د. منى دياب مديرة معهد تقنيات اللغة بجامعة كارنيجي ميلون لـ الشرق: الجيل المقبل مطالب بخدمة العربية من خلال الذكاء الاصطناعي

محليات
2
د. منى دياب مع عدد من الباحثين
❖ وفاء زايد
أحدثت تقنيات الحاسب والإنترنت والاتصالات ثورة هائلة في حياة البشر على كل المستويات، وفي مختلف المجالات، وكان التحدي الأكبر أمام علماء الحاسب ومصممي البرامج منذ اللحظة الأولى هو بناء قنوات التواصل والتفاهم بين الأجهزة والبشر.
لم يكن هناك من سبيل لذلك سوى عن طريق لغة خاصة مشتركة بين الإنسان والآلة، فظهرت لغات البرمجة التي كان على أي إنسان أن يتعلمها حتى يستطيع التواصل مع الآلة، وبعد ظهور نظم التشغيل والواجهة الرسومية صار بمقدور أي إنسان التواصل مع الآلة عبر ضغطة زر. أدرك العلماء بأن الحوسبة لن تحقق الثورة المنشودة في حياة البشر ما لم تستطع الآلة نفسها أن تتحدث لغة الإنسان، ومن هنا ظهر ما يعرف باسم تقنيات المعالجة الآلية للغات الطبيعية، ومن أبرز المراكز البحثية والفكرية العالمية معهد تقنيات اللغة التابع لجامعة كارنيجي ميلون، الذي تأسس في عام 1986، وله أبحاث رائدة في مجالات الترجمة الآلية، والتعرف على الكلام، وتوليف الكلام، واسترجاع المعلومات، وتحليل النصوص، واستخراج المعلومات، والتعلم الآلي متعدد الوسائط.
وأوضحت الأستاذة الدكتورة منى دياب مديرة المعهد حول المجالات والتطبيقات العملية لأبحاث المركز في عالم التكنولوجيا قائلة ً: نحن نبني تقنيات يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، لتمكنهم من تجاوز حاجز اللغة في التعبير عن أنفسهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتمد التنبؤ بسوق الأوراق المالية على التقنيات التي نطورها، وكذلك يعتمد البحث عن المعلومات في محرك جوجل على تقنيات تطور في المركز.
عالم مصغر
وحول التحديات التي تواجه اللغة العربية في مشهد الذكاء الاصطناعي والحوسبة اللغوية، قالت: اللغة العربية حالة خاصة وفريدة بين اللغات أجمع، ولدينا فجوة كبيرة ناتجة في جزء منها عن النظرة التقليدية إلى اللغة العربية على أنها لغة واحدة، والحقيقة هي أنها عائلة لغوية ينبغي أن نتعامل معها على أنها عالم مصغر من اللغات. وعن التنوع اللغوي الهائل في اللغة العربية نحن لدينا اللغة الفصحى واللغة المعاصرة واللهجة العامية، وفي الأخيرة لدينا تنوع كبير في اللهجات بين الشعوب العربية، بل لدينا تنويعات لغوية أخرى بين الأقاليم الجغرافية في كل دولة، وكل ذلك يفرض علينا تحديًا مثيرًا للاهتمام من منظور علمي، إذ ليس لدينا أنماط كافية لبناء نماذج حاسوبية لها، وكيف نحتضن هذا التنوع في النماذج اللغوية ونماذج اللغات الكبيرة التي يقوم عليها الذكاء الاصطناعي التوليدي.
واقترحت قائلة ً: نحن بحاجة إلى تطوير التقنيات التي تمكننا من الاستفادة من التنوع اللغوي وتبادل الخبرات والبيانات والتعلم من بعضنا البعض، نحن بحاجة إلى استراتيجية مبتكرة وجديدة لاختيار البيانات، وتوصيفها وبناء نماذج لغوية تعكس تنوع اللغة العربية سيكون له دور كبير في توسيع حدود الابتكار والتطور في تقنيات الذكاء الاصطناعي، متمنية ً أن يبدأ معهد قطر لبحوث الحوسبة، وجامعة كارنيجي ميلون في قطر، وغيرها من المراكز والمؤسسات المماثلة في العالم العربي في التعاون من منطلق إبداعي وجديد، أو على الأقل محاكاة ما يفعله الغرب مع لغاته. وضربت مثالاً على إسهام التنوع الشديد في اللهجات العربية في تطوير علوم الحوسبة بما حدث في عام 2021، عندما أزالت شركة ميتا 350 ألف حساب في يوم واحد بسبب وجود خطأ في الترجمة، وتقول عن ذلك: «ما أدركناه هو أن الجميع يتعاملون مع اللغة العربية على أنها لغة متجانسة، لكن الواقع غير ذلك، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تمكنا من إقناعهم بالقيام بما يسمى التصنيف الفرعي، حيث قسموا اللغة العربية إلى ستة أقاليم مختلفة، وأدى ذلك إلى تحسين كفاءة الأدوات اللغوية في موقع فيسبوك».
وأكدت أن المعالجة الحاسوبية للغة العربية بفضل سماتها الفريدة أدت إلى تقدم كبير في علوم الحاسوب والنماذج الحاسوبية للغات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وأن يكون لنا صوت في المشروع العلمي الذي لا يتعلق بالضرورة باللغة أو البيانات بل يتعلق بالنماذج والهندسة الحاسوبية في تصميماتها، نحن في الواقع نؤثر على الخوارزميات، ونسهم في تطور علوم الحاسب كعلم، وفي ازدهار التقدم العلمي في هذا المجال، عندما نستطيع التغلب على معضلة ما في اللغة العربية، فإن ذلك يسهل علينا التغلب على تحديات مماثلة في العائلات اللغوية الأخرى، كما يمكننا من اكتساب فهم أعمق للثقافة والدين.
مساحة إعلانية