تتويج الملك تشارلز الثالث غداً وسط احتفالات تغلب عليها الفخامة وتقاليد تعود لألف عام

عربي ودولي
42
تتويج الملك تشارلز الثالث غداً وسط احتفالات تغلب عليها الفخامة وتقاليد تعود لألف عام
الدوحة – قنا
تتجه أنظار الملايين في بريطانيا وحول العالم للعاصمة البريطانية لندن لمتابعة مراسم تتويج صاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث ملكا للمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، غدا السبت في احتفال تغلب عليه الفخامة والأبهة التي تعكس تقاليد أسرة يعود تاريخها إلى ألف عام، وستجرى مراسم التتويج بكنيسة وستمنستر.
ويشارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في مراسم تتويج صاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث، تعبيراً عن علاقات الصداقة الوطيدة والتاريخية التي تربط بين البلدين قطر وبريطانيا وشعبيهما الصديقين.
وتعيش العاصمة البريطانية لندن حالة من التأهب القصوى تحضيرا لهذا الحدث التاريخي، وكما كانت جنازة ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية تاريخية وأطلقت عليها وسائل الإعلام “جنازة القرن” نظرا إلى الطريقة التي تم بها تشييع الملكة، والحضور الوازن من كل أصقاع العالم فكذلك من المتوقع أن يكون حفل تتويج الملك تشارلز “تاريخيا” بكل المقاييس رغم غياب بعض زعماء العالم، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وسيكون حفل التتويج حافلا بالرموز والتقاليد والأعراف الممتدة لقرون وبالكثير من اللقطات المبهرة، ومن أكثر الأشياء التي ستشد الأنظار التيجان التي سيرتديها الملك، وكذلك العربة الملكية الذهبية التي ستنقله من كنيسة وستمنستر، المكان التقليدي لتتويج ملوك إنجلترا، في قلب العاصمة لندن إلى قصر باكنغهام المقر الرسمي للملك.
ومن المفترض أن يعكس الاحتفال، الذي ستتخلّله موسيقى كلاسيكية ومؤلّفات موسيقية أكثر حداثة، “دور الملك اليوم والتطلّع إلى المستقبل، مع التجذّر في التقاليد والعظمة التاريخية، ورغم أنّ تشارلز الثالث البالغ من العمر أربعة وسبعين عاما أراد احتفالاً أبسط وأقصر من الاحتفال بتتويج والدته الراحلة إليزابيث الثانية، أمام جمهور من الضيوف يقتصر على ألفي شخص من القادة الأجانب، والملوك، والمسؤولين المنتخبين، وشخصيات المجتمع المدني، إلّا أنّ بعض الخطوات تبقى غير قابلة للتغيير.
من المقرر أن يتوجه تشارلز وزوجته الملكة كاميلا التي ستتوج خلال الحفل، إلى كاتدرائية وستمنستر التي تقام فيها المراسم في أحدث عربة ملكية، وهي عربة اليوبيل الماسي التي صُممت للاحتفال بمرور 60 عاما على اعتلاء الملكة إليزابيث عرش بريطانيا، واستخدمت أول مرة عام 2014.
وبمجرّد حضوره إلى الكنيسة، سيتم تقديم الملك للجمهور الذي سيحييه، قبل أن يؤدي اليمين، وسيقدّم أعضاء العائلة الحاكمة تحيّة إجلال للملك، ومن المقرر أن تكون مدة المراسم أقصر من المدة التي استغرقتها مراسم تنصيب والدته الراحلة إليزابيث قبل 70 عاما كما سيكون الحدث مختلفا بعض الشيء عن تنصيب الملكة الراحلة عام 1953، لا سيما من حيث الحجم، ليتماشى جزئيا مع العصر الحديث، ويعكس أزمة تكاليف المعيشة الحالية.
وستتجه أنظار الحاضرين والمشاهدين لحفل التتويج إلى تاج القديس إدوارد، وهو أول تاج يرتديه الملك خلال حفل تتويجه، وهو تاج ذهبي مرصع بالأحجار الكريمة بغطاء أرجواني ومزين بالفرو. وتم صنع التاج في نسخته الحالية سنة 1661 لتتويج الملك تشارلز الثاني، وهو مكون من الذهب الخاص ويبلغ وزنه 2.23 كيلوغرام، وسبق للملكة إليزابيث أن قالت عن هذا التاج إنه ثقيل بعض الشيء عندما وضعته على رأسها أول مرة. ويحتوي هذا التاج على 444 قطعة من الأحجار الكريمة المختلفة، من بينها الياقوت، والياقوت الأزرق والتورمالين، وسيتم استعمال التاج مرة واحدة من قبل الملك، وهي لحظة تتويجه، قبل إعادته إلى مكانه في برج لندن.
وفي طريق العودة إلى قصر باكنغهام، سيستخدم تشارلز وكاميلا أقدم عربة ملكية، وهي العربة الملكية المذهبة التي تعود إلى 260 عاما، التي استخدمت في كل مراسم التنصيب منذ عهد الملك وليام الرابع عام 1831، واستخدمها أول مرة جورج الثالث للذهاب لحضور الافتتاح الرسمي للبرلمان عام 1762 عندما كان لا يزال ملكا للمستعمرات الأمريكية الخاضعة لبريطانيا.
وتم منذ أسابيع نقل عدد من المجوهرات والتيجان الملكية الثمينة من برج لندن، حيث يتم تخزين المقتنيات الملكية – خصوصا المجوهرات – لتحضيرها لحفل التتويج قبل نقلها إلى كنيسة وستمنستر التي ستكون مسرحا لهذا الحفل. وسيتزامن الحدث الذي سيجذب آلاف السياح البريطانيين والأجانب إلى لندن مع بدء عطلة نهاية أسبوع مليئة بالاحتفالات من بينها حفلات محلية وحفل موسيقي في قلعة وندسور.
وبالإضافة إلى بريطانيا بات الملك تشارلز الثالث ملكا على 14 بلدا منضوية في مجموعة الكومنولث، منها أستراليا ونيوزيلندا وكندا وجامايكا وجزر البهاما وجزر سليمان وتوفالو وسانت لوسيا وسانت فينسنت وجزر غرينادا وبيليز، ويرث الملك تشارلز الثالث نظاما ملكيا يدافع عنه أكثر من نصف البريطانيين (58 بالمئة) حسب استطلاع للرأي نُشر قبل أيام، وبما أنه يدرك هذا الفارق وخصوصا بين الشباب، يحرص هذا المدافع بقناعة كبيرة عن البيئة والذي يميل إلى فتح أكثر الملفات حساسية مثل الماضي الاستعماري للمملكة، على إظهار رغبته في تحديث النظام الملكي.
وفي رسالته بمناسبة العام الميلادي الجديد أوضح الملك تشارلز الثالث أنه، على غرار ما كانت تفعل والدته، يؤمن بأن كل شخص قادر على التأثير على حياة الآخرين من خلال العمل الخيّر والتعاطف، وأشاد بالتضامن الصادق الذي يبديه الشعب البريطاني الذي يواجه أزمة غلاء معيشة في المملكة المتحدة في ظل التضخم الاقتصادي، وتطرّق إلى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بلاده جراء التضخّم البالغ أعلى مستوياته منذ عقود والذي يقضم المداخيل، وقال إنه يحيي خصوصا كل أولئك الطيبين الذين يقدّمون الطعام والتبرعات أو يعطون من وقتهم لمساعدة الأكثر احتياجا من حولهم، كما أثنى على الجمعيات الخيرية التي تؤدي عملا استثنائيا في أصعب الظروف.
وفي الوقت الذي تزداد فيه الصراعات الدينية في العالم، يحاول الملك تشارلز تجسير الاختلافات بين الجماعات الدينية التي تشكل المجتمع البريطاني المتنوع بشكل متزايد، لكن تحقيق هذا الهدف وفق مراقبين أمر بالغ الأهمية لجهود الملك الجديد لإظهار أن النظام الملكي، وهو مؤسسة عمرها 1000 عام ولها جذور مسيحية، لا يزال بإمكانه تمثيل شعب بريطانيا الحديثة متعدد الثقافات. لكن الملك تشارلز الثالث يواجه بلداً مختلفًا تمامًا عن البلد الذي احتفل بتتويج والدته عام 1953. فقبل سبعين عامًا، كان أكثر من ثمانين بالمائة من سكان إنكلترا مسيحيين، وفي تلك الفترة، بدأت موجات الهجرة الجماعية التي غيّرت الوجه الديمغرافي للمملكة، وتشكل العاصمة لندن أوضح مثال على التغيير، حيث أكثر من ربع السكان يتبعون ديانة غير مسيحية.
مساحة إعلانية