عربي ودولي
3
ربع قرن في نفس المكان ووراء العربة ذاتها.. الفلسطيني “أبو خالد”.. بائع مسليات و”بنك ناطق”
رام الله – محمـد الرنتيسي
يتخذ علي مناصرة “أبو خالد” من ميدان المنارة وسط مدينة رام الله، وعلى مقربة من البنك العربي، مكاناً إستراتيجياً لبيع المسليات الساخنة، ولا يمل من رواية حكايته مع ضيق العيش، الذي دفعه لهذا العمل منذ عدة سنوات، معرّجاً على رحلة معاناته في علاج أحد أبنائه الثمانية.
“أجلس في مكاني هذا منذ 25 عاماً، ويعرفني المارّة وغالبية الموظفين، لا سيما من يرتادون البنك، ومعظم هؤلاء “زبائن عندي” ويبدأون صباحهم بشراء المسليات مني، فيقبلون على الترمس والبليلة والفول والذرة الصفراء” قال أبو خالد، وقد ظهر عليه التعب، لدرجة أن تجاعيد وجهه بدت وكأنها تناقض عمره، فهو في منتصف الستينات، لكنه يبدو كمن بلغ من العمر عتيّا!.
لم يبد أبو خالد أي تحفظ في الحديث عن الظروف التي دفعته لهكذا مهنة في هذا العمر، وإن كان الخجل قد أطل على محياه، موضحاَ لـ”الشرق”: لدي إعاقة في يدي، وأعيل أسرة كبيرة، ونسكن في بيت بالإيجار، ومنذ ما يزيد عن 15 عاماً، أعالج أحد أبنائي الذي يعاني أمراضاً نفسية، وفي بعض الأيام لا أبيع بأكثر من 20 شيكلاً (نحو 6 دولارات) والحمد لله “مستورة”.. (يقبّل يده ويضعها على جبينه) في إشارة للرضا بما قسم الله.
ربع قرن، وأبو خالد على هذا الحال، ووراء العربة ذاتها، غير أن جديده في السنوات العشر الأخيرة، أنه أصبح “بنكاً ناطقاً” بحكم قرب مكانه من البنك العربي، إذ أصبح على علم بكافة المعاملات البنكية اليومية، كأسعار العملات، وصرف رواتب الموظفين، بل إنه يغوص في التفاصيل الدقيقة، على نحو إذا كانت الرواتب ستصرف بشكل كامل أو نصف الراتب، وإذا كانت ستصرف في موعدها المعتاد مطلع كل شهر، أو ستتأخر لبضعة أيام، وهكذا.
يسرد أبو خالد: بحكم “الخبرة” أصبحت أوفر الجهد والوقت على مراجعي البنك، وأجنبهم عناء الوقوف في طوابير طويلة على الصرافات الآلية، فأنا على علاقة جيدة مع كبار موظفي البنك، وكذلك مسؤولي الأمن، الذين يعرفونني بشكل جيد، ويثقون بي، ومن خلالهم أستطلع المعلومات بشكل يومي، متى ستصرف رواتب الموظفين الحكوميين، وكذلك الحال بالنسبة لرواتب موظفي وكالة الغوث “الأونروا” أو أفراد الأجهزة الأمنية، ومساعدات وزارة الشؤون الإجتماعية، ومعاشات التقاعد، وغير ذلك.
يوالي: “بعض المشترين، أصبحوا يسألونني قبل طلباتهم من المسليات، عن حركة البنك اليومية، خصوصاً في ظل عدم انتظام صرف الرواتب للموظفين الفلسطينيين، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية منذ عدة سنوات.
يتحمل أبو خالد في عمله، حر الصيف وبرد الشتاء، ويعاني ظروفاً “لا يعلم بها إلا الله” كما يقول، لكنه يرفض أن يدفعه هذا لكي يمد يده للناس، ولا يمكن لأي كان، أن يصف سعادته، لدى عودته إلى بيته، عندما يرخي الليل أستاره، وبضعة شواقل في جيبه.
مساحة إعلانية