أخبار العالم

‫ الشرق تستحضر سير الأولين التراثية والتاريخية


ثقافة وفنون

18

13 أغسطس 2023 , 07:00ص

طه عبدالرحمن

في حياة الشعوب والأمم، بطولات وأحداث لا تُنسى، يترجمها المبدعون في قصائدهم، ويتوقف عندها كُتّاب القصة والرواية في سردياتهم، فتكون توثيقاً لهذا الإرث الخالد من مواقف إنسانية، وبطولات تاريخية، وإنجازات أخرى في مجالات مختلفة.


من هنا، تستحضر الشرق سير الأولين التراثية والتاريخية، التي توقف عندها المبدعون، فكانت حاضرة في أعمالهم الأدبية، علاوة على إنتاجهم الفني، ما يجعلها توثيقاً، يمكن ترجمته في إصدارات أكثر تخصصاً، بما يلقي الضوء على هذا الإرث الحافل، لتقتدي به الأجيال، فيكون ماثلاً للعطاء في الوقت الحالي، وبالشكل الذي يجعله ذخراً، يتواصل في المستقبل.


د.علي الفياض: تراثنا زاخر بالعطاء.. وزاد نهل منه الشعراء


يقول الكاتب والباحث د.علي بن عبدالله الفياض، إن البطولة تعبير عن القوة والشجاعة والكرامة التي يمتلكها الشخص ويظهرها في مواجهة التحديات والمصاعب، وتمثل الحضور القوي والالتزام والتميز في مجال معين، وفي بلدنا العزيز قطر وفي تاريخه القريب والبعيد نجد الكثير من الأبطال في شتى المجالات والذين ساهموا بشكل فعال في بناء وتأسيس الدولة.


ويتابع: إن هناك أبطالا وبطولات في الماضي والحاضر، وأستطيع القول إن كل أهل قطر أبطال ذوو مروءة وشجاعة واستبسال وأكبر دليل على ذلك أنهم ركبوا البحر وصارعوا أمواجه وغاصوا في قيعانه وخاضوا عبابه دون خوف أو وجل.


ويضيف: عاش آباؤنا وأجدادنا في ظروف قاسية بين البحر مصدر رزقهم الرئيسي وبين الصحراء القاحلة، فصبروا واحتسبوا وقاوموا أشد المقاومة حتى تغلبوا على ظروف العيش وشدة الطبيعة، فهل لا يحق لهم أن يقال عنهم أبطال؟ بل إنهم والله أبطال ومن أشد الأبطال بطولة.


ويتوقف د. الفياض عند تاريخ قطر في العهد الأموي، ويبرز قول الشاعر والفارس قطري بن الفجاءة الذي عاش في قطر فترة من حياته ونُسب إليها، وذلك عندما وصف شجاعته وبطولته في مجال الكر والفر:


أقول لها وقد طارت شعاعاً


        من الأبطال ويحك لن تــــراعي


فإنك لو سألت بقاء يوم


        على الأجل الذي لك لن تطاعي


فصبراً في مجال الموت صبراً


        فما نيل الخلود بمستـــطاع


كما يتوقف د. علي الفياض إلى المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، طيب الله ثراه، «فهو بطل الأبطال في قطر الحديثة، حاكم قطر ومؤسس دولتها الحديثة وفارسها ورجلها الأبرز وقائدها وسياسيها البارع المحنك وبطلها الذي لا يشق له غبار ولا تطفئ له نار، يبرز ويتميز في كل المجالات فكان نجماً ساطعاً في زمانه».


عبدالعزيز السيد: القيم الإنسانية متجذرة داخل المجتمع


يؤكد السيد عبدالعزيز البوهاشم السيد، الباحث في شؤون التراث والتاريخ، أن القيم الإنسانية كانت المعيار الحاكم في تعاملات الأولين بينهم وبين بعضهم البعض، وهى نفس القيم التي كانوا يتعاملون بها مع غيرهم من الزائرين لهم، والمقيمين بينهم، «فلم يكن يُطلق على كل من يقيم بيننا أجنبي، حتى الزائر لنا، كانت له حقوق يتم التعامل معه من خلالها، وهي الحقوق التي كانت متأصلة في المجتمع، وبين الجميع».


ويلفت إلى أن من مظاهر هذه القيم أيضاً، ما كان يتجلى في علاقة الجيران ببعضهم البعض، من حيث الكرم والضيافة، والحقوق الواجب إتباعها بين الجيران، للدرجة التي كانت تصل إلى حد المصاهرة بين الجيران، فكان الجار لجاره بمثابة الأهل، أو كأنه جزء من الأسرة والعائلة». ويشير إلى الدور الذي كانت تلعبه المجالس آنذاك، حيث كانت تستقبل زوارها عادة بعد صلاتي العصر والفجر، ليكون الليل قاصراً على الأسرة، ومراعاة شؤون العائلات، إذ لم تكن المجالس مفتوحة في الليل. مؤكداً أنه كان هناك حرص على تعزيز القيم الإنسانية، وإشاعة روح المحبة والإخوة بين الجميع، سواء بين الأولين من أهل قطر، أو مع المقيمين بيننا، أو ضيوفنا من خارج الدولة». ويقول السيد عبدالعزيز السيد، صاحب مكتبة البوهاشم التراثية: إن هذه القيم مازالت سارية إلى اليوم، ما يعكس أنها ممتدة الجذور، وأنها متأصلة داخل المجتمع، وأن العلاقات المشتركة داخل المجتمع، تجمعها الإخوة المشتركة، والقيم الإنسانية التي يتم التعامل بها مع الجميع».



أرحمة الكعبي: بطولات سنة الطبعة جديرة بالتوثيق


يتوقف السيد أرحمة بن محمد المنيف الكعبي، عند مواقف جده الراحل النوخذة أرحمة الكعبي، الذي قدم نماذج من الشجاعة والتضحية والإيثار، عندما ساهم في إنقاذ قرابة 350 شخصاً، كانوا عُرضة للغرق في المياه، إثر وقوع حادثة ما يُعرف بسنة الطبعة، في 29 سبتمبر 1925، عندما هبت عاصفة قوية، جعلت السفن الكبيرة تتقلب في المياه رأسا على عقب، وكأنما تدور حول نفسها من شدة تلاطم الأمواج، وتسارع الرياح.


ويقول: حينها حرص جدي النوخذة أرحمة بن منيف المنيف الكعبي، على نجدة من كانوا عُرضة للغرق، بإضاءة سراج على ظهر مركبه، ليكون دليلاً لجميع من يطلب الفزعة، وعندما كادت سفينته تتعرض للغرق بسبب ارتفاع حمولتها من الناجين، وطلب منه أحد البحارة الإسراع إلى الشاطئ، رفض جده ذلك، وأقسم أنه لن يترك في البحر رجلاً يطلب النجاة، إلا وأنقذه، وقال مقولة شهيرة لا تزال خالدة في ذاكرة التاريخ، وهي يا نعيش سوا.. أو نموت سوا.


ويضيف الكعبي أن هذه المقولة كانت بمثابة بطولة من بطولات عدة سطرها أهل قطر، ما يجعل هذه الحادثة، وغيرها من بطولات الأولين جديرة بالتوثيق، لتقتدي ببطولاتهم الأجيال، على نحو ما توقف عند كثير من الشعراء، فنظموا فيها العديد من القصائد، التي ذاعت شهرتها بين أصحاب الذائقة الشعرية، علاوة على الأعمال الفنية، التي عكستها معارض الفن التشكيلي.


عبدالرحمن السنيدي: تاريخنا.. إنجازات لا تُنسى


يستعرض السيد عبدالرحمن السنيدي، الباحث في التراث، جانباً من الإنجازات التاريخية، التي لا تُنسى . متوقفاً عند بطل الراليات سعيد راشد الهاجري، البطل القطري وفخر العرب في عالم الراليات، شهدت له دول العالم المختلفة وعركته مساراتها وخاض تحدياتها بقوة وإصرار ليرفع اسم قطر عالياً ويصبح نجماً ساطعاً في هذه الرياضة الميكانيكية التي عشقها ومنحها معظم وقته ليصنف كأول سائق عربي يؤسس نفسه باجتهاداته الشخصية، فطرق أبواب الشهرة بقوة، وعزف على أوتار المجد ألحاناً لا يزال صداها في نفوس الكثيرين.


ويقول السنيدي: إن الهاجري حقق العديد من الإنجازات على المستويين الأوروبي والعالمي في سباق الراليات مع فريق رالي Rothmans فهو بطل الخليج في 1983 – 1984، وفاز بلقب بطولة الشرق الأوسط في 1983-1984 – 1985، وحقق انتصارات في 18 راليا دوليا لعل آخرها إحراز المركز السادس في أقوى سباقات الرالي باريس داكار 2002، وهو بطل لا يشق له غبار عندما سيطر إلى حد كبير على معظم الراليات الإقليمية وبرز بشكل متميز في أضخم وأكبر السباقات العالمية.


ويتابع: إن الهاجري مارس سباقات «الراليات» على مدار 20 عاماً، وصنع تاريخاً يُشار إليه بالبنان، قبل أن ينطلق إلى عالم رجال الأعمال من بوابة السياحة، وليحصل على عضوية غرفة تجارة قطر، وهو من مواليد الدوحة نوفمبر 1950، وبدأ أول سباقاته عام 1978.


د. علي عفيفي: قصص الأولين نماذج يقتدي بها الشباب


يشدد د.علي عفيفي علي غازي، الباحث في التاريخ، على أن قصص البطولات تُعلم الأجيال دروس التاريخ، «ومنها نستقي القيم والمبادئ التي تضيئ الحاضر، وتستشرف المستقبل، ولهذا فإن الاهتمام بتوعية الجيل الجديد بما قدمه جيل الأولين من بطولات وأمجاد وانتصارات، مهم لأنه يُغذي فيهم القيم، ويجعلهم متصلين بآبائهم وأجدادهم، الذين هم امتداد لهم، كما يُعمق الهوية الوطنية، لأنه يربطهم بوطنهم وأمتهم». ويقول: تمتد بطولات الأولين لتتضمن انتصارات مختلفة، فكل مبدع في حقله هو بطل، يجب الاهتمام بما قدمه من منجزات، وتسليط الضوء عليها لتعميق الوعي بها، وأدرك المؤرخون المسلمون أهمية ذلك، فألفوا في علم التراجم؛ باعتباره أحد فروع علم التاريخ، وصنفوا المبدعين وفق حقول إبداعاتهم، ثم صنفوهم إلى طبقات، وذلك ليبرزوا دورهم، ويسلطوا الضوء على ما قدموه في حقولهم، إيمانًا منهم بضرورة تدوين سيرتهم، وربطها بالسيرورة التاريخية لتطور العلوم والفنون والآداب. ويتابع: التعريف بالبطولات التاريخية القطرية، وبالأبطال القطريين، وما قدموه من إنجازات كلٌ في مجاله، ضرورة وطنية، ليتعرف الأبناء على رحلة كفاح الآباء والأجداد، ومواقفهم وأثرهم في الحياة وتأثيرهم، وليكونوا على يقين من أنهم لم يحققوا تلك الإنجازات؛ إلا بعد أن تصدوا للصعاب، فالنجاح والتفوق لا يأتي إلا بالجد، الكد، والاجتهاد، وهذا هو درس التاريخ؛ لإبراز قدوات ونماذج مؤثرة، يُمكن أن يقتدي بها الشباب وهو يبدأ حياته، وتقديمهم كنماذج مشرفة للأجيال الناشئة؛ ليسيروا على خُطاهم، لذا كان لزامًا أن نُبحر في أعماق التاريخ، ونستخرج منه القدوة والمثل في صورة أبطال تهدينا الطريق».

مساحة إعلانية



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى