عربي ودولي
52
رام الله – محمـد الرنتيسي
في عدوانه الأخير على مدينة ومخيم جنين، لم يتمكن جيش الاحتلال من الوصول إلى المجموعات المسلحة، التي تضم مقاتلين من مختلف الفصائل الفلسطينية، ويزيد عددهم حسب تقديرات الاحتلال عن 300 مطلوب لأجهزته الأمنية، ما دفع بالمراقبين والمحللين العسكريين الإسرائيليين، إلى وصف ما جرى بأنه عملية استعراضية، ومخيبة للآمال.
ومنذ ذلك الحين، لا تغادر طائرات الاحتلال المسيرة، سماء مدينة جنين ومخيمها، وحتى لدى انسحابه منهما، كان جيش الاحتلال يتوعد الأهالي بجولة أخرى، وربما جولات، حتى تصفية عناصر المقاومة.
وما يربك حسابات الاحتلال، أن المجموعات المسلحة، باتت تضم مقاتلين من الجيل الفلسطيني الجديد، المتعطش لبديل عن المفاوضات والعملية السياسية، بعدما داستها مدرعات الاحتلال، سواء أكان من خلال الاعتداءات المستمرة لجيش الاحتلال وعصابات المستوطنين، والتي تستهدف البشر والشجر والحجر، أو من خلال استمرار مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني بما يهدد الوجود الفلسطيني، أو محاولات تهويد القدس ومقدساتها، وطمس معالمها.
خلال الساعات الأخيرة، اغتالت قوات الاحتلال ثلاثة مقاومين في بلدة عرابة قرب جنين، الأمر الذي يرى فيه المواطنون بأنه يحمل بين ثناياه نوايا عدوانية، باستهداف مدينة جنين، كمكان هو «الأخطر في العالم» من وجهة نظر الاحتلال وحكومته، إذ سبق ووصف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مخيم جنين، بأنه المكان الأكثر خطورة في العالم، متعهداً بشن هجمات أخرى على جنين، بهدف تصفية المقاتلين والمطلوبين، وفق توصيفه.
وباتت سلطات الاحتلال تتعامل مع مخيم جنين كـ»خزان ثورة» بحسبانه الأكثر اكتظاظاً بين المخيمات الفلسطينية، والأوسع انتشاراً لمجموعات المقاومة، إذ تحول كل مقاتل ينتمي للمجموعات المسلحة، إلى أيقونة وأسطورة وطنية في نظر الأجيال الشابة، التي دأبت هي الأخرى على الانخراط في هذه المجموعات في سن مبكرة.
ولعل أكثر ما يميز مخيم جنين عن بقية المخيمات الفلسطينية، وقوعه على مشارف الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والمعروفة بـ»الخط الأخضر» وتحديداً مدن الساحل الفلسطيني والتي لجأ غالبية سكانها إلى المخيم، وربما لا يطيق أبناء مخيم جنين العيش في منازل وأزقة شديدة الاكتظاظ، بينما يرون على بعد أمتار مدنهم الجميلة، وما تحويه من سهول وشواطئ ومتنزهات، يستمتع بها المحتلون!.
يقول الناشط في المقاومة الشعبية مجدي تركمان (32) عاماً من مخيم جنين، إن أبناء المخيم نشؤوا وشبوا على قصص وحكايات بطولية، سطرها أقارب لهم، ومنهم الشهيد أو الجريح أو الأسير، ما أورثهم فكر المقاومة والثورة في سن مبكرة.
ويضيف لـ»الشرق»: «عندما اجتاحت قوات الاحتلال مخيم جنين عام 2002 خلال العملية العسكرية التي أطلق عليها جيش الاحتلال «السور الواقي» واستشهد خلالها 58 فلسطينياً، بينما قتل 23 جندياً إسرائيلياً، فإن غالبية من ينتمون لخلايا المقاومة اليوم، لم يكونوا قد أبصروا النور بعد، لكنهم سمعوا من أقاربهم عن القصص البطولية التي سطرها أبناء المخيم في حينه، فنهضوا على أفعالهم وورثوا إرثهم، محاولين تقليدهم، والسير على نهجهم».
ويرى مراقبون أن ما أفضت إليه نتائج الجولة الأخيرة من العدوان على مخيم جنين، من كسر شوكة الاحتلال وإفشال مخططاته، عززت فكرة المقاومة عند الجيل الفلسطيني الجديد، الذي بات على قدر كاف من الجاهزية، للتصدي لأي عدوان آخر.
مساحة إعلانية