تقارير وحوارات
0
الأمم المتحدة
الدوحة- قنا
تأسست الأمم المتحدة نتيجة الألم والدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، بقصد المحافظة على السلام العالمي، وحلت محل عصبة الأمم، التي تأسست عام 1919، بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك بموجب معاهدة فرساي، بهدف تعزيز التعاون الدولي وتحقيق الأمن والسلام، وبلغ عدد الدول المنتمية للعصبة 58 دولة على أكثر تقدير، وذلك خلال الفترة الممتدة من 28 سبتمبر 1934 إلى 23 فبراير 1935، وتجسدت أهداف العصبة الرئيسية في منع نشوب النزاعات المسلحة من خلال تعزيز التعاون الدولي وضمان الأمن المشترك بين الدول، والحد من انتشار الأسلحة والحد منها، وتسوية النزاعات الدولية من خلال وسائل سلمية مثل المفاوضات والتحكيم الدولي، كما هو مبين في ميثاقها.
افتقدت العصبة للقوة المسلحة الخاصة واللازمة لتحقيق أهدافها في إحلال السلام العالمي، وعوضا عن ذلك اعتمدت على قوى دولية كبرى لفرض قراراتها والعقوبات الاقتصادية على الدول المخالفة لقرار ما، غير أنها لم تلجأ لهذا أغلب الأحيان لأسباب مختلفة، منها أن غالبية أعضاء العصبة كانوا من الدول العظمى التي تتعارض مصالحها مع ما تقره الأخيرة من قرارات، فكانوا يرفضون التصديق عليها أو الخضوع لها والتجاوب معها، فأثبتت العصبة عجزها عن حل المشكلات الدولية وفرض هيبتها على جميع الدول دون استثناء، وكان نشوب الحرب العالمية الثانية بمثابة الدليل القاطع على فشل العصبة في مهمتها الرئيسية، ألا وهي منع قيام الحروب المدمرة، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى حلت العصبة، وخلفتها هيئة جديدة هي هيئة الأمم المتحدة، التي ورثت عددا من منظمات ووكالات العصبة.
واستغرق الأمر شهرين لصياغة مسودة ميثاق الأمم المتحدة ووقعت عليه وفود 50 دولة يوم 26 يونيو 1945 في مؤتمر سان فرانسيسكو وخاطب الرئيس الأمريكي حينها هاري ترومان، الوفود، مشددا بأن عليهم المحافظة على العالم “خاليا من خوف الحرب”.
وبعد أربعة أشهر من انتهاء مؤتمر سان فرانسيسكو، بدأت الأمم المتحدة عملها رسميا في أكتوبر 1945، وظلت تستقطب المزيد من الأعضاء حتى بلغ عددهم في وقتنا الحالي 193 بلدا، أي جميع دول العالم تقريبا، وكان النرويجي “تريغفي هالفدان لي” أول أمين عام للأمم المتحدة.
وتم إنشاء المنظمة الدولية، بهدف واضح وهو وضع حد للحروب والنزاعات الدولية، وجاء في ديباجة ميثاق المنظمة “نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت خلال جيل واحد على الإنسانية مرتين ، أحزانا يعجز عنها الوصف، أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدما، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح”.
وشهدت الحرب العالمية الثانية صراعا دمويا ومكلفا أودى بحياة ما يقدر بنحو 70- 85 مليون شخص وتسببت بخسائر اقتصادية تقدر بحوالي 4 تريليونات دولار، ودمرت جزءا كبيرا من أوروبا بشكل كارثي.
وبعد إنشائها، أصبحت المنظمة الدولية المكان الوحيد الذي تلتقي فيه جميع دول العالم حيث تناقش المشكلات المشتركة والعمل على إيجاد حلول تعود بالنفع على البشرية جمعاء. وتعتبر الأمم المتحدة منبرا للتعاون والتنسيق بين الدول، ورغم أنها ليست حكومة عالمية ولا تضع قوانين، إلا أنها تقدم الدعم والمساعدة في حل النزاعات الدولية وتتخذ قرارات تمنح “الشرعية” لبعض التدخلات الدولية.
وتتيح الأمم المتحدة لكل الدول الأعضاء بغض النظر عن حجمها أو ثروتها التعبير عن آرائها وإبداء أصواتها من خلال المداولات والمناقشات والمشاورات التي تجريها المنظمة. ويتمثل دور المنظمة الرئيسي في الحفاظ على السلام العالمي في إطار أربعة أهداف رئيسية هي: حفظ السلم والأمن الدوليين، وتنمية العلاقات الودية بين الأمم، وتحقيق التعاون على حل المشاكل الدولية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان. ومنذ عام 1945 نمت الأمم المتحدة بشكل مطرد، وهي تتألف اليوم من ستة أجهزة رئيسية بالإضافة إلى العديد من الوكالات والمنظمات المتخصصة، تعمل بجد لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق السلام والاستقرار على مستوى العالم.
وتتواجد خمسة من أجهزة الأمم المتحدة في مقرها الرئيسي بمدينة نيويورك الأمريكية، وهي الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية والأمانة العامة. بينما يقع المقر الرئيسي للجهاز السادس، وهو محكمة العدل الدولية، في مدينة لاهاي بهولندا.
ومن المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، المنظمة الدولية للطيران المدني (ايكاو)، ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومنظمة العمل الدولية، والمنظمة البحرية الدولية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة السياحة العالمية، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمحكمة الجنائية الدولية، والمنظمة الدولية للهجرة، والاتحاد الدولي للاتصالات.
وتعتبر الجمعية العامة الجهاز الرئيسي للتداول وصنع السياسات والتمثيل في الأمم المتحدة ومن خلال الاجتماعات المنتظمة، توفر الجمعية العامة منبرا للدول الأعضاء للتعبير عن آرائها وتحقيق التوافق في القضايا الصعبة.
وتتطلب القرارات المتعلقة بالمسائل المهمة، مثل تلك المتعلقة بالسلام والأمن وقبول أعضاء جدد وشؤون الميزانية، تصويت أغلبية الثلثين، ويتم اتخاذ القرارات الأخرى بأغلبية بسيطة.
وتشمل المبادرات الرئيسية للأمم المتحدة مجموعة من الجهود للحفاظ على السلام وتعزيز الأمان العالمي ومن بينها: منع الصراع من خلال استكشاف الخيارات لضمان السلام، وتوفير الغذاء والمساعدات الطبية في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى تقديم الدعم الإنساني لملايين الناس في جميع أنحاء العالم.
ووفقا لميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن للجمعية العامة أن تقدم توصيات بشأن المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك نزع السلاح، والتسوية السلمية في أي وضع قد يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم. غير أنه يجوز للجمعية العامة اتخاذ إجراءات إذا لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، ويمكن للجمعية أن تنظر في المسألة وتقدم توصيات للأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو استعادة السلم والأمن الدوليين في حالة وجود تهديد أو خرق للسلام أو أي عمل من أعمال العدوان.
أما مجلس الأمن فهو ثاني أهم أجهزة الأمم المتحدة، ويتولى مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين. ويتألف من 15 عضوا منهم خمسة دائمون يتمتعون بحق النقض “الفيتو” وعشرة غير دائمين، ولكل دولة عضو صوت واحد، وبموجب الميثاق، على جميع الدول الأعضاء الامتثال لقرارات المجلس. ويتخذ المجلس دورا فعالا في تحديد وجود أي تهديد للسلم أو عمل من أعمال العدوان، وعند الضرورة يدعو الدول المتنازعة لحل النزاع وتسويته بالطرق السلمية. وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن /تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة/ اللجوء إلى إجراءات لفرض تدابير الحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما، وتتنوع تلك الإجراءات من فرض عقوبات اقتصادية إلى اتخاذ إجراءات عسكرية دولية، ويتناوب على رئاسة المجلس جميع أعضائه، بشكل شهري.
ومن الأجهزة الهامة للأمم المتحدة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي يعد الجهار الرئيسي لتنسيق الأعمال الاقتصادية والاجتماعية، وما يتصل بها من أنشطة للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والمؤسسات ذات الصلة. ويتولى المجلس، مسؤولية واسعة النطاق عن حوالي سبعين بالمائة من الموارد البشرية والمالية لمنظومة الأمم المتحدة بأكملها، ومن بينها 14 وكالة متخصصة، و 9 لجان “فنية”، بالإضافة إلى خمس لجان إقليمية. وتنتخب الجمعية العامة 54 عضوا في المجلس لفترات متداخلة مدة كل منها ثلاث سنوات، والجمعية العامة هي المنصة المركزية للنظر في التنمية المستدامة ومناقشتها.
ويعتبر مجلس الوصاية من الأجهزة الرئيسية للمنظمة الدولية، وتم إنشاؤه عام 1945 بموجب الفصل الثالث من ميثاق الأمم المتحدة، بهدف توفير الإشراف الدولي على 11 إقليما مشمولا بالوصاية تقوم بإدارتها سبع دول أعضاء ولضمان اتخاذ الخطوات الملائمة لإعداد هذه الأقاليم للحكم الذاتي أو الاستقلال، وبحلول عام 1994، تمكنت جميع الأقاليم المعنية من تحقيق الحكم الذاتي أو الاستقلال.
وفي الأول من نوفمبر 1994 قرر المجلس تعليق عمله، واستنادا إلى قرار اتخذ في 25 مايو من نفس العام، في تعديل لنظامه الداخلي، قرر المجلس التخلي عن الالتزام بالاجتماع سنويا ووافق على الاجتماع حسب الحاجة – بموجب قراره أو طلب أغلبية أعضائه أو الجمعية العامة أو مجلس الأمن.
وهناك محكمة العدل الدولية، وتعد الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، ومقرها قصر السلام في لاهاي بهولندا، وهي الجهاز الوحيد من بين الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة الذي لا يتواجد في نيويورك. وتقوم المحكمة بدور هام في تسوية المنازعات القانونية التي تقدم إليها من الدول، وفقا للقانون الدولي، بالإضافة إلى ذلك، تقدم المحكمة آراء استشارية بشأن المسائل القانونية المحالة إليها من قبل هيئات الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة المصرح لها بذلك.
وتضم أجهزة الأمم المتحدة، الأمانة العامة، وتتألف من الأمين العام وعشرات الآلاف من موظفي الأمم المتحدة الدوليين الذين يقومون بالعمل اليومي لتحقق أهداف الأمم المتحدة، ويتم تعيين موظفي الأمم المتحدة دوليا ومحليا، ويعملون في مقرات العمل وبعثات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم.
والأمين العام هو المسؤول الإداري الأول في المنظمة، ويتم تعيينه بواسطة الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن لفترة خمس سنوات قابلة للتجديد. والأمين العام يمثل رمزا للمثل العليا للمنظمة، ويدافع عن حقوق جميع شعوب العالم، ولا سيما الفقراء والمستضعفين. والسيد أنطونيو غوتيريش، برتغالي الجنسية، هو الأمين العام التاسع للأمم المتحدة، وقد تولى منصبه في الأول من يناير لعام 2017، وفي 18 يونيو 2021، تمت إعادة تعيينه لولاية ثانية، وتعهد بأن يكرسها لمواصلة مساعدة العالم على رسم مسار للخروج من جائحة كوفيد – 19 بوصفها أولوية من أولوياته.
وينص ميثاق الأمم المتحدة على أن عضوية المنظمة “مفتوحة لجميع الدول المحبة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في الميثاق، والتي ترى المنظمة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات”. وفي كل عام، وخلال شهر سبتمبر، تجتمع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في قاعة الجمعية العامة بنيويورك لإجراء الدورة السنوية للجمعية العامة والمناقشة العامة التي يحضرها كثير من الزعماء ويلقون فيها كلماتهم. وتنتخب الجمعية العامة سنويا رئيسا لدورتها، ويشغل ذلك المنصب لفترة مدتها سنة واحدة.
وللأمم المتحدة نوعان من مصادر التمويل، يتمثل المصدر الأول في المساهمات الإلزامية، حيث يتم تحصيلها من قبل الدول الأعضاء بالمنظمة كشرط للعضوية، ويختلف المبلغ المالي الذي يجب أن يدفعه كل عضو حسب إجمالي الدخل القومي والسكان. أما المصدر الثاني فهو المساهمات الطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء كمساعدة منهم للأمم المتحدة، وتعتمد الكثير من منظمات الأمم المتحدة بشكل أساسي على هذه المساهمات مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الغذاء العالمي. وتستخدم المنظمة الأممية ست لغات رسمية هي: الإنجليزية والعربية والصينية والإسبانية والفرنسية والروسية، بهدف ضمان التواصل الفعال والشفاف بين جميع الدول الأعضاء والمشاركين في الأنشطة والجلسات المختلفة للمنظمة.
وما فتئت الأمم المتحدة منذ تأسيسها قبل أكثر من سبعة عقود تواجه تحديات إضافية جديدة من مثل تغير المناخ والاحتباس الحراري واللاجئين والهجرة والإيدز وغيره من الأوبئة، كما حددت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة، لعام 2030، لتحقيق أفضل مستقبل مستدام لجميع سكان الكوكب.
وقامت الأمم المتحدة بتحقيق العديد من التعهدات الإنسانية والبيئية منذ إنشائها، من بينها: توفير الغذاء لـ 90 مليون شخص في أكثر من 75 دولة، ومساعدة أكثر من 34 مليون لاجئ، والعمل مع 140 دولة لتقليل آثار تغير المناخ، ومساعدة حوالي 50 دولة في إجراء الانتخابات الخاصة بها، وتوفير التطعيمات لـ 58 بالمائة من أطفال العالم، ومساعدة حوالي 30 مليون امرأة سنويا في جهود صحة الأم، وحماية حقوق الإنسان بثمانين معاهدة وإعلانا.
وقد مكنت الشراكة القوية والفعالة بين الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول المساهمة بأفراد قوات حفظ السلام، 55 عملية لحفظ السلام في العالم، من استكمال مهامها بنجاح، وعمل أكثر من مليوني فرد من حفظة السلام في 71 بعثة منذ عام 1948، وقدموا المساعدة للبلدان في التغلب على الصعوبات التي تواجهها في مسارها صوب الخروج من الحرب والصراع إلى السلام والاستقرار، ويبلغ عدد بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام حاليا 12 بعثة، يعمل بها نحو تسعين ألف شخص، ينتمون لمئة وخمس وعشرين دولة، لدعم الأمن والاستقرار وسيادة القانون، ويخدمون قضية السلام والمصالحة والحلول السياسية الدائمة، ويؤدون مهامهم في ظروف تتسم بتفاقم مظاهر التوتر والانقسام عبر العالم وازدياد تعقد النزاعات.
وبدأت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عام 1948، عندما صرح مجلس الأمن بنشر مراقبين عسكريين تابعين للأمم المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
وتتعرض الأمم المتحدة من حين لآخر للانتقادات بسبب سياساتها وبيروقراطيتها وإنفاقها، إلا أن غالبية الخبراء والمراقبين الدوليين يتفقون على أن الأمم المتحدة تواصل لعب دور حاسم في تأمين السلام والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء العالم، وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، وحماية حقوق الإنسان، والتمسك بالقانون الدولي، وأن صفحة عملها ونشاطها ستظل رغم الانتقادات والصعوبات مفتوحة لإنجازات عديدة في المستقبل.
مساحة إعلانية