عربي ودولي
66
رام الله – محمـد الرنتيسي
في الأول من نوفمبر الماضي، وفي خضم العدوان الاحتلالي المحموم والمنفلت على قطاع غزة، دخلت قناة الجزيرة الفضائية عامها الـ28 رافضة الانصياع لمنطق الاحتلال الأعوج، بمحاولات إسكات الصوت وإطفاء الصورة.
ومنذ انطلاقتها، تضطلع الجزيرة بدور مميز في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومعركته ضد الاحتلال، فتنقل ما يجري من أحداث، وتفضح انتهاكات الاحتلال، وما من شيء، يمكن أن يذكر في سياق الحديث عن الجزيرة وتضحياتها، أكثر وأبلغ من تقديمها دماء مراسليها ومصوريها، الذين طالما صدحت أصواتهم في الأرجاء، لتفضح أسوأ وأشرس احتلال عرفته البشرية.
استهداف عائلة مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، وقصف منزل عائلة زميله مؤمن الشرافي، استهداف عائلة الصحفي بقناة الجزيرة أنس الشريف بعد تهديد مسبق، واستشهاد 21 من عائلة مهندس البث بقناة الجزيرة في غزة محمـد أبو القمصان، إصابة مراسلة الجزيرة في لبنان كارمن جوخدار بشكل مباشر، وأخيراً إصابة وائل الدحدوح واستشهاد مصور الجزيرة في غزة سامر أبو دقة، ومن قبلهم اغتيال الإعلامية الكبيرة شيرين أبو عاقلة.. إذن هم يستهدفون الجزيرة، ويغتالون الحقيقة، كما يقول إعلاميون ومختصون.
حسب الإعلامي الفلسطيني محمود السقا، فإن استهداف طواقم قناة الجزيرة في فلسطين، لم يبدأ باغتيال مراسلة القناة المخضرمة شيرين أبو عاقلة، بينما كانت تعرّي سوءات الاحتلال في مخيم جنين، يوم 11 مايو 2022، ولن ينتهي بارتقاء مصور الجزيرة سامر أبو دقة، فالجزيرة مستهدفة لإصرارها على ايصال الصوت الفلسطيني وصورة الأحداث إلى العالم، فضلاً عن انحيازها المطلق عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية العادلة.
يقول السقا لـ “الشرق”: “تصر قناة الجزيرة على نقل رسالة الشعب الفلسطيني بصوت هادر ومسموع، وإماطة اللثام عن وجه الاحتلال البائس، والموغل في دماء الفلسطينيين، ما يجعلها مستهدفة من قبل آلة الاحتلال الإجرامية” مبيناً أن الجزيرة تعد مثالاً يحتذى في الجرأة والمهنية.
واستناداً إلى أستاذ العلوم السياسية والإعلام الدكتور محمود الفطافطة، فإن الحركة الصهيونية منذ تأسيسها تنظر بقلق إلى الإعلام المضاد، ودوره في كشف الأكاذيب وفضح الممارسات الدموية، وإعاقة الخطط وتقليل التحشيد والمناصرة، وظلت هذه العقيدة الصهيونية في ذهن العقلية الاحتلالية، التي تبذل كل ما بوسعها لمواجهة الإعلام المعاكس.
واعتبر الفطافطة أن دولة الاحتلال تمارس كذلك القتل الصامت أو غير المرئي، فتسعى لإبعاد الإعلام المهني وخصوصاً في الحروب والنزاعات، ويحضرنا هنا ما يحدث في قطاع غزة من إبادة شاملة، وما جرى مع صحفيي الجزيرة الدحدوح والشرافي وأبو القمصان والشريف وأبو دقة، وحتى خارج فلسطين، كما جرى مع الزميلة جوخدار، ما هو إلا نتاج لمحاولات تحييد الإعلام، كي لا يؤثر في سياستها داخل المجتمع الإسرائيلي من جهة، وتأليب الرأي العام العالمي ضدها من جهة أخرى.
ويوالي لـ الشرق: لا ترى دولة الاحتلال في إعلاميي الجزيرة بفلسطين بأنهم مجرد صحفيين، بل وفلسطينيين كذلك، ويجب التخلص منهم، وهذا يتجلى في غزة من خلال حصد أرواح الصغار والكبار، مشدداً على أن قناة الجزيرة، تمثل العنوان الأفضل من حيث تغطية جرائم الاحتلال، باعتبارها الأكثر انتشاراً وموضوعية واحترافية، وتغطي قصور بعض القنوات الصامتة، ولذا يسعى الاحتلال للتعتيم على جرائمه، وتعطيل هذه القناة، من خلال استهداف صحفييها وعائلاتهم.
وترى الإعلامية الفلسطينية هلا خروب، أن قناة الجزيرة ظلت على الدوام مستهدفة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بحسبانها الفضائية الأعرق والأكثر انتشاراً وتأثيراً في الوطن العربي، فضلاً عما تحظى به من متابعة حتى في المجتمع الغربي، وهذا الأمر لا يروق للاحتلال، الذي يخشى تأثيرها في الأفراد والمجتمعات المناصرة لقضايا العدل والحق، وخصوصاً لجهة كشف زيف روايته، وكل ما يروج له لتحسين صورته، والدفاع عن هيبته.
وأضافت لـ “الشرق”: “الاحتلال يخشى الجزيرة، والأسباب كثيرة ومعروفة، غير أن أبرزها: أنها كسرت احتكاره للكلمة والصورة والرواية، كما أنها جاءت من العالم الثالث، وتربعت على عرش الإعلام العالمي”.
مساحة إعلانية