هدنة غزة.. حسابات معقدة ومكاسب متباينة و3 أسباب أجبرت الاحتلال على قبولها
عربي ودولي
20
يحيى السنوار ونتنياهو
الدوحة – موقع الشرق
مع بدء سريان الهدنة الإنسانية في غزة اليوم الجمعة الساعة السابعة صباحاً بتوقيت القطاع، والتي تم التوصل إليها بوساطة دولة قطر بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة الأمريكية، يتطلع الفلسطينيون والعالم إلى التزام الطرفين ببنودها خلال الـ4 أيام المتفق عليها مع أمل بتمديدها إلى فترات أخرى وصولاً إلى تهدئة طويلة الأجل تنهي القصف الغاشم المتواصل الذي تعرض له أهل غزة طيلة 47 يوماً منذ السابع من أكتوبر الماضي.
الهدنة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي أسفر حتى الآن عن استشهاد أكثر من 15 ألف فلسطيني، بينهم 6150 طفلاً، وأكثر من 4 آلاف امرأة، بالإضافة إلى أكثر من 36 ألف جريح، استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية وسط تباين حول حسابات الساعات الأخيرة للطرفين الرئيسيين، حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، ومكاسب كلاً منهما.
وفي تقرير حول مكاسب الأطراف وحساباتها بشأن الهدنة، قال موقع الجزيرة نت، إنه يمكن استقراء الوضع الحالي للصراع عن طريق تحليل بنود اتفاق التهدئة، ومقارنتها بمواقف ومصالح الطرفين الرئيسيين وحلفائهما.
دوافع القرار
بالنسبة لحركة حماس، فقد أوقعت بالاحتلال ضربة عسكرية وسياسية غير مسبوقة بهجومها في السابع من أكتوبر الماضي، وأسرت عدداً كافياً للإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ولذلك فمن مصلحتها توقف الهجوم الإسرائيلي على القطاع في أسرع وقت، وقد كان هذا موقفها من البداية.
ورغم ذلك، فإن وقف إطلاق النار بشكل دائم في ظل وجود عسكري إسرائيلي داخل القطاع ربما لا يكون من مصلحتها.
ومما زاد من حاجة الحركة إلى الهدنة تفاقم معاناة سكان القطاع بفعل العدوان والحصار المشدّد، وتدمير مرافق الحياة المدنية، في ظل عجز عربي وإسلامي عن إحداث ضغط كاف عن ردع الاحتلال عن عدوانه أو حتى كسر الحصار بأي شكل كان.
وفي المقابل، فإن الأولوية الإستراتيجية للاحتلال هي إدامة وتركيز الضغط على سكان القطاع وعلى حركة حماس، وتحقيق مكسب إستراتيجي يعوض الاختلال البالغ في الصورة والمكانة الناتج عن عملية طوفان الأقصى. إلا أن قبول الهدنة، أو التهدئة كما سمتها كتائب القسام، عائد إلى دوافع عدة، منها:
– تزايد الضغط الدولي المطالب بهدنة إنسانية، الذي بلغ ذروته بدعوة مجلس الأمن منتصف نوفمبر الجاري إلى هدن وممرات إنسانية، وتبلور موقف أمريكي دافع بهذا الاتجاه، متأثر بتزايد الضغوط الشعبية عموماً، وبين قواعد الحزب الديمقراطي خصوصاً، وهو ما يحدث قلقاً لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن أثر الحرب على فرص إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية نوفمبر العام المقبل.
– تزايد الضغط الداخلي المطالب بتحرير الأسرى لدى المقاومة، والذي توّجته مسيرة كبرى لأهاليهم من تل أبيب إلى القدس. وهذا مسار حرصت المقاومة على تفعيله من خلال مقاطع الفيديو التي نشرتها بخصوص الأسرى، وتصريحاتها بشأن مقتل العشرات منهم بفعل القصف الإسرائيلي على القطاع.
– اتضاح العجز عن تحقيق حسم ميداني في شمال القطاع، رغم مرور أكثر من شهر ونصف الشهر من بدء الحرب، وذلك في ظل مقاومة نسبة كبيرة من سكّانه ضغوط الاحتلال الساعية إلى تهجيرهم، وبفعل وتيرة أعمال المقاومة التي تزداد كلما ازداد توغل جيش الاحتلال داخل المناطق المأهولة.
آثار الهدنة
أما آثار الهدنة على الطرفين، فيمكن تقييمها على النحو التالي:
* على صعيد الوضع الإنساني، تلبي الهدنة حاجة ماسّة لسكان القطاع، من خلال توفير الغذاء والماء والعلاج، بعد أن وصلت الحال إلى “مجاعة واسعة النطاق”، وفقاً لوصف برنامج الأغذية العالمي، إضافة إلى توفير الفرصة لاستخراج جثامين آلاف الشهداء من تحت الأنقاض.
وهذه القضايا أساسية لتعزيز صمود سكان القطاع في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
أما في ملف التهجير، الذي يشكّل إستراتيجية للاحتلال في التعامل مع القطاع في الوقت الحالي، فيتوقع أن يسهم إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع في تمكين الراغبين في البقاء فيه من الصمود لفترة أطول.
وفي الوقت ذاته، فإن الهدنة بما نصت عليه من السماح لسكان شمال القطاع بالنزوح إلى جنوبه قد تدفع إلى نزوح جزء ممن بقوا في شمال القطاع، الذين يقدّر عددهم بنحو 800 ألف مواطن، وفقا لجهاز الإحصاء الفلسطيني.
أمّا النازحون من الإسرائيليين الذين يقدّر عددهم بنصف مليون، فلا يتوقع لهم العودة في ظل الهدنة، بسبب غياب اليقين بشأن ما سيجري بعدها، وبما ستؤول إليه الحرب.
الاشتباك الميداني
وفي ملف الاشتباك الميداني، تصب الهدنة بشكل أكبر في مصلحة المقاومة، إذ تقلّل من زخم الهجوم الإسرائيلي، وتدفع قوات الاحتلال إلى اتخاذ وضع دفاعي، بفعل تعذّر الفعل الهجومي عليها.
كما تمكّن الهدنة المقاومة من ترميم بعض قدراتها وتعزيز استعداداتها لاستئناف القتال، وهو الأمر الذي تحتاجه أكثر من جيش الاحتلال الذي لديه عمق جغرافي وإمداد لوجستي من خارج أرض المعركة الرئيسية.
ويشكّل أثر الهدنة على ديمومة الحرب هاجسا لحكومة الاحتلال التي تخشى من تراجع الدعم الدولي لعدوانها حينما تستأنفه عقب انتهاء الهدنة، إذ سيكون تبريره أصعب، كما أن دافعية الجيش عموماً وقوات الاحتياط خصوصاً لاستئناف القتال ستنخفض خلال فترة الهدنة، وذلك بفعل استمرار الحشد والاستنفار من دون القيام بعمل قتالي.
تبادل الأسرى
وفي ملف تبادل الأسرى، من المرجح أن كتائب القسام لم تسع إلى أسر غير العسكريين لدى قيامها بعملية طوفان الأقصى، إلا أن من دخلوا من المدنيين الفلسطينيين أو عناصر فصائل أخرى هم من جلبوا هؤلاء معهم، وهو ما ظهر في موقف حركة حماس المبكّر بهذا الشأن، وخصوصاً في ما يتعلق بالأسرى من ذوي الجنسيات غير الإسرائيلية.
إلا أنّه مع توسع وتصاعد العدوان الإسرائيلي بدأ موقف الحركة بالتشدّد بشأنهم، وربط الإفراج عن أي منهم بإقرار هدنة والإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين، وربط فئة من يعتبرهم الاحتلال مدنيين، بفئة النساء والأطفال في سجونه، وهو ما أدى إلى معادلة تؤدّي حال اكتمالها إلى تحرير هاتين الفئتين مقابل الأسرى من غير جنود الاحتلال.
ويعدّ هذا مكسباً إضافياً للمقاومة إلى جانب إقرار الهدنة، وفي المقابل فسيشكّل مكسباً لحكومة الاحتلال التي ستتخفّف من ضغوط بعض الدول التي تسعى إلى تحرير مواطنيها، كالولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا وهولندا والبرتغال والأرجنتين. كما سيعطيها الأمر صورة نصر جزئي ستسعى إلى تضخيمه إعلامياً.
وعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي، فإن الإفراج عن جزء من الأسرى سيلبي مطالب شعبية بهذا الخصوص، إلا أنه أيضاً سيعزّز مساعي بقية الأسرى للإفراج عن ذويهم قبل استئناف العدوان على القطاع، ومن شأن ذلك إثارة احتجاج أهالي الأسرى العسكريين بشأن التمييز بين العسكريين والمدنيين في صفقات التبادل، مما يقلل من تماسك الجبهة الإسرائيلية الداخلية في إسناد الحرب.
مساحة إعلانية