كيف كان يعمل “المسحر” في قطر ؟
محليات
42
الدوحة – قنا
من عام إلى عام ومع حلول الشهر الفضيل ينطلق صوت “المسحر” في الأرجاء مرددا الأذكار التي تحيي القلوب وتنثر البهجة والأفراح.
والمسحر هو ذلك الشخص الذي يجوب الشوارع والأزقة خلال شهر رمضان المبارك بغية إيقاظ الصائمين قبل آذان الفجر، لتناول السحور قبل بدء صيام النهار، مرددا ” لا إله إلا الله، محمد يا رسول الله.. لا إله إلا الله، سحور يا عباد الله”، ويعود أصل هذه المهنة إلى الحضارة العربية الإسلامية القديمة، حيث كانت الوسائل الحديثة للاتصال غير متوفرة، وكان من الضروري إيقاظ الناس لتناول السحور. وترتبط هذه المهنة بتقاليد رمضان في العالم العربي والإسلامي حيث كانت جزءا لا يتجزأ من حياة الناس في تلك الحقبة، حيث كانوا ينهون يومهم بعد صلاة العشاء والتراويح، ويبدؤونه بعد صلاة الفجر، وكان المسحر يلعب دورا مهما في تحديد هذه الساعات وإشعار الناس بقرب موعد السحور.
وترجع عادة تنبيه الناس إلى وقت السحور إلى عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – حيث كان يؤذن للفجر مرتين، وكان بلال بن رباح يؤذن قبل الوقت ليعلم الناس بأن حان وقت السحور، بينما كان عبدالله بن مكتوم يؤذن وقت الفجر ليمتنع الناس عن الطعام والشراب، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية تباينت وسائل تنبيه الصائمين إلى وقت السحور.
ومهنة المسحراتي ظهرت رسميا في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، وكان قد أصدر أمرا بأن ينام الناس مبكرا بعد صلاة التراويح، وكان جنوده يمرون على البيوت ليوقظوا الناس لتناول السحور، وفي عهد الدولة العباسية كان عتبة بن إسحاق أول الولاة، وكان واليا على مصر، وهو أول من عمل بهذه المهنة، وكان يخرج بنفسه سيرا على قدميه لإيقاظ الناس مرددا “يا عباد الله تسحروا، فإن في السحور بركة” حسب المصادر التاريخية.
وانتشرت مهنة المسحر أو المسحراتي في كافة البلدان العربية والإسلامية، حيث كانوا يستخدمون الطبلة لتنبيه الناس لوقت السحور، ويرددون الأناشيد والأدعية وينادون على الناس وهم يدقون الطبول لينتبه الناس ويستعدون لتناول السحور. ففي اليمن كان المسحر يقرع الأبواب بالعصا. بينما في المغرب كان يعزف على المزمار، وفي الشام كان يمر على البيوت ويعزف على العود والطنابير وينشد الأناشيد الدينية الخاصة برمضان.
وعبر السنين، ابتكر المسلمون وسائل لإيقاظ الناس لتناول السحور، مؤمنين بأن التنبيه على الصائمين جزء من التعاون على البر والتقوى ومن أفعال الخير، وكان لصاحب مهنة المسحر دور مهم في إيقاظ الناس لتناول سحورهم في زمن كان يتسم بالبساطة، حيث لم تكن هناك مكبرات صوتية أو وسائل إضاءة كبيرة أو وسائل ترفيه تمكن من السهر. فقد كان الجميع في انتظار هذا الزائر الذي يجوب الأحياء، ممسكا بأداته التي يقرعها ليحدث صوتا مرتفعا، سواء كانت طبلا أو نحاسا، مرتفعا طوال جولته ذكر الله، ليعلو الذكر في كل مكان، مواكبا لشهر الرحمة والغفران.
وحول هذه المهنة وتاريخها في قطر، أوضح السيد عتيق السليطي باحث في التراث الشعبي لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن للمسحر دورا كبيرا في إيقاظ الناس لتناول السحور، حيث كانوا يعتمدون عليه لتناول وجبة السحور التي تسبق آذان الفجر بوقت قصير، وأشار إلى استعداد المسحر لهذه المناسبة باختيار أحسن وأقوى طبل لديه ويقوم ببعض الترتيبات وأعمال الصيانة، مثل التأكد من جودة الجلد الذي يغطي جوانب الطبلة المعروف بـ(الرقمة)، وكذلك شد الحبال المحيطة به وتسمى العملية بـ(التسميت)، ويختار العصا التي يستخدمها لتقديم الصوت العالي، ليصل إلى المنازل في أنحاء الفريج.
وأشار إلى أنه وفي كل ليلة خلال شهر رمضان يخرج المسحر في الأحياء من منتصف الليل حتى قبيل الفجر، يجوب الأزقة والشوارع مصطحبا معه عددا من صغار أهل الحي، ويرددون الأناشيد ويصفقون مما يعيد الحياة إلى الأحياء في تلك الساعات الأخيرة من الليل، وتقوم ربات البيوت بتجهيز وجبة السحور.
وأشار الباحث عتيق السليطي أن المسحر كان يشارك الناس والصغار فرحتهم بليلة “القرنقعوه” في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك. متجولا معهم بطبلته مرددا أغانيه وأدعيته، ويطوف على المنازل لأخذ هديته، والتي تكون في الغالب أجرته عن العمل الذي قام به خلال نصف شهر رمضان.
ولفت إلى أن المسحر لا يظهر في النهار إلا في يوم العيد لأخذ عيديته وهي أجرته عن العمل الذي قام به طوال الشهر الفضيل، وكان لكل أهل حي أو “فريج” مسحر خاص أو عائلة خاصة تتولى القيام بهذه المهمة، ولم يكن يسمح لأحد بمزاولة هذه المهنة إلا بإذن من أهل الحي أنفسهم.
ولفت إلى تطور المسحر مع مرور الزمن، لينتقل من الترجل قديما إلى ركوب السيارة ، ليجوب الأحياء ويقوم بمهمته في إيقاظ الناس للسحور وبدء يوم جديد .
مساحة إعلانية