اليوم الدولي لمكافحة الفساد.. ارتباط مكافحة الفساد بتحقيق السلام والأمن والتنمية
محليات
2
شعار جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد
الدوحة- قنا
يقوض تفشي الفساد أسس بناء الدول والمجتمعات والمؤسسات بما يترتب على انتشاره من آثار وخيمة على سيادة القانون والتقدم الاقتصادي، وما يتبعه من إفشال سبل التنمية، وبالتالي تعطل المشاريع الحيوية وتوقف الاستثمارات الأجنبية التي تساهم بتطوير البلاد وانتشال الفئات الفقيرة من أتون الفقر والبطالة، فضلا عن تحميل الدولة تكاليف وأعباء إضافية لمكافحة الفساد بمليارات الدولارات.
ومنذ 21 عاما أعلنت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ووضعت بنود كثيرة تهدف لوقف تمدد الفساد بمساعدة كل الجهات الراعية في أنحاء العالم، على أساس أن تتخذ الدول والشركات الكبرى الخطوات اللازمة لمنع الفساد وتعزيز الشفافية وتقوية المؤسسات، فهي أمور بالغة الأهمية إذا أريد تحقيق الغايات المتوخاة في أهداف التنمية المستدامة التي بدأت الدول تضعها ضمن خططها، لمواكبة التطورات الحثيثة في تهيئة الاقتصاد لتقبل التغييرات الجديدة التي تحث على الشفافية ومحاربة الرشى والصفقات المريبة واستغلال المناصب لمصالح شخصية.
ويأتي الاحتفال باليوم الدولي لمكافحة الفساد الذي يوافق التاسع من ديسمبر من كل عام، اعترافا بأهمية الحكم الرشيد والمساءلة والالتزام السياسي، ومتابعة التغييرات الإيجابية التي أحدثتها الجهود الدولية في مواجهة التحديات الماثلة منذ عدة أجيال، ويتربع على رأسها وباء الفساد بكل آثاره السلبية وتشابكه الوثيق مع الصراعات والاضطرابات التي تهدد التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تستنزف المؤسسات الديمقراطية وتعطل إنفاذ القوانين.
وبلغة الأرقام، يصنف مؤشر مدركات الفساد 180 بلدا وإقليما من خلال مستوياتها المدركة لانتشار الفساد في القطاع العام، على مقياس يتراوح من صفر (شديد الفساد) إلى 100 نقطة (نزيه جدا).
ووفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير الصادر نهاية يناير 2023، فإن أكثر من ثلثي بلدان العالم يعاني من مشكلة خطيرة مع الفساد، إذ سجلت درجات أقل من 50، وقد انخفض متوسط الدول العربية على مؤشر عام 2022 إلى 33 درجة من أصل 100، واحتلت 3 دول خليجية بينها دولة قطر المراتب الأولى عربيا في مكافحة الفساد، وفقا للتقرير.
ويضيف تقرير منظمة الشفافية الدولية أن مستويات الفساد لا تزال تراوح مكانها في أغلب أنحاء العالم، حيث لم تحرز 86 بالمئة من الدول تقدما يذكر أو أي تقدم على الإطلاق في السنوات العشر الماضية. ووجدت منظمة الشفافية الدولية أن البلدان التي تنتهك الحريات المدنية باستمرار تسجل درجات أقل على مؤشر مدركات الفساد، حيث يؤدي التراخي في محاربة الفساد إلى تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية، مما يؤدي إلى نشوء حلقة مفرغة.
وبحسب التقرير، يظل المتوسط العالمي لمؤشر مدركات الفساد دون تغيير عند 43 درجة للعام العاشر على التوالي، ويسجل ثلثا البلدان أقل من 50 درجة، على مؤشر مكافحة الفساد الذي تتصدره الدنمارك وفنلندا ونيوزيلندا وهي ضمن دول الـ10 بالمئة الأعلى في درجة الحريات المدنية على مؤشر الديمقراطية.
ومنذ إنشائه عام 1995 أصبح مؤشر مدركات الفساد، المؤشر العالمي الرائد لمعرفة فساد القطاع العام، ويستخدم المؤشر بيانات من 13 مصدرا خارجيا، بما في ذلك البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، وشركات المخاطر والاستشارات الخاصة، ومراكز الأبحاث وغيرها. وتعكس النتائج آراء الخبراء ورجال الأعمال، وتتم مراجعة عملية حساب مؤشر مدركات الفساد بانتظام، للتأكد من أنها قوية ومتماسكة قدر الإمكان.
ولا يتبع الفساد قضايا الصراع فحسب، بل هو كذلك أحد أسبابه الجذرية في كثير من الأحيان، فهو بتقويضه سيادة القانون يعمل على تغذية النزاعات ويعيق عمليات إحلال السلام، فضلا عن أنه يفاقم مستوى الفقر، ويسهل الاستخدام المجرم للموارد، وإتاحة التمويل للنزاع المسلح، ويساهم في عدم الاستقرار الحكومي، ويشوه العمليات الانتخابية عبر تكوين مستنقعات بيروقراطية انتهازية، ما يؤدي بدوره إلى تعطيل التنمية الاقتصادية.
وفي دولة قطر، نالت محاربة الفساد حصة وافرة على المستويين الوطني والدولي، حيث تم إنشاء هيئة الرقابة الإدارية والشفافية عام 2011، بهدف تحقيق الرقابة والشفافية ونزاهة الوظيفة العامة، ومكافحة الفساد بكافة أشكاله، كما وفرت دولة قطر الدعم اللازم لإنشاء مركز حكم القانون ومحاربة الفساد في الدوحة الذي تم افتتاحه عام 2013.
كما برزت دولة قطر كدولة فاعلة وجادة في مكافحة الفساد عالميا، بانضمامها إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وبتخصيصها جائزة سنوية تحمل اسم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية التصدي للفساد والتشجيع على تنفيذ الإجراءات الحاسمة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتكريم المشاريع والجهود الاستثنائية الرامية لمكافحة الفساد.
وتأتي جائزة /الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد/، خير شاهد على جهود دولة قطر دوليا في مكافحة الفساد، إذ تعتبر مبادرة عالمية الأهداف والأبعاد، قطرية المولد، ترسخ الحكم الرشيد والشفافية، وتطلق يد العدالة في حرب ناجزة ضد الفساد.
وتشكل الجائزة، حدثا دوليا سنويا لمكافحة الفساد، منذ إقرارها عام 2016، حيث توزع بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، على الأفراد والمنظمات التي تساهم بفاعلية في مكافحة الفساد، في أربعة مجالات هي: الإنجاز، والابتكار، والبحث، وإبداع الشباب. وتتزامن الجائزة مع الاحتفال باليوم الدولي لمكافحة الفساد.
ويكمن الغرض الأكبر من هذه الجائزة في أن تكون بمثابة أداة تلقي الضوء على الإجراءات المثالية والجديرة بالملاحظة والممارسات الجيدة على الصعيد العالمي، وكذلك تقدير النماذج المكافحة للفساد من جميع أنحاء العالم وتعزيزها وجمعها ونشرها، فضلا عن زيادة الوعي والدعم والتضامن، بهدف مكافحة الفساد، بالإضافة إلى التشجيع على مبادرات مشابهة وجديدة واستثارتها نحو إقامة مجتمع خال من الفساد، وترتب على هذا إقرار البرنامج العالمي لتنفيذ إعلان الدوحة الذي استمر للفترة 2016 – 2021، بإنجاز مشاريع تهدف إلى تعزيز قدرات الدول وخاصة الدول النامية، في مجالات عديدة، أبرزها نزاهة القضاء ومحاربة الفساد وتحصين الشباب من الجريمة، حيث استفاد منها أكثر من مئة دولة.
وخلال هذا العام (2023)، شاركت دولة قطر في الاجتماعات المشتركة للهيئات الفرعية لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي عقدت في العاصمة النمساوية فيينا خلال الفترة من 4 ــ 8 سبتمبر الماضي، حيث تطرق الوفد القطري الذي ترأسه سعادة السيد حمد بن ناصر المسند، رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية خلال كلمته في الاجتماعات المشتركة، إلى الإعلان عن تقدم دولة قطر لاستضافة الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي ستعقد عام 2025.
وأكد رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية أن هذه المبادرة تأتي في ضوء حرص دولة قطر على المساهمة الدائمة في دعم الجهود الدولية للوقاية من الفساد ومكافحته، وتعزيز تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، خاصة أن إمكانات وخبرات دولة قطر في تنظيم مثل تلك المؤتمرات يشهد لها الجميع، مشيدا في الوقت ذاته بمستوى الشراكة الاستراتيجية التي تجمع دولة قطر مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في العديد من المشروعات التي تسهم بنجاح مشهود في الجهود الدولية لتحقيق العدالة الجنائية والوقاية من الجريمة ومكافحتها، وخصوصا ما يرتبط منها بتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
كما دعا سعادة السيد حمد بن ناصر المسند، رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية المشاركين في الاجتماعات لمتابعة فعاليات أسبوع الترميز لـ/هاكاثون الشباب العربي لمكافحة الفساد/ والتي أقيمت في دولة قطر من 10 إلى 14 سبتمبر 2023 بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وشركة مايكروسوفت قطر والتي يتنافس فيها المبرمجون الشباب على تطوير حلول إبداعية تهدف إلى تعزيز النزاهة والشفافية.
وبهدف الحفاظ على ريادة دولة قطر وتعزيز مكانتها، باعتبارها تقف في مصاف الدول الأكثر شفافية في العالم، اتخذت هيئة الرقابة الإدارية والشفافية العديد من الخطوات، لتعزيز النزاهة والشفافية والوقاية من الفساد، من ضمنها الانتهاء من إعداد مسودة الاستراتيجية الوطنية للنزاهة والشفافية والوقاية من الفساد (2022 – 2026)، وذلك بالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات الصلة بمنظومة النزاهة والشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته في الدولة، حيث اعتمدت في إعدادها للاستراتيجية على مجموعة من المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، منها دستور دولة قطر الدائم، ورؤية قطر الوطنية 2030.
والجدير بالذكر أن دولة قطر، في إطار جهودها الرائدة لتعزيز التعاون الدولي للوقاية من الفساد ومكافحته، كانت من أوائل دول العالم التي استضافت مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث استضافت الدوحة الدورة الثالثة للمؤتمر عام 2009، وخلال تلك الدورة تم تبني آلية الاستعراض الأممية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي ما زالت تلعب الدور الأكبر في تعزيز تنفيذ الاتفاقية وتبادل الخبرات الدولية ذات الصلة.
كما أنشأت الدوحة مركز حكم القانون ومكافحة الفساد، من أجل بناء المعرفة المتخصصة ورفع الكفاءات الفردية والمؤسسية، بما يؤدي إلى تعزيز حكم القانون ومكافحة الفساد، موضحة أنه مركز غير حكومي متخصص بالأبحاث والتدريب وتقديم الدعم الفني لدول العالم في مجالات حكم القانون ومكافحة الفساد، بجانب ذلك، شاركت دولة قطر في وضع الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، وتحرص على تنفيذ إجراءاتها ودعم الدول العربية الأخرى في التنفيذ.
مساحة إعلانية