عادل حمودة: الاغتيالات أبرز الجرائم السياسية ومن يرتكبها يرفض التغيير السلمي
قال الكاتب الصحفي والإعلامي عادل حمودة، إنه منذ بدء المجتمعات البشرية فرضت الاغتيالات السياسية نفسها على السلطة الحاكمة، فأصيب البعض بالرصاص، وطُعن البعض الآخر بالخنجر، وكان السم وسيلة للتصفية الجسدية أيضًا، لكن الاغتيالات السياسية لا تتعلق بالأشخاص أنفسهم وإنما تتعلق بمواقفهم السياسية والعقائدية، موضحًا أن الاغتيالات تُعد أبرز الجرائم السياسية، إذ أن الجريمة السياسية جريمة يرفض من يرتكبها التغيير السلمي ويتجاوز القانون الجنائي لكن هناك من يصفهم بالبغاة وهناك من يشيد بهم ولو في سره.
وأضاف “حمودة”، خلال تقديمه برنامجه “واجه الحقيقة”، الذي يعرض على شاشة “القاهرة الإخبارية”، أنه حسب القواميس العلمية الدقيقة فإن الجريمة السياسية قديمة قدم السلطة توجه ضد القابضين عليها من المعارضين المتربصين بهم، موضحًا أنه في العصور التاريخية البعيدة كان المجرم السياسي يعامل بقسوة يصعب تحملها، ولكن في الأزمنة الحديثة ناله كثير من الرأفة باعتباره يريد تغييرا لا يقبله النظام.
وأوضح الكاتب الصحفي والإعلامي، أنه في كثير من الأحيان لا يهرب المجرم السياسي، وإنما يستغل جريمته في الإعلان عن نفسه وتنظيمه ويقدم مبرراته كما حدث في محاكمات الشيوعيين خلال عصر عبد الناصر والسادات، موضحًا أن جمال عبد الناصر ، وصف الجريمة السياسية بالسذاجة، « كنا في أحد معسكرات (منظمة الشباب) عندما فوجئنا به يدخل علينا الخيمة، طال حديثه موضوعات متنوعة منها محاولة اغتياله اللواء حسين سري عامر قائد سلاح الحدود في يوم 8 يناير عام 1952 حتى لا يرشح نفسه في انتخابات نادي الضباط امام محمد نجيب».
ولفت إلى أن جماعة التنفيذ كانت مكونه منه ومن حسن إبراهيم وكمال الدين حسين وحسن التهامي لكن ما إن أطلقت النار على الهدف حتى استنكر عبد الناصر تلك الوسيلة في التغيير حتى لا تتحول الحياة السياسة إلى غابة غير مستقرة، ولم ينم عبد الناصر ليلته، وفي الصباح تلقى خبر أسعده، وهو لم يصب حسين سري عامر، فغالبا لا تؤدي الجريمة السياسية إلى إسقاط النظام، حتى لو نجحت عملية الاغتيال فالنظم ليست أشخاصا.
وتابع: “كنت في منصة العرض العسكري يوم اغتيال أنور السادات في عملية لم تستغرق 40 ثانية، لم تأت عملية الاغتيال بالخلافة كما تخيلت التنظيمات الإرهابية، بل وفشلت محاولة أخري في أسيوط بعد 48 ساعة، وبعدها فشلت هجمات أخرى”.
قال عادل حمودة، إنه شهد جلسات محاكمة قتلة الرئيس الأسبق أنور السادات، فصباح يوم الجلسة الأولى كان كل شيء هادئ في محيط المحكمة العسكرية العليا على أرض المحكمة العسكرية في منطقة “الجبل الأخضر” شرق القاهرة، وسدت سيارات الشرطة العسكرية المصفحة منافذ الدخول الي مدينة نصر، و زرعت مناطق تفتيش في تقاطعات الطرق الرئيسية، و تحول مرور السيارات المدنية إلى شوارع أخرى، وحامت في السماء طائرات هليكوبتر.
وأضاف، أنه عند الدخول لقاعة المحاكمة، بدا خالد الإسلامبولي أقل حجما من حجمه في الصور التي نشرت بعد الحادث، و كان يرتدي “بلوفر” رماديا وقميصا أزرق وبنطلون من قماش متواضع، و ارتدي باقي المتهمين الجلباب بألوان مختلفة، أبيض، و أزرق، و بني، وارتدوا تحت الجلباب بلوفرات وقمصان، وارتدوا فوق الجلباب معاطف وسترات.
وأوضح الكاتب الصحفي والإعلامي، أن عبود الزمر تميز وسط المتهمين بملابسه ورتبته العسكرية وإن لم يضع شيئا على رأسه، وحضر المتهم الدكتور عمر عبد الرحمن مفتي التنظيم وهو يرتدي الملابس التقليدية للشيوخ، الجبة والقفطان، و ظل محمد عبد السلام رئيس التنظيم وعقله المفكر جالسا على الأرض معظم الوقت بسبب وضع ساقه في الجبس بعد أن تعرض لحادث قبل شهرين من وقوع الجريمة، وحاول أغلب المتهمين الظهور بمظهر اللامبالين، المزهوين بأنفسهم، المستخفين بكل شيء، وجوههم نحيلة تمتزج فيها الجرأة بالسذاجة.
وتابع عادل حمودة: « ابتسامتهم كانت باهتة، تمتزج فيها الثقة بالهستيريا ، عيونهم غير مستقرة، حركتهم عصبية مضطربة، لكن الصورة تغيرت إلى حد كبير بعد بداية المحاكمة وشيئا فشيئا بدأت ملامح أغلبهم ترتبك، شيئا فشيئا بدأ الهم يسيطر عليهم، شيئا فشيئا شعروا أن الجريمة التي ارتكبوها ليست بهذا الاستخفاف الذي يتظاهرون به، فقد هزت هذه الجريمة العالم».
وقال عادل حمودة، إنه في الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم السبت 21 فبراير 1981، بدأت محاكمة قتلة السادات، إحدى محاكمات القرن العشرين، لأن المجني عليه رئيس جمهورية له مكانته دوليا، والجريمة شهدها العالم لحظة ارتكابها على الهواء مباشرة، والجناة مجرمون غير تقليدين، تتراوح أعمارهم بين 18 و28 سنة باستثناء عبود الزمر 25 سنة وعمر عبد الرحمن 42 سنة، وكان لأول مرة في تاريخ الجريمة السياسية في مصر بعد ثورة يوليو نجد أنفسنا أمام جريمة سياسية حقيقة لا تقبل الشك.
وأضاف أن كل الجرائم التي سبقت اغتيال السادات كانت تندرج تحت جرائم الشروع أو محاولة اغتيال، أو الشروع في قتل شخصية ما، أو محاولة قلب نظام الحكم، « لاحظت أيضا أن هذه القضية على أهميتها ليس بها أسماء لامعة في عالم المحاماة باستثناء عبده مراد وإبراهيم صالح، السبب أنها قضية حساسة يقف فيها المحامون ضد مشاعر الرأي العام الذي لا يتعاطف مع المتهمين».
وتابع الكاتب الصحفي والإعلامي: « في استراحة ما بين الجلستين قال لي العقيد بحري محمود عبد القادر رئيس النيابة العسكرية إنها المرة الأولى في تاريخ القضايا السياسية التي يعامل فيها المتهمون بهذه الصورة الحسنة التي شهدوا بها علنا، بلغ حجم التحقيقات 754 صفحة، واعترف الإسلامبولى أنه هو الذي وضع خطة اغتيال السادات في العرض العسكري قبل تنفيذها بعشرة أيام، وتعهد أمير التنظيم محمد عبد السلام فرج بتوفير الذخائر وابر ضرب النار».
وواصل عادل حمودة: « في التحقيقات أنكر عمر عبد الرحمن أنه أفتى باستباحة دم السادات وعندما سئل بعض المتهمين في هذه النقطة قالوا إنهم فهموا منه ذلك، وفي استراحة المحاكمة نجحت في الوصول إلى قفص المتهمين وأجريت حوارا سريعا معهم نشرته روز اليوسف على غلافها بالكامل ونقلته وكالات الأنباء العالمية، فيما بعد قضت المحكمة بإعدام خالد الإسلامبولي رميا بالرصاص، وأعدم باقي المنفذين شنقا، و سجن عبود الزمر ومحمد عبد السلام فرج وعمر عبد الرحمن».