وائل الدحدوح.. صانع الأخبار.. أصبح خبرا
ثقافة وفنون
146
طه عبدالرحمن
منذ 20 عاماً مضت، ومع كل عدوان «إسرائيلي» غاشم على الأراضي الفلسطينية، يتطلع المشاهدون إلى مراسل قناة الجزيرة في غزة، وائل الدحدوح، الذي يبهرهم بأدائه المهني الرفيع، والذي يتغلب فيه على مشاعره الإنسانية، لينقل إلى المشاهدين ما يدور على الأرض، وما ترتعد به السماء من حمم القصف، جراء غطرسة العدو.
وبالأمس القريب، وبعدما كان مشاهدو الجزيرة يتطلعون إلى ما ينقله الدحدوح من أرض المعركة، إذا به يصبح خبراً تتناقله وكالات الأنباء، وأجهزة الإعلام، بعدما فقد أفراداً من عائلته، جراء عدوان همجي، لم يفرق فيه بين أطفال أو نساء أو كهول، حتى أصبح كل كيانه، ومن دعمه، تطاردهم جميعاً دماء الأبرياء، وصرخات الثكالى، وأنين الجرحى، ولم يكن الحجر عن كل ذلك ببعيد.
وبعد دفنه لعدد من أفراد عائلته، ورغم مرارة الفقد، وعظم المأساة، وكعادته في التضحية والإقدام، آثر وائل الدحدوح أن يغالب أحزانه، ويتغلب على مشاعره، ليستأنف الظهور على شاشة قناة الجزيرة أمس، انطلاقاً من واجبه المهني.
واستهل الدحدوح ظهوره على الشاشة، وتغطيته لجرائم الحرب. متغلباً على هذه الفجيعة. قائلاً: من الواجب أن نكون هنا في هذه اللحظات والساعات التاريخية والاستثنائية. وما من مفر، إلا الاستمرار في حمل الرسالة، والقيام بالتغطية بكل مهنية وشفافية، رغم كل شيء.
البحث عن الحقيقة والإعلامي الفلسطيني الأشهر، اعتقل 7 سنوات في سجون الاحتلال عام 1988، بسبب مشاركته في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتم تدمير بيته أكثر من مرة، وذلك قبل عمله مع قناة الجزيرة. بعد خروجه من السجن استكمل دراسته بالجامعة الإسلامية في غزة وحصل على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام عام 1998، وعند محاولته السفر خارج فلسطين لاستكمال دراسته، منعه الاحتلال من السفر، ومع ذلك تمكن من نيل درجة الماجستير من جامعة أبوديس في الضفة الغربية، وترافق مع ذلك عمله مراسلاً لوسائل إعلام فلسطينية.
التحق وائل الدحدوح بمكتب الجزيرة في غزة، عام 2004، ومن وقتها وهو يغطي كافة ما يجرى على الأرض في القطاع، بكل كفاءة ومهنية. وعلى الرغم مما واجهه من تحديات، إلا أنها لم تكسره، وآثر البقاء في غزة، لينقل ما يدور على أرضها، ليشاهد ما يجري كل الباحثين عن الحقيقة.
وكعادته في الإقدام على نقل هذه الحقيقة، كان أولاده على نفس الدرب، إذ تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لاثنين من أبنائه، وهما يتحدثان باللغة الإنجليزية عما يدور في القطاع من ممارسات همجية يرتكبها الاحتلال في حق الأبرياء.
عزيمة وإرادة
زملاء الدحدوح في قناة الجزيرة، شاطروه الأحزان في مصابه الجلل، مستحضرين – عبر مواقع التواصل الاجتماعي- كفاءته المهنية، وإقدامه على نقل الحقيقة، بكل جرأة ومصداقية. ونقل الإعلامي محمد كريشان، مقطع فيديو للدحدوح مع أبنائه وعائلته قبل استشهادهم، وهم يغنون: بكتب اسمك يا بلادي.. لا مالي ولا ولادي عن حبك ما في حبيب.
أما الإعلامية خديجة بن قنة، فنقلت عن مراسل الجزيرة في القدس، إلياس كرام، قوله: ربما لا يعرف المشاهدون أننا أنا ووائل نغطي الأحداث من 20 سنة، هو من داخل غزة وأنا من تخوم غزة ولكن لم يحدث أن التقينا ولا مرة واحدة.». وأضافت خديجة بن قنة: جملة واحدة من إلياس كرام على الهواء تكفي لتصوير السجن الذي تحتجز فيه «إسرائيل» 2.3 مليون فلسطيني.
وبعدما وجه أحر التعازي للدحدوح. وصف فيصل القاسم، مراسل الجزيرة في غزة، وائل الدحدوح، بأنه «صوت الحق والحقيقة.. سلام الله على شعب يبذل أعظم التضحيات ولا يستسلم».
أما الإعلامي زين العابدين توفيق، فخاطب الدحدوح. قائلاً: «ستظل كالجبل يا وائل يركن الجميع اليك ويستمدون منك القوة والثبات». فيما قال الإعلامي ماجد عبدالهادي: صبراً يا وائل، صبراً أيها الفلسطيني الطيب، صبراً أيها الفلسطيني المظلوم، صبراً أيها الفلسطيني الذي يتواطأ أراذل العالم، من شرق المتوسط حتى ضفتيّ الأطلسي، على سلب حقه في وطنه وحياته وحياة أطفاله، فيتمكنون من كل ما يريدون، سوى كرامته. صبراً يا وائل، صبراً أيها الفلسطينيون جميعاً.
واستحضرت الإعلامية نجوان سمري موقفاً مع الدحدوح. قائلة: في نهاية كل تغطية مشتركة بين القدس وغزة، وعادة تكون تغطية لمآسي الحروب، يتصل وائل فور الإعلان عن وقف إطلاق النار ويقول بهدوئه الاستثنائي: «حمد لله بسلامتك»، فأقول له مازحة: «أعطينا دقيقة نسبقك يا رجل.. حمد لله بسلامتك أنت يا جبار»، فيضحك خجلًا وتواضعًا.
أما الإعلامي تامر المسحال. فوجه حديثه إلى الدحدوح. قائلا: لن يسكتوا صوتك ولن يضعفوا إرادتك. مصابك جلل يقهر جبال لكن بإرادة الله لن يقهروك.. أنت الأخ والحبيب والصديق ورفيق الدرب.. أنت باختصار صورة الوطن الذي لن ينكسر.
منذ 20 عاماً مضت، ومع كل عدوان «إسرائيلي» غاشم على الأراضي الفلسطينية، يتطلع المشاهدون إلى مراسل قناة الجزيرة في غزة، وائل الدحدوح، الذي يبهرهم بأدائه المهني الرفيع، والذي يتغلب فيه على مشاعره الإنسانية، لينقل إلى المشاهدين ما يدور على الأرض، وما ترتعد به السماء من حمم القصف، جراء غطرسة العدو.
مساحة إعلانية