‫ مبدعون لـ الشرق: القراءة متعة لا تعرف المواسم


ثقافة وفنون

12

02 أغسطس 2023 , 07:00ص

طه عبدالرحمن

في الوقت الذي يحرص فيه كثيرون على استثمار إجازاتهم الصيفية في خيارات عدة، إلا أن المثقف يحصرها في خيار أساسي بالنسبة له، ويحدده في القراءة، ما يجعلها هدفاً أساسياً له، وإن تعددت خياراته.


وينطلق المبدع من هذا الهدف، لم تشكله القراءة لديه من تشكيل لمخزونه الفكري والعقلي الذي يسقطه على أعماله في الحقول الإبداعية المختلفة، الأمر الذي يستفيد منه المتلقي، ومن ثم تعود المعرفة إيجابياً على المجتمع.


وفي الحلقة الأخيرة من ملف «المبدعون والصيف»، تتوقف عند قراءات المبدعين خلال الصيف، والنصائح التي يسدونها إلى غيرهم من أفراد المجتمع، بغية إعداد مجتمع قارئ، قادر على ترجمة رؤى أفراده إلى مشاريع ناجزة.


د. أحمد عبدالملك: القراءة متعة لا تعرف المواسم


يصف الكاتب والروائي والأستاذ الجامعي د.أحمد عبدالملك الصيف أو الإجازة الصيفية بأنها فرصة للراحة، والتحرر من الارتباطات والمهام الوظيفية والاجتماعية، وتعطي الإنسان أوقاتاً للتأمل ومراجعة الذات، والتخطيط لما سيأتي. ولا يرى د. عبدالملك أن هناك مواسم للقراءة في المقام الأول، فـ «الذي تَعوَّدَ على القراءة، فإنَّه يُمارسُها أنّى شاء، وأين ما شاء، وأفترضُ هنا أنَّنا نعني هؤلاء الذين يُداومون على القراءة لا غيرَهم. والقراءة بالنسبة للمُبدع أمرٌ آخر، إذ مِن المُهم أنْ يقرأ المبدعُ حتى يُثري مخزونهُ اللغوي واللفظي والمعلوماتي، وبدون ذلك سوف يُكرِّر نفسَه دون أنْ يشعُر». ويتابع: أستغل الصيف في بعض المشاريع للعام القادم، حيث الاسترخاء والهدوء وعدم الارتباط، وعادة ما آخذ الكتبَ التي اقتنيْتُها في معرض الكتاب، وأبدأ في قراءِتها حسب المواضيع، وهذه حالة خاصة بالمبدع الذي يحاولُ أنْ يطوّرَ نفسَه، ويستخدمَ عقلهُ في البحث عن مكامن الجمال والتشويق، خصوصاً فيما يتعلق بكتابة الرواية.


كما يصف د. عبدالملك القراءة بأنها متعةٌ لا تُضاهى، ولن يشعرَ بها إلّا المُحبُّ للقراءة، «فأنتَ قد تكون على بركة السباحة، وتستمتع بالأجواء ولديك كتابٌ مثل الصديق يُحادثُكَ وتُحدّثُه، أو تكون جالساً في البلكونة مستمتعاً بالمناخ الملائم، وتقرأ، وهكذا. إن القراءة متعةٌ للذين يستشعِرونَها، أما الذين تجذُبهم المولاتُ والمقاهي فهؤلاءُ خارج هذا البحث».


وحول قراءته الصيفية. يقول: أقرأ كُلَّ ما يقع عليه بصري، ولا تصنيفَ لديّ؛ وأبحثُ عن العناوين الجديدة في عالم الكتب، فمثلاً: اقتنيتُ هذا العام عدةَ كتب، منها كتاب بعنوان: « قوة النونتشي» للكاتب الكوري إيوني هونغ، وسونارات السرد للكاتب وارد بدر السالم، ورواية الغُبار للدكتور عمر عبدالعزيز، ومقاربات نقدية في الفضاء الافتراضي للكاتبة الدكتورة رائدة العامري، ورواية عازفة البيكاديلي للروائي واسيني الأعرج، وغيرها، وعادةً ما يقرأ الإنسانُ ما يواءِمُ ميولهُ ومزاجَه، البعضُ يميلُ إلى الشِعر، والآخر يميلُ إلى التجارب الإنسانية، والآخر يقرأ الرواية، وهكذا.


سعد الباكر: العطلة الصيفية فرصة لتنمية القراءة


يشدد الكاتب سعد الباكر على أن من أهم أسس الإسلام الحث على الإطلاع والتثقيف وتنشيط العقل والدفع للابتكار والإبداع وذلك عبر المتابعة والقراءة بصفحات الكتب القيمة المختلفة أو وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة أو الفضائيات أو الصحف المحلية والعالمية، وأن أولى أولويات الدين الإسلامي التشجيع والحث على القراءة والتدبر في جميع المواضيع والمقالات والبحوث ومتابعة اخر التطورات الفقهية والعلمية والطبية والبحثية والفنية. ويقول: لا توجد عقيدة منذ الخليقة تضاهي أو تنافس الدين الإسلامي بتوصياته ودعمه وتشجيعه للعموم والخصوص من البشر لاستمالتهم وترغيبهم في القراءة والبحث والتدبر والتفكر والتأمل والخروج من ظلمات الجهل الى نور العلم والمعرفة. إن القرآن الكريم هو البوصلة القيمة والجوهره النفيسة التى أهداها الله للناس كافة وللمسلمين خاصة حتى ينطلق الجميع من قاعدة ذلك الكتاب المعجز، وحتى يستلهمون كلٌ حسب تخصصه من ذلك الكتاب كل ما هو معجز ومن سحر البلاغة ومن الحقائق ومن الاسرار الخافية والظواهر الفلكية والعلوم المكنونة.


ويتابع الباكر: إن جيل اليوم هم أوفر الأجيال حظاً فقد توافرت لهم سبل القراءة والاطلاع والتثقيف بضغطة زر، بينما كان أجدادنا يعانون من السفر وضيق الوقت والالتزام المادي وذلك لقاء الحصول على المعلومة القيمة الصحيحة في صفحات الكتب والقصاصات والروايات والتى يكاد أن يحصلوا عليها بشق الأنفس وقد تكون شحيحة وغير مكتملة وبصورة قد لا ترتقي لمستوى شغفهم وطموحهم في اكتمال المعلومة. ويلفت إلى أن أعظم فرصة يمكن أن يغتنمها الفرد هى العطلة الصيفية، فقد يكون البعض في هذه الأيام في ربوع دول حباها الله بالطقس الجميل والهواء العليل والمناظر الخلابة، ما يجعلها فرصة مواتية يجب اغتنامها كمشروع لقراءة كتاب، قد يكون محتواه قصة واقعية أو خيالية أو غيرهما، أو أن يُلهم مشاعره في كتابة قصيدة شعرية غزلية أو وطنية أو ملحمية أو غير ذلك.


ويقول: سواء كان التوجه للقراءة عبر الكتاب الإلكتروني أو التقليدي فالمهم أن يتلذذ القارئ بنشوة ما قرأ ويقيم ويثمن قيمة المعلومة التى استلهمها من قراءاته، ويستدرك فيما استوعب من القراءة ما قد يجنبه المطبات المفترضة ويعوض بقراءته المفيدة ما قد فاته ويبني على قراءته الفكرة التى استفاد منها من أجل مستقبله ومستقبل أبنائه أو قد يسوق لفكرة مبتكرة أو نصيحة مهمة أو وصية يوصي بها مجتمعه أو زملاءه. بالقراءة تُبنى الحضارات وبالقراءة تُشكل قوائم وطوابير الجهابذة من الأدباء والمفكرين والكتاب الذين يشكلون القيمة الحقيقية للأوطان.


حنان الشرشني: الإجازة أفضل الأوقات لتشجيع المطالعة


تؤكد الكاتبة حنان الشرشني أن مواسم الإجازات بالنسبة لها من أفضل الأوقات المشجعة على القراءة خاصة الإجازة الصيفية، حيث وقت النهار طويل والهدوء السائد مغر ويدعو لاكتشاف عوالم الكتب، وهذه بيئة خصبة للإبداع والتفكر، فمن خلال الاستزادة بالقراءة، تكتسب قريحة القارئ أفكارا ومصطلحات لغوية جديدة، يظهر جلياً في طريقة حديثه وابداعاته الكتابية. وتنصح الكاتبة حنان الشرشني جمهور المتلقين باستغلال أوقات الصفاء الذهني بالقراءة، «لأن بها ينتشي العقل من خلال تخيل مجريات الأحداث، وهو نوع من أنواع الرياضات الذهنية التي تحافظ على سلامته عن طريق التخيل وتذكر الأحداث واكتساب مهارات لغوية جديدة».


وعن نوعية الكتب التي ترشحها للقراءة الصيفية. تقول: إن ذلك يعتمد على ما يستهوي القارئ وما يحب ولمن ينجذب من المبدعين كلُ حسب مجاله، بالنسبة لي تشدني أدب الرواية، لأنها ليست مجرد قصة تروى بل معايشة أحداث فيها رسائل عميقة، وتوجهات في حقبة معينة، من الممكن إدراكها لو كان القارئ لبيباً ويستشعر ما بين السطور، وللقارئ مطلق الحرية لاختيار ما يحقق له متعة ذهنية.


روضة العامري: هاجس القراءة يصاحب المثقف أينما كان


تقول الكاتبة روضة العامري: إنها أثناء زيارتها لإحدى دول الخليج، قابلت شخصية نسائية، «وفي أثناء حديثنا أخرجتُ قلماً، وأجندة لأسجل بعض البيانات، فنظرت إلىَّ مبتسمة، وقالت: أنتِ مثقفة، وكلما تذكرت ذلك الموقف المرتبط بالسفر، ابتسم ويساورني تساؤل: هل للمثقف عنوان ودول؟».


وتتابع: أحيانا يرانا الآخرون بما يشبهنا من تصرفات، يكون مدعاة مع الوقت لكي ينسب اسم ذلك التصرف بنا، «تأتي قيمة القراءة من احترام الانسان لذاته، كل ما حولنا يحتاج منا نظرة ووعيا، وإدراكا، ولن يتأتى لنا ذلك دون الاستكشافْ، بالقراءة، وعندما نتمعنُ في شخصيات المثقفين الأوائل تذهلنا قدرتهم الفائقة على انجاز مهامٍ متعددة في حياتهم من وضع المؤلفات، والمشاركة في الندوات. لا يعتبر هذا في حد ذاته ابداعا فكرياً، أو تألقاً معرفياً فقط، بل هو تقديرٌ لقيمةِ الذات، والوقت، ونعمة الحياة».


وتلفت إلى أن ذلك «يتجلى عند الاعتصام بحبل الخالق، واستثمار المصادر المتاحة أمامه أينما كان، المثقف كالمسك ولو لم يكن صاحبا فهو قارئ. يظل هاجس القراءة مصاحبا للمثقف أينما كان، تجده يبحث عن المكتبات في سفره، وعن التحف التي تحمل هوية الموروث الثقافي للبلد الذي يسافر إليه».


وتصف الكاتبة روضة العامري القراءة بأنها فسحة للعقل، منفذ للنفس، راحة للقلب، واسترخاء للجسد، وأن الأولى قراءة كتاب الله تعالى، ومن بعده الكتب التي تثري الفكر، وتجيب على التساؤلات، وتلهم الإبداع».


د. أحمد الجنابي: الإجازة فرصة لا تعوض للاستزادة من المعرفة


يقول الخبير اللغوي د. أحمد الجنابي: عندما نشأنا أرشدنا من كان قبلنا بقراءة كتاب: (قيمة الزمن عند العلماء) لمؤلفه عبد الفتاح أبوغدة (عالم سوري أزهري)، فلازمنا الكتاب والمكتبات منذ الصبا، فلم نخصص موسمًا للقراءة؛ وإنما كانت القراءة والمطالعة في المواسم كلها، لكن في أوقات الدراسة فإن الكتاب المدرسي هو فقط الذي يكون بين أيدينا، ولا سيما أوقات الامتحانات والاختبارات والتهيؤ لها. ويضيف: العطلة السنوية فرصة لا تعوض لاستزادة القارئ من القراءة، «فالكتب كثيرة والأوقات قليلة، لذا فإن المغتنم للفرص لا تغادره العطل والإجازات إلا وقد حقق قدرًا مناسبًا وكافيًا من القراءة، لأن القراءة هي رصيد معرفي ومخزون ثقافي يحتاجه الإنسان لكي يصرف منه بقية حياته في المدارس والمجالس وغيرها من مجالات الحياة.


فما تقرأه سيظهر فيما بعد بوضوح في نوعية التفكير، وفي طريقة الأسلوب، وفي فنون التعامل والتواصل مع الآخرين. وينصح د. الجنابي كل مجاز إجازة قصيرة أو طويلة أن يخطط فيما يخطط للقراءة، وأن يحمل كتابًا معه في البر والبحر والجو يقرأه حسب أوقات فراغه، «فنحن نرى الأجانب مثلًا يقرأون في القطار، ويفتحون الضوء فوقهم في الطائرة لمواصلة القراءة، وحتى تلك التي تجلس على البحر والكتاب بين يديها، فهؤلاء مدركون لأهمية القراءة، ونحن أمة «اقرأ» يفترض أن تكون هذه حالتنا مع القراءة».


كما ينصح الطالب الضعيف مثلاً في مادة الفيزياء أن يقرأ كتابًا غير مدرسي في الفيزياء الميسرة، «وأنصح أهل الاختصاص أن يواكبوا المؤلفات الجديدة في ميادينهم، وأنصح كل شخص أن تكون لديه مكتبة في بيته، ورف في غرفة نومه وجنب سريره، وفي سيارته، وفي حقيبة سفره، وكذلك أن تكون مكتبتك الإلكترونية عامرة في هاتفك المحمول وأجهزتك الأخرى».

مساحة إعلانية



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *