‫ الشرق تناقش عزوف الجمهور عن الفعاليات الثقافية


ثقافة وفنون

20

وسط دعوات لتطوير مضامينها واختيار عناوينها

03 سبتمبر 2023 , 07:00ص

alsharq

طه عبدالرحمن

في ظل زخم الفعاليات التي قد لا تهدأ طوال العام، فإن الناظر إلى حضورها الجماهيري، يراه قد يكون ضعيفاً، إن لم يكن معدوماً، ما يجعل مثل هذه الفعاليات، وخاصة الثقافية منها في حاجة ماسة إلى الجمهور، لاكتمال أحد أضلاع الفعل الثقافي، والذي يتشكل من المتلقي والمبدع، والجهة الثقافية الفاعلة.


وحرصاً من ، على أهمية استثمار هذه الفعاليات عبر جمهور يتفاعل مع مضامينها، تطرح للنقاش أسباب عزوف الجمهور عن عدم حضور هذه الفعاليات، علاوة على التوقف عند نوعية الفعاليات المقدمة، وما إذا كانت نوعية تدفع المتلقي لحضورها، أم تقليدية، تكون طاردة له، ما يخلق فجو بالتالي بينها وبين الجمهور، خاصة مع مخاطبتها لشريحة بعينها، دون أن تلامس واقع الجمهور أو طموحاته.


خولة مرتضوي: الكثير من الفعاليات تتسم بالتقليدية


تقول الباحثة الأكاديمية خولة مرتضوي: إن مؤسسات الدولة الثقافية تنظم كماً كبيراً من الفعاليات، وهو ما يقابله قدر كبير من الإعلانات عبر الوسائط المختلفة، تدعو لحضورها، «ما يجعلنا محظوظين بأن نعيش في دولة حراكها الثقافي لا يهدأ على مدار السنة».


وتضيف ليس الأمر بندرة الفعاليات، ولكن كثيراً منها يتسم بالتقليدية التي ملها الأدباء أنفسهم، وبالخمول الفكري، الذي لا يثير قضايا للنقاش أو الحوار، لابتعادها عن المواضيع الإشكالية، بل وترسخ أعرافاً تقوم على تجنب النقد الصارم أو التنويري، وتعمد إلى تكريس مبدأ الاستماع والسكوت، من باب أن المناسبة للاحتفاء الذي يتطلب لغة المديح، وللعرض الذي يستوجب التهنئة والتكريم، وسوادها الأعظم الذي أود التحدث عنه هو غياب الجمهور، فالمدرجات أو القاعات تملؤها الأشباح.


وتلفت إلى أن إشكالية غياب الجمهور عن كثير من الفعاليات الثقافية تدعو إلى التساؤل عن مكمن هذا الخلل، وربما كان الأمر يتعلق بنوعية النشاطات التي تقام وأهميتها، أو بعدم التنسيق بين الهيئات الثقافية المنظمة للأنشطة، وتضاربها مع بعضها البعض، وما هو لافت عزوف منظمي الفعاليات أنفسهم عن حضورها، في بعض الأحيان.


وتشير إلى أن هناك تباينا لآراء الفنانين والمثقفين حول أسباب انحسار الجمهور عن الفعاليات الثقافية، ففيما يرى بعضهم أن التقنيات الحديثة جذبت قطاعاً كبيراً من الناس، فقد اعتبر آخرون أن المشكلات الحياتية اليومية، تقف حائلاً أمام بحث المتلقي عن الفعاليات المناسبة، بينما رأى فريق ثالث أن مسؤولية الغياب مشتركة بين المثقف والجمهور، فقطاع من المثقفين يتعاملون بفوقية مع المتلقين؛ ما نتج عنه عزوف كثيرين عن المتابعة، والبعض يجد – وأنا منهم- أن تعدد الفعاليات من ثلاثة إلى أربعة نشاطات في اليوم نفسه يسبب إرباكا للحضور.


وترى أن هناك نوعاً من غياب التخطيط المؤسسي الذي يضع برنامجاً مسبقاً بشكل دائم، ومن ثم يبادر للإعلان عنه بشكل مكثف ومستمر لتأمين الحضور الجماهيري، ما يجعل أغلب النشاطات عشوائية ووليدة اللحظة، وبهذا فهى لا تمتلك رؤية للعمل بأسلوب منظم طويل المدى، كما أن هناك تقصيرا في استثمار القنوات الاعلامية، «ولابد من التأكيد أن غياب الجمهور المعني عن حضور الفعاليات الموجهة له تحدٍ يلام عليه فريقان، فهو أزمة مثقّف بالأصالة، وأزمة جُمهور ثقافيّ في النّهاية، لكنّ كليهما يؤدّي إلى الآخر، وأن دوافع الجمهور يصعب علينا توجيهها وتعبئتها نحو الاهتمام بالحضور، فهي استعدادات شخصية وميول ثقافية».


آمنة السيد: يجب النزول للجمهور واختيار أماكن تواجده


ترى الكاتبة آمنة السيد أن عزوف الجمهور عن حضور الفعاليات الثقافية، ليس عاماً، فهناك فعاليات يجتمع فيها الجمهور ويطلبها كمعرض الدوحة للكتاب السنوي وكذلك فعاليات (كتارا) والفعاليات التي صاحبت كأس العالم وغيرها كانت محل جذب الكثير.


وتقول: علينا دراسة الأسباب، والبحث عن حلول لدفع عملية التنمية الثقافية في مجتمعنا وعزوف الجمهور عن حضور بعض الفعاليات وسد الفجوة بين المثقفين والشارع والجمهور القارئ المستمع وذلك من خلال النزول للجمهور واختيار الأماكن التي يتواجد بها.


وتقترح اختيار الفعاليات التي تواكب المناسبات المحلية والعالمية، فمثلا العودة للمدارس، فلابد لها من فعاليات تتضمن لقاءات إعلامية، وكذلك إقامة فعاليات بأماكن تواجد الجمهور للمناقشة والطرح، وكذلك اختيار المواضيع والتنوع في العناوين ولتكن هناك فعالية شهرية باسم بسيط نراه في شوارعنا وإعلاناتنا ويشارك فيه الإعلاميون والكتاب والجمهور، بحيث تكون خارطة قطر تضم فعاليات شهرية مناسبة للأحداث العالمية، ويشارك فيها الجمهور بمختلف فئاته، وبمواضيع قريبة منه.


وتستشهد على سبيل المثال بمعرض تجاري أو تنموي. وتتساءل: لماذا لا يكون هناك قسم خاص ومنبر إعلامي يتم مناقشة جانب اقتصادي أو اجتماعي مناسب ليشعر الجميع بأن الثقافة جزء من المنظومة اليومية لنا كبشر، وليست في المدارس والجامعات ومنابر الصحافة والندوات، أو تكون هناك إذاعة عامة في المجمعات التجارية للاستفادة منها إعلاميا وثقافيا.


وتشدد على ضرورة تغير طريقة الطرح ولغة الخطاب في الإعلام والعودة لبرامج متخصصة ثقافياً بروح قطرية اجتماعية مناسبة وقريبة من الجمهور، «وإشراك المؤثرين الاجتماعيين في هذه الحملات، كما يحدث مع سباق الفورملا ومعرض إكسبو للبستنة وكأس آسيا وغيرها باختيار مواضيع وكتب مناسبة ومناقشتها وعرضها وتوزيعها». وتقول: يد بيد نجعل الثقافة في متناول الجميع.


أحمد البدر: الجمهور.. المقياس الحقيقي للنجاح


يتساءل المؤلف والمخرج المسرحي أحمد البدر، هل منظم الفعاليات والأنشطة الثقافية يعرف ماذا يريد الجمهور، وهل هناك دراسات وأبحاث وإحصائيات عن احتياجات المتلقين، وهل هناك جامعات وجهاز إحصاء، ومراكز متخصصة لإجراء دراسات وإحصاءات لمعرفة ماذا نقدم ومتى يقدم. ويقول: معظم ما يُقدم من فعاليات تكاد تكون عشوائية في اختيار الزمان والمكان والموضوع، ُوضعت في «الأجندة»، منذ العام الماضي، ما جعلها حشوا فقط، لا يلامس رغبات وتطلعات المتلقي، وكلما كان موضوع الفعاليات والأنشطة الثقافية قريبة من المتلقي ويفهما ويتفاعل معها تكون جاذبة له، دون استعراض عضلات من أصحاب الفعاليات أوالتعالي على الجمهور كأنه يطلب جمهورا معينا لتصبح نخبوية ويرصده الإعلام، لذلك لابد أن يراعي منظم الفعاليات الثقافية اختياره للجودة والأنسب، فرضاء المسؤول ليس مقياساً للنجاح، فالجمهور هو المقياس الحقيقي.


مازن القاطوني: فجوة عميقة بين الفعاليات والجمهور


يؤكد الكاتب مازن القاطوني: إنه رغم كثرة وتعدد الفعاليات الثقافية، إلا أن ثمة فجوة عميقة بينها وبين الناس، يمكن التثبت منها من خلال ملاحظة عزوف الجمهور عن حضور مثل هذه التجمعات، «وهي حقيقة مُرة يجب أن نتدبرها ونحللها لمعالجتها، والعودة بالثقافة مجدداً إلى مركزيتها وجاذبيتها المفترضة.


ويرجع عزوف الجمهور عن عدم حضور هذه الفعاليات إلى أسباب شتى، أبرزها كثرة الأعباء والانشغال والتشتت الذي بات عليه الجميع، بسبب مواقع التواصل الاجتماعي ومستجدات العصر، علاوة على النخبوية التي تتسم بها تلك الفعاليات، إذ «تتوجه في مواضيعها إلى جمهور بعينه، قد يشمل الطبقات المتخصصة، وهو ما ينعكس على طبيعة الموضوعات المطروحة، والتي قد تكون موضوعات معقدة، فاقدة للجاذبية بالنسبة لعامة الناس».


ويقول: إن المشهد الثقافي الحالي يشهد تباينًا عميقا في تفضيلات الناس واتجاهاتهم، وينبغي علينا مواكبة هذا التباين والتغير، والبحث في أساليب مبتكرة للوصول إلى قلوب وعقول الجمهور، وذلك بالترويج الإبداعي للفعاليات، من خلال إعلانات ملهمة، واختيار مواضيع تتلاقى مع اهتمامات الناس وتلامس تطلعاتهم، وتحمل جرأة وتجديداً، يثير التفكير ويفجر الفضول ويسترعي الانتباه.


ويتابع: إن عزوف الجمهور عن حضور الفعاليات قد يكون بمثابة تحدٍ للمثقفين يجب الانطلاق من خلاله لمزيد من التقارب مع الجمهور وفهم تطلعاته، وهى فرصة لتجديد الأفكار والتصورات، وبناء جسور قوية بين الناس والثقافة، من أجل مجتمع واعٍ مثقف متذوق».

مساحة إعلانية



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *