محليات
0
يوم البيئة القطري
الدوحة – قنا
أكد عدد من الأدباء والفنانين أن البيئة القطرية كانت وما زالت مصدرا للإلهام في مختلف الأعمال الإبداعية من آداب وفنون.
وقال الأدباء والفنانون، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ بمناسبة يوم البيئة القطري الذي يوافق السادس والعشرين من فبراير كل عام: إن البيئة أباحت بأسرارها فكانت منبعا فياضا لكل باحث ومبدع، فكانوا أكثر وفاء لها باعتبارها أمانة تنقل من جيل إلى جيل، ولقد عبر المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، طيب الله ثراه، عن ذلك بقوله:
مرت بي العيرات عد ومنزل.. ورسم لنا ما غيرته الهبايب
ديار لنا نعتادها كل موسم.. مرباعنا لا زخرفتها العشايب
وهي الأبيات التي استلهم منها شعار اليوم الوطني عام 2021 “مرابع الأجداد أمانة”.
وقال الدكتور أحمد عبدالملك، أكاديمي وروائي قطري، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: “تحظى البيئة باهتمام كبير من جانب المبدعين كون المكان يشكل أحد أركان السرد في القصة والرواية، تماما كما هو في الدراما والمسرح والفنون التشكيلية”، موضحا أنها تجسدت في القصة والرواية، مثلا في الصحراء، وظروف العيش فيها، وتجاوب الإنسان مع متطلبات تلك البيئة، والتوافق معها، في كل الظروف، تماما كما هو البحر، الذي كان ملهما للعديد من القصص والروايات، بل والأغاني التي كان يشدو بها البحارة، وتمثل معاناتهم وأفراحهم عند الحصول على الدانة (اللؤلؤة) الكبيرة، أو عند العودة من البحر وملاقاة الأهل، مشيرا إلى أنه استلهم البيئة في كثير من أعماله، ومن أبرزها: رواية (دخان.. مذكرات دبلوماسي سابق).
وأضاف أن البيئة تضيف جماليات على النص الأدبي، مثل: الحدائق، الشواطئ، الطيور، الحيوانات، وغيرها من مكونات البيئة التي لا تنفك ملتصقة بالعمل الأدبي، تماما كما كان الحال مع الشعر في الماضي، حيث الصحراء والخيل والسراب والماء وغيرها.
من جهته، قال جمال فايز كاتب قصة وروائي في تصريح مماثل لـ /قنا/: إن البيئة حاضرة في الأدب القطري، سواء في الكتابات الأدبية أو الإبداعات الفنية، حيث يتجلى حضورها في عنصري المكان والزمان ضمن الركائز الأساسية للكتابة الإبداعية، مما يتوجب إيضاح البيئة التي تدور فيها أحداث النص الأدبي وتفاصيلها.
وأضاف أن حضور البيئة يتجلى كذلك في إذا كان الهدف المبتغى من كتابة النص إبراز أهمية البيئة ومكتسباتها وتحقيق الاستدامة، وهذا نجده حاضرا في الأعمال الأدبية والفنية، إذا كانت موجهة لمناسبة أو إلى الناشئة، فنجد القصائد أو القصص القصيرة، أو في الفنون الأدبية مثل المسرحيات، أو في الفنون الفنية مثل الرسم، ويكون الموضوع متعلقا بالبيئة، مثمنا في هذا الشأن جهود المؤسسات التعليمية والمؤسسات الخاصة بالبيئة القطرية، مؤكدا على أهمية الحفاظ عليها، ومن ذلك، على سبيل المثال، جهود مركز أصدقاء البيئة الذي يقيم سنويا برنامج بعنوان: /لكل ربيع زهرة/، حيث يخصص في كل عام الاهتمام بزهرة توجد في البيئة القطرية، فيخصص لطلبة وطالبات المدارس الزيارات الميدانية، ويصاحب البرنامج إقامة مسابقات عديدة في القصة القصيرة، وفي الشعر وفي الرسم وغيره.
من جهته، قال الباحث والكاتب علي عبدالله الفياض: إن “الشعر القطري ارتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة القطرية، فالشاعر يعيش في البر وكذلك في البحر خلال موسم الغوص قديما، فالشعراء يطالعون الصحراء ويعايشونها وينظرون إلى ما تجود به الأرض من نباتات وزهور، وما تتزين به السماء من نجوم وكواكب، فينعكس ذلك على أشعارهم، وهو ما نجده في كثير من شعراء قطر القدامى، فقد عايشوا هذه الطبيعة ونقلوها في قصائدهم، فكان كثير من الشعر القطري مستمدا من البيئة المحلية بكل معانيها ومظاهرها”.
كما ظلت البيئة القطرية ينبوع إلهام فكري وفني دائم للإبداع التشكيلي والفنون البصرية في قطر على صعيد الموضوعات والمفاهيم، وعلى مستوى الأدوات والخامات وصناعة المواد.
وفي هذا المجال قدم كثير من المبدعين القطريين، ومنهم الفنان التشكيلي يوسف أحمد، تجربة رائدة باستخدام ورق وألوان مستخرجة من نخيل وتراب قطر، بتوظيف مبدع لخامات من البيئة.
ومنهم أيضا الفنان التشكيلي عيسى الملا، الذي يوظف مفاهيم الاستدامة وإعادة التدوير، ويعيد تكوين وتركيب الخامات بشكل مبدع في أعماله الفنية التي يستلهم فيها تراث قطر.
وفي هذا المجال، أوضح الفنان التشكيلي محمد العتيق، وهو حائز على عدة جوائز محلية ودولية في مجال الفنون البصرية، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن الفنان هو ابن بيئته، يستوحي عناصرها ومكوناتها ويشكلها بصريا ويوظفها لإثراء فنه وإغناء تجربته، وتكمن أصالة الفنان في التعامل مع هذه العناصر الجميلة واستلهامها، وإعادة تشكيلها في اللوحة، وتحويلها إلى أشكال ثلاثية الأبعاد، ورسومات، وتصاميم هندسية، ومجسمات.
وأشار إلى أن البيئة والطبيعة القطرية إلى جانب العمارة بأشكالها التقليدية والحديثة والعناصر الثقافية والمظاهر الحضارية الأخرى، تعطي المكان هوية وخصوصية، وتجعل له رونقا خاصا وفريدا.
وأكد العتيق أن البيئة القطرية الزاخرة بالعناصر والجماليات ألهمته كثيرا من أعماله الإبداعية، ذات الطبيعة والملمح المعاصر، وأبرزها العمل الفني الكبير “مجسم بذور شجرة القرط” بحديقة بريد قطر، والذي اختارته متاحف قطر وهيئة الأشغال العامة /أشغال/ ووزارة البلدية، في إطار تزيين المدينة بالأعمال الفنية.
ويتكون المجسم الضخم من ثلاث كتل من مادة البرونز، ويحتل مساحة بحدود 225 مترا مربعا، ويقدم رسالة ثقافية ذات أبعاد إنسانية وعالمية من فنان عاشق لبيئته ومجتمعه.
وقال الفنان محمد العتيق: ومن أعمالي الأخرى المستلهمة من البيئة والطبيعة القطرية (العسو) وهو مستلهم من النخلة، ويعكس علاقة مجتمعنا بالنخلة من حيث المنفعة وأبعادها الجمالية، وقد شاركت به في /بينالي دكا/ ببنغلاديش، كما قدمت تجربة بعنوان “سهيل” بسوق واقف، وهو عمل فني في الفراغ مستوحى من الطبيعة، بالإضافة إلى “صفري”، وهو نموذج للتشكيل بخامات البيئة.
بدوره، أكد المصور محمد الحاصل اليافعي، الحائز على عدة جوائز محلية ودولية في مجال التصوير، في تصريح مماثل لـ /قنا/، على قوة العلاقة بين الإنسان والبيئة، وأثرها الكبير في تكوينه النفسي، وتأثيرها الخاص لدى الفنانين والأدباء والشعراء، حيث تمثل البيئة منبع إلهام بالنسبة لهم، وتمثل عناصرها مصدر إثراء لتجاربهم الإبداعية، ومحفزا لإنتاج أعمال ترتقي بالذوق العام وتبث الجمال والروعة في المجتمع.
ولفت إلى أن الفنون البصرية في كل أنحاء العالم من تصوير وتشكيل ونحت، أثرت الحياة الإنسانية باستلهامها للطبيعة والبيئة وتوظيف رموزها فنيا وجماليا.
وأوضح المصور اليافعي أن أثر الطبيعة في تجربته الفنية يمتد لسنوات تجاوزت الخمسة وعشرين عاما، حيث كانت البيئة القطرية بالنسبة له نبع عشق دائم ومصدر إلهام ومحفزا للإبداع، خاصة أيام الربيع وبعد الأمطار الموسمية، مشيرا إلى أنه طاف بكاميرته الروض والأماكن التي توجد فيها الزهور البرية، وقضى معها أجمل الأوقات بكل حواسه من نظر ولمس وشم، ووثق بعدسته زهور قطر ذات الألوان الرائعة، وتوج هذه التجربة الفنية بتأليف كتاب يوثق أجمل الزهور البرية في قطر، سيصدر قريبا جدا، وسيعرض للجمهور في معرض الكتاب في دوحة الفن والثقافة والجمال.
من جهته، قال الدكتور حسن رشيد الناقد المسرحي: إن المبدع ابن بيئته منذ طفولته، وهو يشاهد الوطن في كل شيء، كما المبدع في مجال المسرح، ممثلا لذلك بالفنان القطري القدير (نوخذة المسرح القطري)، عبدالرحمن المناعي، وأن جل ما قدمه ينتمي إلى البحر، وذلك عندما فجر عام 1975 رائعته /أم الزين/، فكان عينا لاقطة فيما يجري من انتقال زماني ومكاني لقطر، من عصر إلى عصر لذلك فمعظم المبدعين في قطر يذهبون إلى البحر وإلى طرح القضايا الاجتماعية، التي تبقى حاضرة في الذاكرة الحقيقية.
ولفت الدكتور حسن رشيد إلى أن الشيء نفسه حصل مع الفنان غانم السليطي في كل ما قدمه من أعمال فنية، حيث كان ينبش في الذاكرة الحقيقية المرتبطة بالبيئة وبالحياة الموجودة.
كما أن هناك محاولات من الجميع، خاصة عندما قدم الفنان القدير ناصر عبدالرضا أكثر من عمل، فذهب إلى البيئة الخليجية سواء في (البوشية)، أو (مجاريح)، وهي من إبداعات الفنان الكبير إسماعيل عبدالله، فطرح من خلال هذه الأعمال ما يلامس واقعنا الخليجي من مضامين ومواضيع وأشياء، تلامس الإنسان الخليجي، مؤكدا أن المبدع لا يمكن أن يهرب من واقعه ويستحضر أشياء بعيدة، داعيا في الوقت نفسه إلى أن يظل المبدع مرتبطا ببيئته، مضيفا: “البيئة بالنسبة لنا عالمنا المحبب، وعالمنا الأصلي المرتبط بنا”.
إلى ذلك، كانت البيئة القطرية ملهمة للمشتغلين في المجال السينمائي، فقد تم إنشاء وحدة للفيلم الوثائقي تابعة لتلفزيون قطر سنة 1981، أشرف على إدارتها المخرج الراحل إسماعيل خالد، وقد ساهمت في تحقيق مجموعة من الأفلام الوثائقية والروائية الطويلة والقصيرة، التي استمدت من البيئة القطرية، حيث اتخذت تلك الأفلام عدة أشكال تراوحت بين أساليب المعيشة التي ارتبطت بالبحر في ذلك الزمان، والتقاليد التي ميزت المجتمع القطري.
ومن الأفلام التي كانت البيئة حاضرة فيها، فيلم /الشراع/ (1967) من إنتاج تلفزيون قطر، وإخراج محمد نبيه، وبطولة علي حسن وأمينة محمد، والذي تدور قصته حول العلاقة بين الإنسان والبحر الجامح، وتتابع قصة أسرة قطرية ارتبط مصيرها بالبحر، فضلا عن إبراز الصراع بين ثلاثة أجيال “الجد، والابن، والحفيد”، وحصد الفيلم جائزة مهرجان شاليمار الدولي، بالإضافة إلى فيلم /الغوص/ (1980)، الذي حققه المخرج إبراهيم الصباغ، وهو من أهم أفلام تلك الحقبة، سجل فيه تفاصيل رحلة الغوص، والتجهيزات، والغواصين في بحثهم عن المحار في أعماق البحر، ثم استخراج اللؤلؤ ووزنه، بالإضافة إلى فيلم /الدانة/ (1981) من إخراج إبراهيم الصباغ، وبطولة وداد عبداللطيف وسعد البورشيد، ونال الفيلم جائزة أفضل فيلم في مهرجان قرطاج للفيلم التلفزيوني عام 1982.
كما أن الجيل الصاعد من المواهب القطرية، تناول البيئة القطرية في أفلامه، ومن ذلك فيلم /شجرة النخيل/ الفائز بمسابقة /صنع في قطر/، والتي ترعاها مؤسسة الدوحة للأفلام، عام 2015، وهو فيلم يقدم رسالة مهمة للمجتمع للاهتمام بهذه الشجرة المباركة التي ذكرت في القرآن الكريم، والتي ارتبطت لقرون طويلة بواقع الإنسان الخليجي والعربي، واستطاع الفيلم أن يسلط الضوء على العلاقة بين الطبيعة والإنسان والتكنولوجيا الحديثة في قالب ساحر، والجودة العالية في الطرح والتصوير السينمائي.
مساحة إعلانية