‫ عبد العزيز الملا لمجلس الشرق: هذه قصة الرسائل المتبادلة بين الملا حبيب وعبدالناصر


محليات

32

عبد العزيز الملا لمجلس الشرق: هذه قصة الرسائل المتبادلة بين الملا حبيب وعبدالناصر

02 مارس 2023 , 07:00ص

حوار: محمد علي المهندي

نواصل في الجزء الثاني من لقاء مجلس الشرق مع الخبير التربوي الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الملا وهو يروي ذكرياته خلال حقبة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ويتحدث عن المدرسين والمهن التي كانت في سوق واقف، وعن قصة ملا حبيب مع جمال عبدالناصر، ويواصل مشواره مع العمل في سلك التعليم، وغيرها من الأمور التي جادت بها قريحته عبر (مجلس الشرق).

 

أحسن شاي زنجبيل عند عموه !!


أذكر كان سالم سعيد عموه وهو من ساحل عمان في تلك الفترة يسكن في قطر، فهو رجل يحب الكرة بشغف ويعشقها بجنون ويجمع اللاعبين والفرق ويلعب مباريات تحدي الفرجان، وقد لعب مع نادي النصر، ولعب مع عدة أندية رياضية مثل النجاح، وكان يملك (كافتيريا) في نادي النصر، وكان يبيع السندويشات الخفيفة والحلويات والمكسرات والمرطبات والشاي، وكان يعمل في فصل الشتاء الشاي بالزنجبيل وكنا نستمتع بشرب الشاي بالزنجبيل الذي تشعر بالحرارة والدفء بعد شربه، ولا ندفع له المبلغ فوراً بل نتسلف بالدين، ويسجله في الدفتر، ثم ندفعها عندما تتوفر لنا الفلوس، وكان رجلاً متسامحاً وطيباً عليه رحمة الله.

 


الملا حبيب وعبدالناصر


 كان الملا حبيب هو مطوّع وكان إمام مسجد (عبلان) الذي يقع بين بيت الغزال وبيت الشيخ فالح آل ثاني، وكنا نذهب للصلاة عنده في المسجد، وكان يعطينا حلويات يطلق عليها (برميت) وذلك لتشجيعنا على المحافظة على الصلاة، وقد أخفى عن الجميع علاقته القوية مع الزعيم جمال عبدالناصر رئيس مصر، لكن الحقيقة ظهرت وانكشف المستور، وكانت المفاجأة الكبيرة عندما انتقل الرئيس جمال عبدالناصر إلى جوار ربه، فقد ذهب له محمد مبارك الدرويش وزملاؤه ووجدوه يبكي بحرقة على موت الرئيس عبدالناصر، وقال لهم بصوت عالٍ (مات البطل، مات البطل)، وسألوه ما علاقتك به؟، وقام مسرعاً وفتح المشتخته (الصندوق) وهنا كانت المفاجأة والدهشة على وجوه الشباب، فقد وجدوا بالصندوق رسائل متبادلة مع الزعيم عبدالناصر وذلك عن طريق مدير مكتبه (الخولي) كما وجدوا دعوات كثيرة للملا حبيب لزيارة مصر في تلك الفترة، كما شاهدوا أسطوانات عليها صورة جمال عبدالناصر وفيها أغانٍ وطنية مثل (حنا بنينا وحنا سنبني السد العالي)، وتم طلب تلك المقتنيات ولكنه رفض بشدة تسليم الرسائل والأسطوانات لأنه يعتبرها مقتنيات شخصية، وكان محتفظاً بها حتى وفاته، أتمنى من المسؤولين عن المتاحف أو من يهمهم الأمر الاحتفاظ بهذه الذكريات خاصة من زعيم مثل جمال عبدالناصر أيام فترة المد القومي العربي.


شخصية محمود أبو واصل قوية


 أذكر في أيام الدراسة كان من المدرسين العرب الذين لهم شخصية قوية وله هيبة ويحترمه الطلاب والبعض يخاف منه هو الأستاذ أسامة أبو واصل مدرس اللغة الإنجليزية، كان في منتهى الرقيّ يأخذ ويعطي مع الطلاب ويتناقش معهم لا يضرب ولا يطرد الطلاب، كان عندما يخطئ الطالب يقوم بالتصحيح له حتى يتعلّم النطق الصحيح للكلمة الإنجليزية.


مدرس الرسم في منصب قيادي


كما أتذكر الأستاذ عبدالرحمن المزيّن أستاذ التربية الفنية (الرسم)، وكان مشهوراً ويتقن رسم وجوه الشخصيات في مرسم المدرسة، وكان خلال فترة الاستراحة يقوم برسم وجوه الطلاب، وكانت أغلب رسوماته تُعبّر عن الثورة الفلسطينية، وبعد أن قضى فترة زمنية معينة انتقل للعمل الثوري الفلسطيني وانضم للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتبوأ منصبا قياديا كبيرا، حيث تم تعيينه في منصب وكيل وزارة، وكنا خلال الفترة الأولى نقوم بمراسلته بصفته مدرسنا.

 


الحجام محمد البلوشي


من الذكريات التي عاصرتها خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان هناك رجل قويّ البنية وله شنبات كبيرة وهو من سلطنة عمان، اسمه محمد البلوشي وكان يقوم بعمل الحجامة للرجال وكان الإقبال عليه كبيراً، وكانت أدواته هي عبارة عن قرون ثور وكذلك إبرة خياطة الخياش حيث يقوم بثقب المكان ثم يقوم بمص الدم. وكان يعتبرها مهنة طبيّة تدر عليه دخلاً يقتات منه، وكان يتخذ غرفة في منارة مسجد الأحمد مكاناً لعمل الحجامة.

 

مسجد الأحمد تخطى (100) عام


يعتبر مسجد الأحمد في سوق واقف من أقدم المساجد في قطر وقد بناه (الأحمد)، وربما تأسيسه تجاوز المائة عام، وأذكر كان إمام المسجد الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب المطاوعة ويقولون كان صوت المؤذن فيروز من أجمل الأصوات، ثم تعاقب عليه عدة أئمة عينتهم إدارة المساجد، ثم جاء الشيخ محمد بن راشد البلوشي ومكث أكثر من (20) عاماً إماماً للمسجد، وكان خطباء الجمعة يختلفون، فقد خطب فيه بعض خريجي جامعة المدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود وأذكر منهم محمد عبدالله الأنصاري وبعض الخريجين، كما خطب بعض القضاة في المحاكم الشرعية.


سوق واقف مركز اقتصادي


كانت منطقة سوق واقف تعج بالحركة والنشاط والحيوية، فكانت الحركة الاقتصادية مزدهرة فهناك سوق الطيور، والدجاج والحمام، كما تجد أمامك سوق الفواكه والخضار، وسوق القصابين، وسوق الحدادين وسوق الصفارين وسوق الذهب، كما تجد الندافين الذين يقومون بندف القطن وعمل الفرش والمساند وكان أشهرهم باقر، والخرازين الذين يقومون بعمل الأحذية والنعل، والنجارين وسوق الملح وسوق التتن وغيرها من المهن البسيطة.


كان يمر من منطقة السوق إلى البنك العربي مجرى مائي يقسم السوق إلى نصفين، وقام الخال بعمل دوسة (جسر صغير) وذلك للعبور إلى القسم الثاني، ثم قامت البلدية بدفن وردم المجرى المائي وأصبح السوق منظماً وجميلا، وكان يقف على مفترق السوق شرطي بلباسه الجميل ويرتدي الغترة والعقال وشعار شرطة قطر وينظم حركة المرور والسير، وكان في سوق واقف مركز شرطة.

 


المسرح الحديث بدء من دار المعلمين


أذكر بعد بدء الحركة المسرحية من دار المعلمين وقبلها من المعهد الديني الثانوي وبعض التجارب في ستينيات القرن الماضي، انطلق المسرح من مدرسة الاستقلال الثانوية التي كان مديرها محمد عبدالله الأنصاري حيث قدمت عدة مسرحيات مثل (حلاة الثوب رقعة منه وفيه) ومسرحية (سبع السبمبع) ومسرحية (عانس)، كما كنت مسؤولا إداريا في مسرح نجمة أيام مسرحية أم الزين تأليف عبدالرحمن المناعي وتمثيل مجموعة من الشباب منهم غانم المهندي وسعاد عبدالله وقدمت على مسرح نجمة الذي بعد إنشائه بدأت الحركة المسرحية في الظهور والتوّهج، وبدأ الإقبال الجماهيري على حضور مسرحيات.

 

لولا الملقن فما مصير المسرحية؟


 أذكر أننا شاركنا في المهرجان السابع للفنون المسرحية في دمشق بسوريا الذي يعتبر من أكبر المهرجانات وأنشطها في تلك الفترة، وقدمنا مسرحية إلى أين؟ تأليف عبد الله أحمد وإخراج هاني صنوبر 1976، وقدمت الكويت مسرحية علي جناح التبريزي وتابعه قفة، وقدمت العراق مسرحية الثعلب، وقدمت مصر مسرحية أقوى من الزمن، وعند الساعة الثانية عشرة ليلا تتم مناقشة ونقد المسرحيات التي قُدمت على خشبة المسرح، طلب مني وزير الإرشاد القومي السوري الذي يجلس بجانبي رفع حرارة النقاش والنقد في الجلسة، فطلبت من الوزير الأمان وكنت يومها رئيس الوفد، فتحدثت قائلاً: “مصر كما قال الشاعر المصري حافظ إبراهيم:


أنا إن قدر الإله مماتي..


لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي


ما رماني رام وراح سليما..


من قديم عناية الله جندي..


وتابع: مصر في كل شيء أعلى حتى في الفن، ولكن لولا الملقن فما مصير المسرحية؟ وشكراً، وهنا ضجت القاعة بصوت التصفيق الحار من قِبَل الحاضرين وخاصة الكويتيين، بصراحة لم يكن الممثلون المصريون حافظين أدوارهم في المسرحية وكانوا معتمدين على الملقن رغم أنهم من عمالقة المسرح في مصر في تلك الفترة مثل عبدالرحمن أبوزهرة وصلاح قابيل وبرلنتي عبدالحميد، ولم يشفع تبريرهم أمام الحضور ولم يقنع تبريرهم، وأنا خارج من القاعة مسك يدي الممثل عبدالرحمن أبوزهرة قائلا (إحنا عملنا فيكم إيه؟!) فقلت له أنا مدرس ولابد من قول الحقيقة للجميع حسب ما رأيت ولا أجامل، وقال لي أشكرك لأن لديك الجرأة، وفي صباح اليوم التالي طلعت الجرائد في دمشق وكتبت بالخط العريض: القطري عبدالعزيز الملا يقول (لولا الملقن فما مصير المسرحية؟!!).

 


شؤون المسرح كرموني


بصفتي أحد رواد الحركة المسرحية في قطر وعملت فترة طويلة مع فرقة المسرح القطري كإداري، فإن شؤون المسرح قد كرموني كأحد رموز الحركة المسرحية وذلك في مهرجان الدوحة المسرحي في دورته (34) والاحتفال بتكريم الرموز.


تنقلت بين عدة مدارس


مسيرتي مع سلك التعليم طويلة وحافلة بالعطاء وتنقلت بين عدة مدارس في قطر كمدرس ووكيل ومدير ثانوي، والمدارس هي: خالد بن الوليد ومدرسة الصناعة وخليفة الثانوية والدوحة الثانوية وكنت مديراً لثانوية الوكرة، وعملت بجد وإخلاص وتفانٍ لأنني أحب سلك التعليم والتدريس وعلمني أستاذي محمد بن عبدالله الأنصاري في دار المعلمين كيفية العطاء وإعطاء الطلاب المعلومات الهامة ومشاركة الطلاب في الأنشطة والتعامل مع الطلاب بمهنية ودبلوماسية حتى يحبوك ويخلصوا في تعليمهم وتعطيهم حافزاً قوياً لمواصلة التعليم.

 


قصتي مع مدرسة الصناعة الثانوية


 بناء على تعليمات من محمد بن عبدالله الأنصاري أحد كبار المسؤولين بوزارة التربية والتعليم، طلب مني الانتفال فوراً إلى مدرسة الصناعة الثانوية ولما سألته لماذا؟، أجاب على الفور أصبح عدد طلاب المدرسة (60) طالباً فقط وعليك بذل مزيد من الجهد لزيادة عدد الطلاب أو يتم إغلاق المدرسة، وشمَّرت عن ساعدي ولملمت أوراقي وأغراضي ورغم صعوبة المهمة، وتحتاج إلى تفكير ووضع خطة لانتشال هذه المدرسة من الإغلاق، فجلست مستغرقاً في التفكير، وهداني تفكيري أن أذهب إلى مجلس وزير الداخلية الشيخ خالد بن حمد آل ثاني، وطلبت الجلوس معه عشر دقائق فقط، وعرضت عليه حال الطلبة القطريين وعزوفهم عن الإقبال على مدرسة الصناعة، وتفهم الموضوع وقال غداً سيكون عندك كبار الضباط واطلب منهم ما تشاء لمصلحة شباب قطر، وبالفعل حضر الضباط واجتمعنا معهم وشرحت لهم الهدف، وعلى الفور جاءت ثلاث سيارات وحملت الطلبة والمدرسين إلى كتيبة الدروع وذلك في عام 1982 تقريباً، وقد استقبلهم الشيخ عبدالله بن خالد آل ثاني، وشكرهم على الحضور إلى كتيبة الدروع وقال لهم كل طالب يوقع على عقد للانضمام للدروع سيتم صرف (3500) ريال شهرياً له، وبعد إكمال تعليمه في مدرسة الصناعة، سيمنح رتبة مرشح ضابط وسيعلق النجمة، وقد وقَّعَ العديد منهم على العقود خاصة أنه سيمنح خلال دراسته مبلغا شهريا، وبعد سماع زملائه هذا الخبر التحق عدد كبير منهم بمدرسة الصناعة وأصبح عدد الطلبة حوالي (300) طالب ثم أصبح العدد يزداد في كل عام في الالتحاق حتى أصبح عدد الطلبة في النهاية حوالي (800) طالب.

 


لدينا في الوزارة سياسة الأبواب المفتوحة


في وزارة التربية لدينا سياسة الأبواب المفتوحة، وقد طلبت مقابلة الشيخ محمد بن حمد آل ثاني وزير التربية والتعليم ووافق على الفور وشرحت له ما حدث وشكرني، طلبت منه منح مكافأة للطلبة الملتحقين بالثانوية الصناعية لتشجيعهم، فوافق على الفور، كما طلبت زيادة عدد الطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج من طالب واحد إلى (8) طلاب يختارون من كل قسم حسب درجة تفوقهم، ووافق كذلك على طلبي، وهذا يعتبر إنجازاً لي وللطلبة، كما زدت في طلباتي وقلت له منجرتك الخاصة متوقفة منذ فترة ونحن نحتاجها لمدرسة الصناعة، فأهداها لمدرسة الصناعة تقديراً لهم وتشجيعهم.


وأذكر سألني السيد أحمد رجب عبدالمجيد مدير إدارة البحوث في الوزارة، اليونسكو يريدون معرفة عزوف الشباب عن مدرسة الصناعة وارتفاع الإقبال مرة ثانية من (60) طالبا حتى أصبح (800) طالب، فقلت هذا ثمرة اجتهادنا وعلاقتنا بكبار المسؤولين، وزيارة الشيوخ والشخصيات في مجالسهم وعلاقتنا مع الطلاب وتشجيعهم وتحفيزهم باستخدام الدبلوماسية لا العنف معهم.


انتهت قصة الهروب من المدرسة


 خلال تعييني مديرا لمدرسة خليفة الثانوية، وجدت أن الطلبة يهربون من المدرسة وخاصة في فترة الفسحة لكي يتناولوا فطورهم في مطعم هندي قريب من المدرسة، قادني تفكيري للذهاب للمطعم وإذا هو مكتظ بالطلبة، وطلبت كيمه وشاي وشباتي وأكلت معهم، ولم أتحدث مع الطلبة لكن رأيت في عيونهم الخوف والهلع، وعندما رجعت للمدرسة استفسرت من الشباب عن سبب هروبهم من المدرسة فوجدت شكوى منهم تتعلق بأن الكافتيريا بالمدرسة لا تناسبهم، بينما يجلسون في المطعم يتحدثون مع زملائهم ويأكلون أنواعا معينة من الأطعمة وسعرها مناسب، وعلى الفور خطرت في بالي فكرة للقضاء على هروب الطلاب دون الرجوع للوزارة لاستشارتهم، توجهت إلى مطعم المجلس بمنطقة السد وطرحت عليهم فكرة فتح مطعم وإحضار طاولات وكراسي عديدة للشباب وأن تكون أسعار الوجبات تتراوح من 3 ريالات سعر سندويش والوجبات لا تزيد على 20 ريالا، وسنمنحكم مكانا خاصا لكم وسيكون بالمجان، وعندما فتحت الكافتيريا أبوابها كان الإقبال كبيراً من قبل الطلبة وأشادوا بما تقدمه الكافتيريا وكانوا يجلسون على كراسي الكافتيريا يتحدثون مع بعضهم وقت الفسحة، وانتهت قصة الهروب للمقهى لأننا عالجناها بحكمة ودبلوماسية!!

 

مساحة إعلانية



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *