عربي ودولي
110
يمسح دمعة الإنسانية ويمضي
❖ رام الله – محمـد الرنتيسي
فيما دخلت حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة شهرها الرابع، ظل الفلسطينيون يناضلون ويضحون بالغالي والنفيس من أجل وطن حر وحياة آمنة وفضلى، بعيداً عن أرجاس المحتل الصهيوني، التي لم تتوقف منذ ما يزيد على 75 عاماً، انتهج على مدارها ارتكاب المذابح والمجازر الدموية، وسعى بكل ما أوتي من سادية وإجرام لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية، تارة بمحاولات التهجير، وأخرى بسفك مزيد من الدماء.
في زحمة العدوان الدموي الجائر على قطاع غزة، يبرز اسم الزميل الصحفي وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة في غزة، الذي شكل بمفرده خارطة طريق إنسانية، فلم ينحنِ لهدير الطائرات وأزيز الدبابات وأصوات المدافع، التي حصدت أرواح ما يزيد على 22 ألفاً من الشهداء، بينهم خمسة من أفراد عائلته، وآخرهم نجله الشهيد الصحفي حمزة الدحدوح.
ورغم حزنه الكبير، لم يستكِن وائل الدحدوح أو يتراجع عن نقل الحقيقة، في مؤشر واضح على جسارة الفلسطيني عموماً، وقوة وصلابة «أبا حمزة» الذي كدأبه في كل مرة، يقاوم حزنه العميق، ويعود سريعاً لإطلالته، لينقل الحقيقة كما هي.. يمسح دمعة الإنسانية، ويمشي تاركاً حزنه، لإيمانه بأنه يحمل قضية شعب ووطن سليب، يواصل رافعاً راية كفاحه علو السماء، شامخاً شموخ الجبال الرواسي.
كل هذا التاريخ الحافل بالعطاء والصمود الأسطوري لوائل الدحدوح، ترسخ من خلال وداعه لنجله البكر «حمزة» بعد أقل من شهرين على استشهاد زوجته وابنه (محمود) وابنته (شام) وحفيده (آدم)، وهي إشارة بالغة الدلالات والمعاني، بأن الصحفيين الفلسطينيين هم جزء أصيل من النسيج الوطني الفلسطيني.
يترك وائل الدحدوح بصبره وجلده آثاراً طيبة من الصعب نسيانها من الذاكرة الفلسطينية، فيما تعاطف الشعب الفلسطيني المهيب وغير المسبوق معه، يرسم شهادة براعة وامتيازاً، للرجل الذي طالـما بذل من جهده وعرقه وتفكيره الشيء الكثير، من أجل نقل صوت ورسالة شعبه إلى العالم، حتى في أشد الظروف سوداوية.
لقد غالبت دموع الـمشيعين لحمزة الدحدوح، عيون أصحابها، فقفزت العبرات من مآقيها، متمردة على صمت مهيب لوائل، ذلك الرجل الـمكبوت، حزناً وحسرة وجزعاً، على فراق فلذة كبده، الذي رافقه التغطية لقناة الجزيرة منذ بداية الحرب العدوانية على غزة.
يقول وليد العمري مدير مكتب قناة الجزيرة في فلسطين: «يكفي الزميل وائل الدحدوح فخراً وشرفاً أن يقف جنباً إلى جنب مع الصفوة المختارة من أبناء فلسطين، بحيث اختار الله من أبنائه وعائلته الشهداء»، مبيناً لم أنه لم يفاجأ وهو يسترق السمع لكلمات وائل بعد لحظات من تشييع ابنه حمزة، والتي كانت تقطر صبراً وعظمة وشموخاً.
ويضيف العمري: «الـمصاب جلل، لكن وائل الدحدوح سيظل رجل المهمات والمواقف، بما يمتلكه من طاقة هائلة، وكفاءة متعددة الأوجه، غير عابئ بوجود احتلال شرس، يرفض كشف جرائمه وعدوانه».
وزادت زميلته جيفارا البديري: «لقد أذهل وائل قاتلي عائلته، بصلابته، أرادوا أن يجعلوه يلوذ بالصمت ويغادر المشهد، وأن يتوقف عن نقل الرواية التي يجب أن تصل إلى العالم، تارة باستهداف عائلته، وأخرى باستهدافه شخصياً، فجراحه لم تلتئم بعد، لكن عمله ليس شخصياً كما يظنون، بقدر ما هو مرتبط بالحقيقة، والتفاني من أجل ظهورها جلية».
ومن يعرف وائل الدحدوح، يلحظ قدرته على ضبط انفعالاته، وربما هي طريقته في التعبير عن التحدي والصمود، الذي سيخلد في قلوب وعقول الفلسطينيين، وستتناقله أجيال تلو أجيال، وسيخلد معه أيضاً الاستعداد التام للتضحية ودفع الثمن، من أجل قضية وطنية تستحق القرابين.
مساحة إعلانية