دول القارة تبحث عن بدائل .. كيف ستواجه أوروبا شتاءها من دون الغاز الروسي؟
عربي ودولي
0
دول القارة تبحث عن بدائل .. كيف ستواجه أوروبا شتاءها من دون الغاز الروسي؟
الدوحة – قنا
أثارت موجة الصقيع التي ضربت أوروبا مؤخرا، المخاوف في القارة العجوز، حيال النقص الشديد في إمدادات الغاز، خاصة في ظل تهديد روسيا المستمر بقطع الإمدادات عن أوروبا، بسبب إعلان الاتحاد الأوروبي تحديد سقف لأسعار النفط والغاز الروسيين، وهو ما تصفه روسيا بأنه “حرب اقتصادية” غير مسبوقة.
ويبحث الاتحاد الأوروبي عن بدائل لإمدادات الطاقة الروسية، في حال نفذت روسيا تهديدها، بعد أن أصبحت المواجهة صريحة في الوقت الحالي بين الطرفين، خصوصا أن المؤشرات تدل على أن الشتاء هذا العام سيكون قاسيا، بعد أن بلغت درجات الحرارة مستويات متدنية وغير مسبوقة منذ بداية الخريف الماضي.
وليس أمام الأوروبيين الكثير من الوقت لتعويض 150 مليار متر مكعب من الغاز الروسي خلال الشتاء، فالكميات الفائضة والمتوفرة من الغاز في السوق العالمية لا تكفي جميعها لتغطية 40 بالمئة من حصة روسيا من الواردات الأوروبية، لذلك فأوروبا مضطرة لإيجاد حلول مبتكرة.
واتجهت دول أوروبية نحو خطط تقشفية قاسية، قوبلت برفض من فئات من السكان وحتى من بعض المصانع، لأن من شأنها تخفيض الإنتاج، وإحالة العمال إلى البطالة، وإدخال أوروبا في حالة من الركود، لذلك تدرس دول الاتحاد الأوروبي عدة خيارات لمواجهة الشتاء بدون الغاز الروسي، وتخفيف حدة أزمة الطاقة، ليس فقط على المدى القصير، بل أيضا على المديين: المتوسط والطويل.
ويرى مراقبون وخبراء أنه على الرغم من صعوبة التعويل على الغاز المستورد من دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر لسد الفجوة التي خلفها قطع إمدادات الغاز الروسي، من حيث الكمية أو السعر، إلا أن من شأن زيادة الإمدادات من دول منتجة أخرى تخفيف حدة الأزمة، فالولايات المتحدة، التي دخلت نادي أكبر مصدري الغاز المسال في العالم، وجهت 71 بالمئة من صادراتها من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، خلال الشهور الخمسة الأولى من 2022، مقارنة بنحو 30 بالمئة في 2021، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
ويمكن للصادرات الأمريكية أن تغطي ما بين 70 إلى 80 بالمئة من الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا، وفق صادرات يناير الماضي، إذ إن أكثر من 50 بالمئة من الطاقة التي تستوردها أوروبا تأتي من الولايات المتحدة، غير أن أكبر عيب في الغاز الأمريكي أنه أغلى من الغاز الروسي بنسبة 50 إلى 70 بالمئة، نظرا لتكاليف استخراج الغاز الصخري، مقارنة بالغاز الطبيعي، وعمليات التسييل وإعادته مرة أخرى إلى حالته الغازية، وتكاليف النقل عبر السفن.. فضلا عن عدم امتلاك بعض الدول الأوروبية بنية تحتية لاستقبال الغاز المسال، خاصة تلك التي كانت تعتمد على الغاز الروسي، بصفة شبه كاملة، والواقع أغلبها في شرق أوروبا، أو تلك التي لا تمتلك موانئ لاستقبال سفن الغاز.
وبحسب الخبراء، قد تمثل الجزائر أيضا أحد الخيارات المثالية لتعويض الغاز الروسي جزئيا، وبأسعار تنافسية، بالنظر لامتلاكها أنبوبي غاز باتجاه أوروبا، غير أن الكميات الإضافية التي تضخها نحو أوروبا محدودة. ووافقت الجزائر بالفعل على زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى إيطاليا بنحو 9 مليارات متر مكعب ما بين 2023 و2024، و4 مليارات متر مكعب بنهاية العام الجاري، مع العلم أن صادراتها في 2021، بلغت 21 مليار متر مكعب، إضافة إلى 9 مليارات متر مكعب إلى إسبانيا ومليار متر مكعب إلى البرتغال، وكميات أقل إلى سلوفينيا.
أما الغاز المسال، فتصدر الجزائر 20 بالمئة منه إلى فرنسا، التي تفاوض الآن من أجل زيادة الإمدادات بـ 50 بالمئة، وتراهن الجزائر على زيادة إنتاجها من خلال استثمار نحو 40 مليار دولار في قطاع المحروقات، وجذب استثمارات أجنبية على غرار استثمار شركات أوروبية وأمريكية بالشراكة مع سوناطراك الجزائرية.
ومن بين الخيارات المستعجلة التي لجأ إليها الاتحاد الأوروبي ملء خزاناته من الغاز لمستويات تفوق 80 بالمئة، وهو ما تحقق مطلع سبتمبر الماضي، ما أدى إلى تراجع طفيف لأسعار الغاز، واستمر على هذا المنوال ليصل إلى نسبة 84 بالمئة تقريبا في الوقت الحالي، ما مكنه من الصمود نسبيا، الفترة الماضية، دون الحاجة إلى الغاز الروسي، رغم أن فواتير الكهرباء والغاز ستظل مرتفعة.
إلا أن نسبة تخزين الغاز متفاوتة بين دول شرق القارة وغربها، ففي حين تجاوزت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا 80 بالمئة، فإن دولا أخرى مثل المجر والنمسا ولاتفيا لم تبلغ بعد الهدف الذي وضعه الاتحاد الأوروبي. ويسعى الاتحاد الأوروبي لعلاج هذا التفاوت عبر التضامن بين دوله، مثلما تعامل مع جائحة كورونا، وأيضا من خلال فرض ضرائب على الأرباح الإضافية لشركات الطاقة.
وهناك خيار لمواجهة الشتاء، يتمثل في تخفيض استهلاك الغاز بنسبة 15 بالمئة في دول الاتحاد الأوروبي، ودخلت هذه الخطة حيز التنفيذ في 6 سبتمبر، وبالنظر للظروف الاستثنائية، فإن العديد من الدول الأوروبية بدأت تتخلى عن تشددها بالنسبة للطاقات الملوثة للبيئة، مثل الفحم، وهناك من عاد لاقتناء أفران الخشب للتدفئة في الشتاء، بعد ارتفاع أسعار الغاز بنحو 210 بالمئة.
كما أن حرق القمامة للتدفئة أصبح أحد خيارات البولنديين لمواجهة شتاء بدون غاز روسي، وبعد أن كانت أوروبا تسعى لتقليص استخدام الفحم، عادت لتستثمر في مولدات الكهرباء التي تشتغل بالفحم، نظرا لارتفاع أسعار الغاز.
ويصف الخبراء والمراقبون الوضع الحالي في أوروبا بـ”المعقد”، فتوفير الغاز لا يعني القدرة على اقتنائه بأي ثمن، لذلك تمثل العودة البدائية لقطع الأشجار وتخزين الأخشاب، استعدادا لإشعال مواقد التدفئة، أحد الحلول المستعجلة لأزمة الغاز. ويتصاعد النقاش بشأن استخدام الطاقة النووية بديلا عن الطاقة الأحفورية (فحم ونفط وغاز)، في كل من ألمانيا والسويد وفرنسا، وإن بدأت ترجح الكفة لصالح المؤيدين لها.
وأرجأت ألمانيا غلق محطتين نوويتين، وقررت تمديد عملهما إلى غاية أبريل المقبل، بينما ستغلق المحطة الثالثة، كما كان مقررا بنهاية العام الجاري، بعد وقف ضخ الغاز الروسي. وتشكل الطاقة المتجددة أحد البدائل السريعة، لكنها مازالت محدودة لتعويض الغاز الروسي.
وتمثل زيادة إنتاج الطاقة الشميسة وطاقة الرياح، بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية والطاقة الحيوية، الأنواع الرئيسية للطاقة المتجددة، التي تسعى أوروبا لمضاعفة إنتاجها. لكن الطاقة الكهرومائية واجهت تحديا كبيرا هذا الصيف، بعد أن شهدت أوروبا جفافا نادرا قلص من منسوب مياه الأنهار والسدود التي تستخدم في إنتاج الكهرباء وتبريد محطات الطاقة النووية.
كل هذه الموارد والحلول يمكنها توفير الحد الأدنى من احتياجات أوروبا من الطاقة لتغطية الغاز الروسي، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تضاعف أسعار الكهرباء بشكل يفوق تحمل الطبقات الفقيرة والمتوسطة. بل يهدد مصانع وشركات بالإغلاق، ما سيؤدي إلى ركود اقتصادي بالاتحاد الأوروبي، من شأنه أن ينعكس سلبا على الاقتصاد العالمي.
وانتهت معركة عض الأصابع بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، التي استمرت أكثر من أربعة أشهر، إلى مواجهة جديدة بين الطرفين، فقد فرض الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا حدا أقصى لسعر النفط الروسي يبلغ 60 دولارا للبرميل، وبدأ سريانه في الخامس من ديسمبر الجاري، بهدف تقويض قدرة موسكو على تمويل الحرب في أوكرانيا، كما حددت بروكسل سقفا لأسعار الغاز الروسي، إلى جانب الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على واردات الخام الروسي المنقولة بحرا، وتعهدات من الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا باتخاذ إجراء مماثل.
وفي المقابل أعلنت روسيا عزمها حظر إمدادات النفط للدول التي تشترط في عقودها الالتزام بالسقف السعري الذي حدده الاتحاد الأوروبي، مُلوحة في الوقت ذاته بخفض إنتاجها النفطي بداية من العام المقبل، وأبدت استعدادها لخفض الإنتاج بين 5 و7 بالمائة بداية من العام المقبل.
وهذه ليست المرة الأولى التي تلمح فيها روسيا إلى عزمها على خفض إنتاج النفط، ردا على سقف الأسعار، إذ سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أكد استعداد بلاده لخفض الإنتاج إذا تطلب الأمر.
كما كشفت موسكو عن انخفاض جزئي في إنتاج الغاز بحوالي 18 – 20 بالمائة، مؤكدة في الوقت ذاته أنها ستقوم بإنتاج 671 مليار متر مكعب من الغاز هذا العام، وبيع حوالي 470 مليار متر مكعب.
وما يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الثقة في قدرته على تحمل انقطاع تام للغاز الروسي، الذي كانت دوله تعتمد عليه بنسبة 40 بالمئة، تمكنه من تخفيض هذه النسبة إلى 9 بالمئة فقط. وتجاوز الاتحاد الأوروبي نسبة ملء خزانات الغاز الهدف المحدد والمقدر بـ80 بالمئة، ليبلغ 84 بالمئة، ومع ذلك فإن المفوضية الأوروبية ترى أن ذلك ليس كافيا. فهذه النسبة لا تسمح لأوروبا سوى بالصمود لثلاثة أشهر، لذلك يراهن على من يسميهم “الموردين الموثوقين”، والمتمثلين في الولايات المتحدة والنرويج والجزائر، للحفاظ على أوروبا دافئة على المدى الطويل.
الكل يتألم في معركة الغاز، سواء دول الاتحاد الأوروبي، التي تجد صعوبة في تعويض الغاز الروسي، فضلا عن الأسعار المضاعفة، بينما تشهد مداخيل روسيا من النفط والغاز تراجعا شهريا، منذ أغسطس الماضي، رغم ارتفاع الأسعار، وعلى المديين: القصير والمتوسط، من المرجح أن تفقد موسكو النسبة الأكبر من السوق الأوروبية، ومن الصعب على السوق الآسيوية استيعاب كامل الصادرات الروسية.
وتحتاج روسيا إلى إعادة بناء شبكة جديدة من أنابيب الغاز نحو الصين، وربما الهند على المدى المتوسط، بينما ستذهب معظم استثمارات خطوط أنابيب الغاز الروسية نحو أوروبا مهب الريح، إلا إذا تحسنت العلاقات مستقبلا، فلا يوجد مستحيل في السياسة، وتكلفة فرض أوروبا وحلفائها عقوبات على روسيا، على خلفية الحرب في أوكرانيا، كانت كبيرة، بالنظر إلى تضاعف أسعار الغاز في السوق الدولية، وانتشار المظاهرات والاحتجاجات في أكثر من بلد أوروبي بعد ارتفاع فواتير الكهرباء وغاز التدفئة.
غير أن الاتحاد الأوروبي لا يبدي استعدادا للتراجع أمام التهديدات الروسية بوقف إمدادات النفط والغاز، كما أن المفوضية الأوروبية ماضية في اقتراح خطة متشددة ستكون لها تداعياتها على تماسك الاتحاد الأوروبي وعلى علاقته ليس فقط بروسيا بل بكبار المصدرين للغاز أيضا.
شتاء أوروبا سيكون مختلفا هذا العام، فالحرب في أوكرانيا لم تضع أوزارها بعد، والوصول إلى قرار بوقفها، أمر غير متوقع على المديين القريب والمتوسط، بل والوصول إلى هدنة في الوقت الحالي أمر مستبعد، خاصة بعد إعلان الرئيس الروسي، الشهر الجاري، عن خطط الحرب في 2023 .. بما يعني استمرار أزمة إمدادات النفط والغاز الروسيين إلى أوروبا.
مساحة إعلانية