عربي ودولي
96
اقتحام بن غفير للأقصى .. استفزاز سافر وانتهاك للقانون الدولي
اقتحام بن غفير للأقصى
الدوحة – قنا
بعد أربعة أيام من نيلها ثقة الكنيست، حرصت حكومة الكيان الإسرائيلي الجديدة، على الإسراع في تنفيذ مخططاتها ضد المقدسات الإسلامية بمدينة القدس، حيث سمحت لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير باقتحام المسجد الأقصى ضاربة عرض الحائط بكل الاعتبارات والمحاذير والتنبيهات التي وصلتها لمنعها من الإقدام على هذه الخطوة التي تعد انتهاكاً سافراً للقانون الدولي والوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس المحتلة.
وقام بن غفير باقتحامه الأول للمسجد الأقصى المبارك، بصفته وزيرا في الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد ساعات من تداول الإعلام العبري أخبارا متضاربة عن تأجيله للعملية، وجرت هذه الخطوة التصعيدية باتفاق كامل مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وجهاز الأمن العام الاسرائيلي /الشاباك/، بعد تقييم أمني وسياسي، وفقا لما قالت وسائل إعلام عبرية، وبتأمين حماية كامل من جهاز الشرطة الإسرائيلية الذي بات تحت قيادة بن غفير.
وأثار اقتحام بن غفير لأولى القبلتين وثالث الحرمين ردود فعل واسعة عربيا وإسلاميا. وفي هذا الإطار، أدانت دولة قطر، بأشد العبارات، اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي باحات المسجد واعتبرته انتهاكا سافرا للقانون الدولي والوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس المحتلة، وأكدت أن محاولات المساس بالوضع الديني والتاريخي للمسجد الأقصى ليست اعتداء على الفلسطينيين فحسب، بل على ملايين المسلمين حول العالم.
وحملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحدها مسؤولية دائرة العنف التي ستنتج عن هذه السياسة التصعيدية الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني وأراضيه ومقدساته الإسلامية والمسيحية، وحثت المجتمع الدولي على التحرك العاجل لوقف هذه الاعتداءات.
واستدعى الأردن، الذي يتولى الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، السفير الإسرائيلي في عمان وسلمه مذكرة احتجاج، وقال إن الزيارة انتهكت القانون الدولي و”الوضع التاريخي والقانوني القائم” في القدس.
كما أدانت السعودية الكويت وسلطنة عمان والجزائر وتونس ولبنان والمغرب وتركيا وإيران عملية الاقتحام، واعتبرته استفزازا صارخا لمشاعر الفلسطينيين وجميع المسلمين في مختلف أنحاء العالم واستهتارا بقرارات الشرعية الدولية. وحذرت مصر من التبعات السلبية لخطوة بن غفير. وأكدت رفضها التام لأي إجراءات أحادية مخالفة للوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة “قلقة للغاية” بعد خطوة بن غفير التي اعتبر أنها “قد تؤدي إلى تفاقم التوترات وإثارة العنف”، واعتبر البيت الأبيض أن “أي خطوة أحادية الجانب تعرض للخطر الوضع القائم في القدس هي غير مقبولة”.
من جانبه، شدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة على “أهمية الحفاظ على الوضع القائم في المواقع المقدسة”، مشيرا إلى أن الأمين العام “يطلب من الجميع الامتناع عن اتخاذ إجراءات يحتمل أن تفاقم التوترات داخل المواقع المقدسة وحولها”.
وأعربت الخارجية البريطانية عن قلقها حيال قيام الوزير الإسرائيلي باقتحام الأقصى، مؤكدة على أهمية أن يتجنب الجميع كافة الأنشطة التي تؤجج التوترات، وتقوض فرص السلام. ونشرت السفارة الفرنسية لدى تل أبيب تغريدة على تويتر، أكدت خلالها “تمسك فرنسا المطلق” بالحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في مدينة القدس.
وقد كلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعثة بلاده بنيويورك بالتحرك الفوري في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإدانة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى من قبل أعضاء في حكومة الاحتلال ومجموعات يهودية متطرفة، وأشار عباس إلى أن هذا التحرك يتم بالتنسيق مع الأشقاء في الأردن والعمل مع المجموعات الشقيقة والصديقة في الأمم المتحدة، ووصفت الخارجية الفلسطينية الاقتحام بأنه استفزاز غير مسبوق وتهديد خطير لساحة الصراع، وينتظر أن يجتمع مجلس الأمن غدا لمناقشة الاقتحام الذي دانته الأسرة الدولية وانتقدته الأمم المتحدة.
وحذر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة من أن “استمرار هذه الاستفزازات بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية سيؤدي إلى المزيد من التوتر والعنف وتفجر الأوضاع”.
وتعقيبا على اقتحام الوزير الصهيوني للأقصى، قال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم إن “اقتحام بن غفير جريمة”، مؤكدا أن الأقصى “سيبقى فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، ومضيفا أن الشعب الفلسطيني سيواصل دفاعه عن مقدساته ومسجده الأقصى وقتاله من أجل تطهيره من دنس الاحتلال”، كما أصدرت الفصائل الفلسطينية في غزة بيانا اعتبرت فيه أن اقتحام بن غفير للأقصى تصعيد خطير واستفزاز للشعب الفلسطيني، وأنه ينذر أيضا بحرب دينية في المنطقة.
وفي محاولة على ما يبدو لتهدئة الغضب من اقتحام بن غفير للأقصى قال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن رئيس الوزراء ملتزم تماما بالوضع الراهن للموقع منذ عقود والذي يسمح فقط للمسلمين بالعبادة هناك، لكن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد قال في تغريدة “هذا ما يحدث عندما يضطر رئيس وزراء ضعيف لتسليم المسؤولية لأكثر شخص غير مسؤول في الشرق الأوسط وفي أكثر مكان متفجر في المنطقة”.
وقد ركز بن غفير خلال اقتحامه يوم أمس وفي السابق أيضا، على فكرتين رئيسيتين، وهما تحدي حركة حماس وعدم الخوف من تهديداتها في حال نفذ اقتحاماته، والأخرى أن المسجد الأقصى (الذي يسميه جبل الهيكل) هو أهم الأماكن بالنسبة إلى “شعب إسرائيل”.
وكان بن غفير تعهد بالعمل على تشريع صلاة اليهود في المسجد الأقصى، زاعما أن منعهم من ذلك يعتبر “انتهاكا لحرية العبادة”.
ويطالب بن غفير الذي اقتحم الأقصى مرات عدة، بإدخال تغييرات على إدارة الأقصى للسماح لليهود بالصلاة فيه، ويدافع عن ضم إسرائيل للضفة الغربية، حيث يعيش ما يقرب من 2,9 مليون فلسطيني و475 ألف مستوطن في مستوطنات غير شرعية وفق القانون الدولي. كما يدعو إلى طرد عرب إسرائيل الذين يقول إنهم لا يكنون الولاء للدولة العبرية وإلى ضم الضفة الغربية المحتلة.
وقد بنى بن غفير شعبيته على كراهية العرب والدعوة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، فبالنسبة إليه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وكان قد دعا إلى اجتياح الضفة الغربية والعودة إلى سياسة الاغتيالات عقب عملية التفجير المزدوجة في القدس مؤخرا، ويدعو إلى تشريع قانون يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بحق الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات ضد أهداف إسرائيلية، كما أكد خلال حملته الانتخابية أنه سيصر على إلغاء اتفاقية أوسلو وحل السلطة الوطنية الفلسطينية.
وأصبحت اقتحامات غلاة المستوطنين للمسجد الأقصى سياسة ثابتة في الأعوام الأخيرة، وكان عام 2022 الأسوأ من حيث انتهاكات الاحتلال بالمسجد الأقصى، وتجاوز عدد مقتحميه من المستوطنين ثمانية وأربعين ألفا خلال العام المنصرم، وخلال عام 2000، كان اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون باحة الأقصى من أبرز العوامل التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي استمرت حتى العام 2005. وفي مايو من العام الماضي، اندلعت حرب دامية استمرت 11 يوما بين فصائل فلسطينية وإسرائيل بعد مواجهات عنيفة بين فلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في باحات الأقصى وأماكن أخرى في القدس الشرقية.
مراقبون فلسطينيون في القدس المحتلة يرون أن الشعب الفلسطيني سيواجه تحديات كبيرة في ظل الواقع السياسي الجديد في كيان الاحتلال، وقالوا إن المنطقة تنتظرها الكثير من المنعطفات والتوترات والمناسبات التي ستشكل نقاطا للانفجار، ويؤكد المراقبون أن جريمة بن غفير بالأمس، ليست سوى خطوة أولى من الشروع العملي في تنفيذ الخطوط العريضة لحكومة نتنياهو الجديدة ورسالة مبكرة لما سيكون لاحقا، وأضافوا أن جريمة بن غفير، هي نقطة ارتكاز رئيسية للمشهد القادم ومقدمة عملية لقياس رد فعل الفلسطينيين على ما هو أكثر خطورة في المستقبل القريب.
ويضيف المراقبون أنه في حال مرت جريمة بن غفير مرور الكرام فإنها ستنذر بالأسوأ في قادم الأيام وسيزداد عدد اقتحاماته للمسجد الأقصى لتصاحب كل مناسبة دينية يهودية، ما يفتح الأبواب على مصاريعها أمام خطط الاحتلال للتهويد والضم ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة عموما والقدس بصورة خاصة، الأمر الذي سيقود في نهاية المطاف إلى أن يصبح الفلسطينيون أقلية وأغرابا بمدينتهم المقدسة.
مساحة إعلانية