق بين أنواع التمويل، داعيا إياها إلى تخفيض نسب الأرباح فيما يتعلق بالعقود التمويلية الخاصة بتشييد المصانع، وانزالها إلى درجات أقل فيما يتعلق بتكلفة المواد الخام بما يعرف بتمويل رأس المال العام للمواد الخام بالنسبة للمصانع المنتجة، ما يسهم بكل تأكيد في تقليل التكاليف ويدفع بملاك هذه المشاريع إلى البقاء في السوق، والاستمرار في السير مع ما يتوافق ورؤية قطر 2030 المبنية في الأساس على التقليل من الاستيراد، والاستناد بدرجة أكبر على المنتجات الوطنية.
سن قوانين
بدوره صرح السيد مصون الأصفر الرئيس التنفيذي لشركة “FINE MATTRESSES” بأن الصناعة في قطر، وبعيدا عن التطور الذي حققته في الفترة الأخيرة، إلا أنها ما زالت بحاجة إلى إعادة النظر في بعض النقاط وسن قوانين تحمي المنتج الوطني، وتنصف المستثمرين، وأولها تلك المتعلقة بإعادة الدورة المالية للمصنعين المشاركين في مناقصات، والتي تأخذ مدة زمنية طويلة تصل إلى تسعة أشهر كاملة أو سنة في بعض الأحيان، وهو ما يضر بالمصانع المحلية ويقلص من نسب نموها.
ووصف الأصفر بعض المناقصات بالنكبة بالنسبة للمصانع المحلية، كونها تضر أكثر مما تنفع المستثمر الوطني، وهو ما يجب التركيز عليه في المرحلة القادمة من أجل تشجيع المستثمرين على الاستثمرار في هذا القطاع، والعمل على لعب دورهم كاملا في تمويل السوق بما يحتاجه من بضائع وطنية، زد إليها العمل على تقديم تشريعات تخدم المستثمر الأجنبي، دون نسيان تقديم التسهيلات اللازمة للمصانع الوطنية لعرض منتجاتها في مختلف الأسواق المحلية، من خلال عقد اتفاقيات حكومية مع المراكز التجارية في الدولة من أجل تخفيض أسعار إيجاراتها في وجه المصانع الوطنية، التي ما زالت منغلقة على نفسها في ظل ندرة المساحات التجارية المساعدة على عرض البضائع الوطنية.
تسهيل الإجراءات
من ناحيته شدد رجل الأعمال شاهين المهندي على أن قطاع الصناعة في قطر ما زال بحاجة إلى المزيد من التسهيلات من أجل تمكين رجال الأعمال النشطين فيه من تحقيق أهدافهم وبلوغ كل ما يطمحون فيه، بالذات من الناحية الإدارية التي ما زال المستثمرون يعانون فيها الكثير، بحكم تداخل الجهات المشاركة في عمليات اطلاق أو توسعة المشاريع الصناعة، قائلا بأن عملية الحصول على ترخيص لمصنع تستغرق سنة كاملة، بسبب شمله لمجموعة كبيرة من الجهات، وهو ما يجب العمل على حله في الفترة القادمة، إذا ما أردنا تشجيع أصحاب المال القطريين على إطلاق مشاريع صناعية على المستوى الوطني، ومن ثم غيرهم من رجال الأعمال الأجانب الذي قد يجدون في قطر ما يبحثون عنه من فرص استثمارية وتعرقلهم بعد ذلك صعوبات الإجراءات.
وأضاف المهندي أن الحفاظ على المصانع الموجودة في الوقت الراهن وتعزيزها بأخرى منتجة، يتطلب أيضا بعض الخطوات الأخرى، العاملة على تقليل التكاليف بالنسبة للمصنع المحلي، ضاربا المثال بتكاليف الطاقة الخاصة بمساكن العمال، حيث تصل فواتير الكهرباء والماء في هذه البيوت إلى أرقام كبيرة جدا تؤثر بشكل سلبي على الدخل المالي للمصنعين.
تعزيز الصادرات
وبالنظر إلى حجم السوق المحلي وعدم تمكن المصانع المحلية من تسويق كميات كبيرة من منتجاتها، بين رجل الأعمال فهد علي أحمد بوهندي رئيس مجلس إدارة مصنع مخابز الأرز الأوتوماتيكية بأن المرحلة القادمة تتطلب المزيد من الجهد لتسهيل عمليات تصدير المنتجات المحلية من طرف وزارة التجارة والصناعة، المطالبة بالتركيز أكثر على هذا الجانب خلال المرحلة المقبلة، من أجل إعطاء المصانع الوطنية القدرة على التوسع أكثر على المستوى الخارجي.
وأكد بوهندي أن المنتج المحلي يملك كل المقومات اللازمة للمنافسة في الخارج من ناحية الجودة وكذا الأسعار في حال خروجها إلى الأسواق المجاورة على الأقل في المرحلة الأولى، لافتا إلى قدرة المصانع الوطنية على رفع انتاجها والوصول به إلى كميات أكبر بكثير من تلك التي هي عليها في الوقت الراهن، إلا أنها لا تقدم على ذلك تخوفا من العجز عن تسويق بضائعها بالنظر إلى حاجيات السوق الوطني، وعدم قدرتها على الوصول بها إلى الأسواق الأخرى.
مساحة إعلانية