عربي ودولي
2
أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار.. مأساة إنسانية لا تتوقف
الدوحة – قنا
أطلت معاناة اللاجئين الروهينغا برأسها مجددا، بعد خمس سنوات من فرارهم من ميانمار نحو مخيمات اللجوء في بنغلادش بسبب الاضطهاد، ومع استئناف حملات الهروب بالقوارب البحرية، ومغادرة هذه المخيمات، باتجاه ماليزيا وإندونيسيا بحثا عن وجهة أفضل وأكثر استقرارا، تفاقمت أزمة غرق الكثير من القوارب في البحر وفقدان اللاجئين، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى التحرك بشكل عاجل.
وتقول السلطات الإندونيسية إنها تقدم الرعاية الطبية الطارئة لنحو 200 من اللاجئين الروهينغا منذ أمس الثلاثاء، بعد وصول قاربهم الخشبي الذي ظل مفقودا في المحيط الهندي، إلى شواطئها في مقاطعة أتشيه في أقصى غرب إندونيسيا، وهو رابع قارب من نوعه يرسو في البلاد، خلال بضعة أشهر، وكان يضم 83 رجلا و70 امرأة و32 طفلا.
ويخاطر الآلاف من المسلمين الروهينغا بأرواحهم في رحلات بحرية طويلة ومكلفة على متن قوارب بسيطة ومتهالكة، في الأشهر الأخيرة من عام 2022، على أمل الوصول إلى ماليزيا أو إندونيسيا، بعد سنوات من اللجوء القسري والهروب من اضطهاد قوات الجيش في ميانمار، بحسب وصف مفوضية الأمم المتحدة.
وأشارت السلطات الإندونيسية إلى أنه جرى إيواء أحدث مجموعة من اللاجئين مؤقتا في منشأة محلية، حيث يخضع المرضى منهم لرعاية صحية، جراء انعدام الغذاء والماء، بعد أن أنهكتهم الرحلة البحرية، ما دفع بالطاقم الطبي الى إعطائهم المصل الضروري للهزال وسوء التغذية.
ويأتي وصول هذا القارب إلى سواحل اندونيسيا بعد إعلان المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ أسابيع عن فقدان نحو 180 لاجئا من الروهينغا بعد جنوح قاربهم منذ أسابيع في المحيط الهندي وفقدان الاتصال بهم، حيث اعتبروا في عداد الموتى.
وسبق أن وصل أيضا قارب خشبي قبل أيام يحمل 57 لاجئا من الروهينغا، جميعهم من الرجال إلى الساحل الغربي لإندونيسيا، بعد أن أمضى شهرا في البحر، بحسب الشرطة المحلية، كما شهد شهر نوفمبر الماضي، رسو قاربين يحملان ما مجموعه 229 من الروهينغا في نفس المنطقة، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، إذ تعد ماليزيا وإندونيسيا وجهة مفضلة للروهينغا الذين يحاولون أيضا الوصول إلى المناطق ذات الغالبية المسلمة الأكثر ترحيبا بهم.
وبحسب أرقام محلية فإن 100 لاجئ يغادرون كل ليلة تقريبا من جزيرة “بهاسان شار” النائية في بنغلادش، بحثا عن حياة أفضل، رغم تأكيدات الحكومة البنغالية على إنشاء البنية التحتية وتوفير مصدر للعيش في الجزيرة.
ودعت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة دول المنطقة إلى التعاون بشكل عاجل لتجنب تكرار أزمة 2015، عندما فر عشرات الآلاف من اللاجئين الروهينغا بالقوارب، مما أدى إلى موت الكثير منهم قبالة سواحل ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند وبنغلادش، حيث يرفض النظام الذي يقوده الجيش في ميانمار منح الجنسية لمعظم الروهينغا، بذريعة أنهم مهاجرون غير شرعيين من جنوب آسيا، واستثناهم من الإحصاء السكاني الذي أجري عام 2014، رافضا اعتبارهم أقلية قومية.
وتفاقمت المعاناة بعد حملات طرد حوالي 750 ألفا وإحراق منازلهم في إقليم أراكان، الذي تقطنه أغلبية مسلمة عام 2017، مما خلف مأساة إنسانية هي الأفظع منذ عقود، وصفتها الأمم المتحدة بالمميتة، واعتبرتها الولايات المتحدة رسميا مجازر ترقى إلى الإبادة الجماعية.
وينفي جيش ميانمار ارتكاب إبادة جماعية ضد الروهينغا، الذين حرموا كذلك من حمل جنسية ميانمار، ويقول إنه نفذ عملية ضد الإرهابيين في عام 2017، لكن بيانات منظمات حقوق الإنسان الدولية وثقت ارتكاب جيش ميانمار وميليشيات متطرفة مجازر عام 2017 بحق الروهينغا في ولاية أراكان غربي ميانمار، شملت إحراق مئات القرى وقتل الآلاف وممارسة العنف الجنسي والاغتصاب بحق آلاف النساء، مما أدى إلى هروب جماعي نحو بنغلادش المجاورة، حيث وصف محققون من الأمم المتحدة العملية العسكرية في ميانمار بأنها عمليات قتل وحرق متعمد، وكانت “بنية الإبادة الجماعية”، على حد ما ورد في تقاريرهم.
وزاد الأمر تعقيدا، محاولات الإعادة القسرية للاجئين إلى ميانمار من قبل السلطات في بنغلادش، التي تقول إن إمكاناتها لا تسمح باستقبال آلاف اللاجئين الروهينغا، ما أثار حالة ذعر بين سكان المخيمات، دفعت البعض منهم للتهديد بالانتحار إذا تم إجبارهم على العودة، كما تظاهر اللاجئون في بنغلادش عدة مرات، مطالبين بإعادة الحقوق والتوقيع على ضمانات بعدم التعرض لهم مرة أخرى من الجيش في ميانمار، وأن تكون العودة بحضور وفد أممي يتولى تدقيق عملية العودة، لكن المحاولات توقفت سريعا دون جدوى، لانعدام الضمانات.
ويعترف المجتمع الدولي بوجود أكثر من 1.2 مليون لاجئ من أقلية الروهينغا في مخيمات اللجوء على الحدود بين ميانمار وبنغلادش، لكن تحركاته لإيجاد الحلول ومحاسبة المتسببين في واحدة من مآسي العصر، أثارت علامات الاستفهام، وتعرضت لانتقادات حقوقية دولية عديدة.
وتشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وفاة أو فقد ما يقرب من 900 من الروهينغا في بحر أندامان وخليج البنغال في عام 2013 وأكثر من 700 في عام 2014، مؤكدة أن أرقام الذين يحاولون الفرار عاودت الارتفاع لمستويات لم يبلغها منذ ما قبل جائحة فيروس كورونا /كوفيد-19/ ، بعد رفع القيود المرتبطة بالجائحة في جنوب شرق آسيا، إذ تقول جماعات حقوق الإنسان إن عدد الروهينغا الذين غادروا بنغلادش على متن قوارب هذا العام زاد بأكثر من خمسة أمثاله، مقارنة مع العام السابق.
وبحسب تقرير “منظمة رعاية الطفولة” الذي نشر في أغسطس 2020، ولد ما يقرب من 76 ألف طفل في مخيمات اللاجئين خلال السنوات الثلاث الأولى منذ أغسطس 2017، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد الأطفال حديثي الولادة 100 ألف طفل، بناء على معدل النمو الحالي.
وتقول المنظمات التابعة للأمم المتحدة إن عام 2022 يعد أحد أسوأ الأعوام بالنسبة للجماعة العرقية في الوقت الذي يحاول فيه اللاجئون الفرار من ظروف الحياة الصعبة في مخيمات بنغلادش، حيث يعيش أكثر من مليون شخص من الروهينغا في مخيمات مكتظة في بنغلادش ذات الأغلبية المسلمة بعد فرارهم من ميانمار ذات الأغلبية البوذية.
وعقدت بنغلادش وميانمار، في 27 يناير من العام 2022، أول اجتماع من نوعه لفريق العمل الفني المخصص للتحقق من نازحي إقليم /أراكان/، لكنه لم يتطرق لمسألة المواليد الجدد، على الرغم من أنها تعتبر خطوة مهمة إلى الأمام في عملية تجميع قائمة شاملة لمسلمي الروهينغا في بنغلادش، والتي ستساعد في العودة الدائمة للأشخاص عديمي الجنسية إلى بلادهم وضمان حقوقهم وكرامتهم.
وكان الجيش في ميانمار (بورما سابقا) يحكم البلاد منذ عام 1962، ويواجه قادته اتهامات بشن حرب إبادة جماعية بحق الأقلية المسلمة من الروهينغا، وكانت البلاد تتعرض لعقوبات أممية وأمريكية، وتعيش في ما يشبه العزلة الدولية.
ومنذ أواخر السبعينيات، تفيد التقارير بأنه فر ما يقرب من مليون مسلم من الروهينغا من ميانمار، بسبب الاضطهاد واسع النطاق، ووفقا للبيانات المتاحة من الأمم المتحدة فقد هرب أكثر من 168 ألف شخص من الروهينغا من ميانمار منذ عام 2012، وفر أكثر من 87 ألفا منهم إلى بنغلادش في الفترة بين أكتوبر 2016 إلى يوليو 2017، بالإضافة إلى 420 ألفا آخرين في جنوب شرق آسيا، ناهيك عن نحو 120 ألف روهينغي من المشردين داخل ميانمار.
وتقول منظمة /هيومن رايتس ووتش/، إن على واشنطن العمل من خلال هيئات الأمم المتحدة للضغط، في سبيل مساءلة المجلس العسكري، مع توسيع العقوبات، لتستهدف احتياطيات العملات الأجنبية التي يجمعها في ميانمار من عائدات النفط والغاز.
وفي عام 2019، وبعد أشهر من المداولات واستعراض الصور والوثائق، قالت المحكمة الجنائية الدولية في بيان، إن قضاتها وافقوا على طلب الادعاء فتح تحقيق في جرائم ارتكبت ضد أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار.
وأفاد قرار المحكمة أن “هناك أسسا منطقية” للاعتقاد بأن أعمال عنف واسعة النطاق أو ممنهجة ربما تكون ارتكبت، وقد تصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية بالتهجير بين حدود ميانمار وبنغلادش.
وتلقت “آلية التحقيق المستقلة من أجل ميانمار” التابعة للأمم المتحدة، والتي أنشئت للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها الجيش منذ 2011، نحو 220 ألف دليل على ارتكاب جرائم منذ الانقلاب، كما أشارت المحكمة الجنائية الدولية لاستقبالها أدلة على تورط قائد جيش ميانمار “مين أونغ هلاينغ” بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
لكن الجيش في ميانمار لم يظهر أي استجابة نحو قرارات المحكمة الجنائية الدولية، كما يبدو، بل عاد وانقلب على نتائج انتخابات عام 2021، وألغى الحكومة المدنية في فبراير 2021، واعتقال كبار قادة الدولة، بينهم رئيسة الوزراء “أون سان سوتشي” التي فاز حزبها بأغلبية ساحقة في الانتخابات.
بجانب ذلك، عاد الجيش لسياسات العصا الغليظة بوجه معارضيه، ولم تسلم منهم حتى بلدة ثانتلانغ، شمال غرب ميانمار، التي يسكنها قرويون مسيحيون.
ويتهم الجيش من يصفهم بالمقاتلين المتمردين باستهداف قوات المجلس العسكري، وقتل عدة جنود، ورد الجيش على إثرها بقصف البلدة وإحراق أكثر من 12 منزلا في 18 سبتمبر 2021. ثم عاد الجنود في الشهر التالي ونهبوا المنازل المهجورة، واستولوا على حصاد حقول الأرز وما بقي فيها من نقود ومشروبات وأغذية بحسب منظمات حقوقية.
وقالت جماعة “كاريني” المدافعة عن حقوق الإنسان، إنها عثرت لاحقا على جثث محترقة لنازحين، قتلهم الجيش الذي يحكم البلاد، قرب بلدة هبروسو في قرية موسو.
كما قضت محكمة في ميانمار التي يحكمها الجيش، أمس الاثنين، بسجن زعيمة البلاد السابقة أون سان سو تشي لمدة ثلاث سنوات أخرى، بعد إدانتها في قضيتي فساد، من بين خمس تهم، في إطار المحاكمة المستمرة منذ 18 شهرا.
ويقول معارضو الجيش إن التهم الموجهة إليها تهدف إلى منعها من العودة للحياة السياسية، أو محاولة تحدي قبضة الجيش على السلطة منذ انقلاب العام الماضي.
مساحة إعلانية