«الشرق» تستطلع آراء المثقفين حول قراءاتهم الشتوية
ثقافة وفنون
38
❖ طه عبدالرحمن
فيما يذهب عدد من الكُتّاب إلى أن قراءاتهم لاتتوقف عند فصل بعينه، فإن آخرين يرون أنه مع حلول فصل الشتاء تكون أجواء الإبداع لديهم مهيأة أكثر لمزيد من القراءة والإنتاج المعرفي.
ومن هنا، تتوقف «الشرق» بين آراء عينة من هؤلاء الكُتّاب الذين لا يختلف لسان حالهم عن أهمية القراءة، وأنها زاد للمثقفين، وأنها الوقود الذي يدعم مشاريعهم الفكرية والأدبية.
ولم يغفل الاستطلاع التوقف عند قراءات المبدعين الحالية، والتي يمكنها أن تشكل إضافة في مسيرة إثراء المشهد الثقافي، لخلق حالة من الوعي بين أفراد المجتمع، ليتشكل المجتمع القارئ، الطامح إلى المعرفة، الساعي إلى تحقيق نهضة ثقافية.
جمال فايز: الكاتب في ديمومة متواصلة مع الإبداع
يؤكد الروائي والقاص جمال فايز أنه ليس لديه قراءات مفضلة ترتبط بفصل بذاته، «فالقراءة للكاتب مثل وقود السيارة، لذلك يجب عليه أن يكون في ديمومة واستمرارية للقراءة، غير أن هناك ثمة عناصر تؤدي دوراً مهماً في القراءة من عدمها، وكذلك عدد الساعات والوقت الذي يقرأها الكاتب».
ويحدد أبرز هذه العناصر في المكان، «فعندما يكون الكاتب في مكان مثالي من حيث الهدوء والإضاءة والأجواء، فإن هذا يحفزه على عملية القراءة، أو استكمال مشروعه الأدبي بتوفر الفكرة المحفزة لإنتاجه، ليراها أمامه، وتلح عليه، لتشكل جنيناً أدبياً، ليصبح بعدها عملاً متكاملاً».
ومن بين هذه العناصر التي يراها الكاتب جمال فايز، الوقت، الذي يجعل الكاتب متفرغاً للقراءة أو الكتابة، «وحالياً أقرأ مجموعة مؤلفات كافكا، غير أنني اضطررت للتوقف، بعدما تلقيت دعوة من د.محمد عابد للمشاركة في مؤتمر اللغة العربية وآدابها، الذي سيعقد في كلية فاروق بالهند، خلال الفترة من 9 إلى 11 يناير، حيث أقوم بتقديم محاضرتين عن تجربتي في القصة القصيرة، وفن كتابة القصة القصيرة، والمشاركة في توصيات ومقترحات المؤتمر، علاوة على حضوري يوم 15 يناير المناقشة العلمية للباحث شرف الدين، لنيل رسالة الدكتوراة عن موضوع «القيم الإنسانية في قصص جمال فايز».
ويصف الكاتب بأن عينه دائماً لاقطة مثل عدسة الكاميرا، «فعندما يتطلع إلى موقف ما، فإن هذا يجعله يتوقف عنده، ويحاول قراءته، والتعايش معه». متوقفاً عند المجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، والتي سيكون لها ما بعدها من الناحية الأدبية لدى الكتاب، «فالقضية الفلسطينية دائماً تشغلني، فلا تخلو مجموعة قصصية من مجموعاتي الخمسة، إلا وكان أحد فصولها مستوحاه من وحي القضية الفلسطينة، أو ما يتصل بها».
د. زكية مال الله: الشتاء يضاعف الحماسة للإبداع
تقول الكاتبة الدكتورة زكية مال الله العيسى: ليس هناك أروع من رفقة مشروب من القهوة الساخنة، وكتاب ممتع في أمسيات الشتاء الباردة، فالقراءة هى دفء العمل والروح كما هى الأغطية والملابس الثقيلة لدفء الجسد، وكلاهما ضروري لتجديد الطاقة الحيوية والفكرية.
وتتابع: لذلك يستأنس المثقفون بالشتاء ويجدون في أيامه متسع للقراءة، حيث يعم السكون وتهدأ النفوس وتتهيأ المخيلة للإبداع والقلم للاستفاضة، وكذلك فإن الشتاء يأتي محمولاً برموزه كالمطر والسماء المحتشدة بالغيوم وقشعريرة البرد ووهج المدافئ وهجرة الطيور وازدهار النباتات وتفتح الزهور وخضرة البراري والتآلف بين الأصدقاء والأقرباء في الخيم والعنن والمنازل، وهذا ما يؤجج الاستلهام لدى الكتاب والشعراء ويضاعف الحماسة للكتابة والاستمتاع بالفصل.
وتضيف: في هذا الموسم قراءاتي متنوعة بين أربعة كتب، هى «الأعمال الشعرية الكاملة» للشاعرة سيلفيا بلاث، ترجمة د. عابد إسماعيل، و»مبادئ بسيطة للاستمتاع بالحياة وبلوغ السعادة»، للمؤلفين أليكس إيه. لوك ود.هيلين ايكمان، و»لماذا ينتحرون» للدكتورة موزة المالكي، و»هذه أنا.. سيرة ذاتية» للدكتورة شعاع اليوسف.
وتلفت إلى أنها دائماً تتوقف عند إصداراتها الشعرية الأخيرة، لتعيد قراءتها لتنسيق بعض القصائد،»وكذلك كتابي لآلىء الطبخ والغذاء الصحي، لتطبيق بعض الأكلات التي تصلح للشتاء، كما أنني مستغرقة حالياً في الإعداد لطباعة عدة كتب لي، منها مجموعة شعرية جديدة وكتاب يضم نخبة من مقالاتي الصحفية السابقة، وكتاب قصائدي عن غزة».
وتشدد على أن القراءة هى رؤية متجددة للحياة والطبيعة، ومن منظور الكاتب هى العدسات البيضاء والملونة لكل ما هو جميل ومبهر في هذا الكون، ولكل فصل مباهجه ومناظره التي تستحق أن نقوم بتغيير العدسات وتأمل الأكثر رونقاً وبهجة واستلقاط الرؤى التي تحفز القلم وتثري المخيلة، وتضيف إلى الحياة لوحة جديدة من صنع الكاتب، «وأحرص أن يكون لي في الشتاء خيمة أختلي فيها مع القلم والكراسة والمخيلة، وأستلهم الجمال الرباني ورموز الشتاء التي تمنحني المزيد من الإحساس بالدفء الشعوري والابداع المتميز، مع المعطف الشتوي واللحاف الثقيل، وكوب القهوة الساخنة».
د. حسن رشيد: القراءة زاد دائم للمثقف
يرفض الكاتب والناقد د. حسن رشيد تخصيص فصل بعينه لقراءات المبدعين. ويصف القراءة بأنها تمثل زاداً للمثقف لاغنى عنه. مستحضراً طفولته في المرحلة الإبتدائية، عندما كان يحثه مدرسه على القراءة، هو وأقرانه، ما جعله يرتبط بالكتاب ارتباطًا وثيقًا، حتى أصبح لديه أشبه بصديق العمر، وهى حالة تنسحب على جميع فصول العام. ومع ذلك، فإن د. حسن رشيد يمنح الشتاء استثناء عن غيره من فصول السنة، في أن لياليه طويلة، ما يجعل الكاتب أكثر إقبالًا على القرءة، ويقضي خلالها وقتًا أطول، علاوة على كونها تتميز بقراءات الكتب الفكرية، على خلاف الصيف الذي قد تكون نوعية قراءته تكمن في كتب الحكايات والروايات.
ويقول: إنه مع كل ذلك، فإن الكتابة بالنسبة له تمثل حياة، فهى حاضرة لديه في جميع الأوقات، «فلدىَّ مكتبة عامرة بالكتب التي تشمل صنوف المعرفة المختلفة». مستذكراً دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، إذ كان الكتاب حينها يلازمه دائماً.
ويلفت إلى أن القراءة تستحوذ على جميع أوقاته نهارًا وليلاً، وأن القلم الجميل هو الذي يجعله مستمراً مع صاحبه، فضلاً عن مضمون العمل نفسه، والذي يُقاس الكتاب من خلاله. ويقول: إنه يعكف حالياً على قراءة عدد من الكتب لمؤلفين قطريين للكتابة عنها، ومنها كتاب «جاسم القائد مؤسس قطر» للكاتب الشيخ محمد بن أحمد بن جاسم آل ثاني، غير أن قراءاته قد تقطعها مشاركاته في العديد من المهرجانات الثقافية والفنية المختلفة في العالم العربي، ليقوم باستئناف القراءة بعد عودته للوطن.
محمد الجفيري: متعة مضاعفة للمثقفين في القراءة والكتابة
يوضح الكاتب محمد الجفيري أن » فصل الشتاء من الفصول الجميلة على النفس في خليجنا الدافئ حيث الأجواء الباردة تزودنا بالطاقة الإيجابية التي تساعدنا على القيام بنشاط مضاعف يفوق أي نشاط نمارسة في سائر فصول السنة، ولهذا فإن المثقفين يجدون متعة مضاعفة خلال شهر الشتاء في زيادة الإقبال على القراءة والكتابة لربما تكون النفسية الإيجابية خلال هذا الفصل تحفز المثقف على ذلك وهذا شيء واضح للعيان».
ويقول: عن نفسي أحب أن أعيد قراءة ما كتبت وخاصة كتابي (صور من الذاكرة،، حكاية جيل) الذي حقق أصداء طيبة لدى الجميع حتى إن كثيرا من الأشخاص طالبني باستكمال الكتاب لاصدار الجزء الثاني وبالفعل أفكر جدياً في ذلك وهناك من الذكريات الكثير التي تستحق أن توثق وتؤرخ عن حياتنا الاجتماعية في بلادنا الحبيبة قطر».
ويتابع: إننا نعيش الآن أجواء الشتاء الباردة ومع الأوضاع البطولية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة فإنني أتعايش مع الأحداث من خلال محطات التلفزة وأنكب على قراءة كتب الصراع العربي «الإسرائيلي» وتاريخ فلسطين التي نسأل الله أن يمن عليها بالتحرير».
روضة العامري: الشتاء يوفر للمبدعين فرصة للاستلهام
تشير الكاتبة روضة العامري إلى أن القراءات الشتوية للمبدعين يمكن أن تكون فترة مثالية للمبدعين للاسترخاء والتأمل، وقضاء وقت هادئ في القراءة والكتابة، وغالبًا ما يكون الشتاء مصحوبًا بأجواء هادئة وباردة، يمكن أن تكون القراءة وسيلة رائعة للاستمتاع بالوقت المنفرد والتأمل في الأفكار والمفاهيم الجديدة.
وتقول: فصل الشتاء يمكن أن يوفر للمبدعين فرصة للاستلهام من أعمال الكتاب الآخرين، لتشمل المصادر المختلفة من روايات وشعر ومقالات ومجلات، وغيرها، ويمكن أن تثري هذه القراءات خيال المبدعين وتوسع آفاقهم الفكرية، وتحسين مهارات الكتابة والتعبير، «فمن خلال قراءة أساليب كتابية متنوعة، يمكن للمبدعين أن يتعلموا من تجارب الكتاب الآخرين ويطوروا أسلوبهم الخاص في الكتابة، فالقراءة مصدر إلهام لابتكار أفكار جديدة وتحسين التقنيات الكتابية».
وتتابع: إن المبدعين يمكنهم الاستفادة من القراءة خلال فصل الشتاء عبر التواصل والمشاركة مع المجتمع الأدبي المحلي، وحضور الندوات أو مجموعات القراءة أو مناقشة الكتب المفضلة مع الآخرين، مما يفتح الباب للتواصل الثقافي وتبادل الأفكار والآراء، ما يجعل القراءة خلال فصل الشتاء للمبدعين فرصة رائعة للاسترخاء والتأمل والتعلم.
وتقول: على الرغم من أن قوائم الكتب الأكثر مبيعًا في الأماكن العامة تتغير باستمرار وتختلف من بلد لآخر، ومن وقت لآخر، إلا أن هناك بعض الكتب التي عادة ما تحظى بشعبية كبيرة. مثل: «الرجل الذي لم يكن ليكون» لباولو كويلو، «قوة التفكير الإيجابي» لنورمان فينسنت بيل، «فيلتون ريكرز، تحفيز الذات» لدال كارنيجي، «سر السعادة» لماثيو كيلي، «الخيانة في القرن الحادي والعشرين» لمحمد حسن علوان.
مساحة إعلانية