محليات
204
عمرو عبدالرحمن
لازالت قضية عزوف القطريين عن مهنة التدريس، محل اهتمام الدولة بكافة مؤسساتها، بعد أن أصبح من الواضح أن هناك انخفاضًا في عدد القطريين الذين يدخلون مهنة التدريس في قطر. تُعزى هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، وقد بدأت الحكومة ومجلس الشورى والمؤسسات التعليمية في اتخاذ إجراءات لمواجهتها وجعل مهنة التدريس أكثر جاذبية، إلا أن مختصين قد أكدوا أن جهود الدولة وحدها لا تكفي للتعامل مع الظاهرة ومواجهتها، فالمجتمع والمنظمات المدنية لها دور فاعل في تشجيع الشباب على الالتحاق بالمهنة.
وأكد أكاديميون ومختصون لـ الشرق، أن الإشكالية متشعبة ومتشابكة، تتطلب جهوداً استثنائية، وحلولاً خارج الصندوق بمشاركة كافة أطياف المجتمع بلا استثناء. وأوضحوا أن الإشكالية بدأت مع تراجع قيمة وهيبة المعلم في المدارس وداخل الفصول، وبالتالي تراجع معها شغف الشباب واليافعين بتلك المهنة السامية، فضلاً عن غياب المعلم القدوة والمثل الأعلى، كعامل محفز للطلبة للاقتداء به مستقبلاً، مؤكدين أن للإعلام دوراً في هذه المسألة. مطالبين بزيادة الحوافز المادية للمعلم، وتخفيف الأعباء.
ناصر الجابر: خطة جديدة لجذب القطريين للمهنة
أكد السيد ناصر الجابر مدير منظمة «علّم لأجل قطر»، أن عزوف القطريين عن مهنة التدريس- وبالأخص الذكور- من أكبر التحديات بالنسبة للمنظمة، وذلك لأن استقطاب القطريين من الجنسين لتغيير المسار المهني والتحول إلى المجال التعليمي أمر صعب للغاية، لذلك نسعى إلى التركيز على استقطاب حديثي التخرج، وهو ما نجحنا فيه مؤخراً، إذ وصلت نسبة القطريين المنتسبين إلى المنظمة حوالي 30% من إجمالي العدد، وهي نسبة معقولة في ظل التحديات الراهنة وثقافة المجتمع.
وأضاف أن العام الجاري سوف يشهد تفعيل خطة جديدة لاستقطاب المزيد من القطريين، من خلال حملات توعية بأهمية مهنة التدريس ورسالتها السامية، ومحاولة تغيير نظرة المجتمع تجاه المعلم، والنظر لهذه المهنة بشكل يتناسب مع مكانتها، ولكن بالتأكيد جهود تغيير ثقافة المجتمع تحتاج إلى سنوات من العمل والجهد، وهذا ما نحاول إنجازه من خلال خطتنا التسويقية والتوعوية.
وأضاف أن المنظمة على تواصل بشكل مستمر مع الجامعات، وحضور جميع المعارض المهنية لتقديم ورش تعريفية للمشاركين والطلاب، بالإضافة إلى الحملات التي تنطلق على مواقع التواصل الاجتماعي، وجميعها حملات توعية تهدف إلى تغيير نظرة المجتمع تجاه المعلم، واستقطاب كل من لديه شغف حقيقي بمهنة التدريس لصقل مواهبه وتحقيق حلمه بأن يكون معلماً يخدم أبناء وطنه ويساهم في تنشئة أجيال تحترم العلم والمعلم. لافتاً إلى أن المنظمة لديها قسم مسؤول عن التواصل المجتمعي، وتقديم برامج وورش تدريبية للموظفين في الوزارة والجهات المختلفة، وكذلك في المدارس، حتى وصلوا إلى تدريب أكثر من 1000 شخص خارج مظلة المنظمة.
د. أحمد الساعي: الحوافز المالية والأعباء أبرز التحديات
أكد أستاذ كلية التربية بجامعة قطر الدكتور أحمد الساعي، أن عزوف القطريين عن مهنة التدريس هو موضوع يستحق التحليل والدراسة، حيث يمكن أن يكون له تأثير كبير على نظام التعليم في الدولة. ومن المهم فهم الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى هذا العزوف للعمل على تحسين هذه الوضعية وتعزيز توجيه الشباب نحو مهنة التدريس.
وأوضح أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا العزوف هي الجاذبية المالية المنخفضة للوظائف التعليمية. بينما يشتمل التعليم على دور حيوي في تطوير المجتمع والوطن، إلا أن الرواتب المقدمة للمعلمين لا تتناسب مع طموحاتهم، إذا ما قارناها بالجهود المبذولة، والأعباء الوظيفية. هذا يعني أن الشباب القطريين الذين يتطلعون إلى بناء مستقبل مالي مستقر قد يفضلون وظائف أخرى تقدم رواتب أعلى، وبمهام أقل.
وأضاف: «تواجه مهنة التدريس ضغوطًا كبيرة من حيث العمل والمسؤوليات. يحتاج المعلمون إلى التحضير للدروس والتصحيح والتفاعل المستمر مع الطلاب، مما يمكن أن يكون مرهقاً جسدياً ونفسياً».
لمواجهة هذه الإشكالية، أكد د. الساعي ضرورة تكاتف جهود الدولة مع الجهود المجتمعية، فقد بدأت الدولة بتعديل الرواتب والمزايا المالية للمعلمين، ولكن مازال ننتظر المزيد من حيث الحوافز والمكافآت والامتيازات الأخرى، التي تُعلي من قيمة المعلم في المجتمع، وتشجع الشباب على التوجه للمهنة، مع ضرورة توفير دعم نفسي واجتماعي للمعلمين لمساعدتهم على التعامل مع التحديات.
د. بدرية العماري: جهود الدولة وحدها لا تكفي
قالت الدكتورة بدرية العماري أستاذ التربية بجامعة قطر، إن قضية عزوف القطريين عن مهنة التدريس متشعبة، ومعقدة، نظراً لارتباطها بالعديد من العوامل المتشابكة على المستوى الثقافي والإداري، وغيرها من العوامل الأخرى. وأضافت: «قديماً كان المعلم مسؤولياته محددة، وعلى قدر أهميتها كانت بسيطة ومباشرة، ولكن مع الوقت، أصبحت تلك المسؤوليات في تزايد مستمر، إلى أن أثقلت كاهل المعلمين في وقتنا الراهن، وهو بالتأكيد ما أثر سلباً على استقطاب الشباب للمهنة». وأوضحت أن هيبة المعلم داخل الصف تراجعت بشكل ملحوظ في العقد الأخير، ومستمرة في التراجع، وكذلك غياب نماذج مؤثرة للمعلمين القدوة، وبطبيعة الحال فإن أطراف العملية التعليمية من طلاب وأولياء أمور تأثروا بهذا التراجع، وبالتالي أثر ذلك على قراراتهم المستقبلية باختيار التدريس كمهنة وتخصص، فعندما لا يجد الطالب في المعلم القدوة والمثل الأعلى، لن يرغب في أن يحذو حذوه مستقبلاً، وهذا ما يجب تغييره وفق خطة شاملة وموحدة تتبناها الدولة بكافة مؤسساتها، وليس وزارة التربية والتعليم فقط. كما أكدت أنه من الضروري تنظيم حملات توعية وأنشطة تعليمية لزيادة الاهتمام بمهنة التدريس وتسليط الضوء على دور المعلم في تطوير المجتمع، فبهذه الإجراءات والجهود المشتركة بين الحكومة والقطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، يُتوقع أن يزداد الاهتمام بمهنة التدريس في قطر ويتم تشجيع المزيد من الشباب على اختيارها كخيار مهني مشرف، مما سيسهم في تحسين جودة التعليم في البلاد.
د. محمد رجب: عدم تقدير مهنة المعلم أحد الأسباب
أكد الدكتور محمد رجب أستاذ التربية بجامعة قطر، أنه أشرف بشكل شخصي على استطلاع، لقياس وتحديد أسباب عزوف الشباب القطري عن مهنة التدريس، سواء كانوا ذكوراً أم إناثا، ووجد خلال بحثه أن هنالك العديد من الأسباب الجوهرية، ولمواجهتها يجب تبني استراتيجيات شاملة وفعالة لجعل هذه المهنة أكثر جاذبية وتحفيزًا للشباب القطريين.
وقال: «من أبرز أسباب عزوف القطريين عن المهنة، الضغوط الاجتماعية والثقافية على الشباب لاختيار مهن معينة تعتبر أكثر تقديراً من التدريس. هذا يمكن أن يكون له تأثير سلبي على اختيار المهنة، كما يُعتبر التدريس في نظر العديد من الشباب، واحدة من المهن التي تعتبر أقل جذباً من الناحية المالية، مقارنة بالوظائف الأخرى التي تتطلب المهارات والخبرات المماثلة». وأضاف: «المعلمون في الوقت الراهن مطالبون بالعديد من المهام الوظيفية والإدارية، وإنجاز الورش والدورات التدريبية لاستيعاب الكفايات التعليمية الحديثة، وبالطبع هذه متطلبات لا بد منها ولا يمكن تجاوزها، ولكن بالطبع تحديات المهنة قد يتحملها البعض، ولكن الغالبية يفضلون المهن الأخرى التي توفر الامتيازات المادية ذاتها أو أعلى، بمهام وظيفية أقل». وعن الحلول المقترحة، أوضح أنه من الضروري زيادة الرواتب والمزايا المالية للمعلمين لجعل مهنة التدريس أكثر جاذبية من الناحية المالية، وتقديم بنية تحفيزية قائمة على الأداء والتميز في مجال التدريس، وتوفير فرص للمعلمين للترقية والتقدم المهني، وتحسين بيئة العمل في المدارس بما يتناسب مع احتياجات المعلمين والطلاب، والترويج لمهنة التدريس وتوعية الشباب بفوائدها وأهميتها في المجتمع. وذلك قبل أن تتحول المشكلة من عزوف إلى نفور تام من المهنة.
مساحة إعلانية