تقارير وحوارات
6
مظاهرات في النيجر
الدوحة – قنا
في ظل أحدث التطورات الأمنية، أعلن المجلس العسكري الذي يتولى زمام الأمور في النيجر الليلة الماضية، غلق المجال الجوي للبلاد حتى إشعار آخر، ويعكس هذا الإجراء استعدادا من الجانب العسكري لمواجهة التحديات المتوقعة في الفترة المقبلة، وذلك بعد انقضاء المهلة التي وضعتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عقب الإطاحة بحكم الرئيس المنتخب محمد بازوم، وتنصيب القائد العسكري عبد الرحمن تشياني قائدا للبلاد.
وأكد بيان المجلس العسكري عزمه الإصرار على قراره، مشددا على أن أي محاولة لخرق المجال الجوي للبلاد ستواجه برد قوي وفوري، وذلك نظرا للتهديدات المحتملة بالتدخل العسكري التي أطلقتها مجموعة (إيكواس). وفي بيان منفصل، قال “المجلس الوطني لحماية الوطن” إن انتشارا مسبقا استعدادا للتدخل، جرى في بلدين في وسط إفريقيا، من دون تحديد هذين البلدين، محذرا من أن “أي دولة مشاركة في التدخل ستعتبر طرفا في القتال”.
وتتزايد التحذيرات الإقليمية من خطورة التدخل العسكري الذي قد يمزق الأمن الهش ويزيد من تدهور الواقع الاقتصادي المتردي للنيجر، في ظل دعوات أوروبية لتمديد مهلة دول (إيكواس) بغية إنجاح الوساطات السياسية، في ظل إشارات أن الإدارة الأمريكية تفضل الحل الدبلوماسي، وأن تكون عودة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة بشكل سلمي.
غير بعيد عن سياق التدخلات العسكرية، تقبع النيجر في آخر سلم الدول من حيث الواقع الاقتصادي التنموي، فقد تسببت العقوبات الدولية والإفريقية في انقطاع إمدادات الكهرباء عن مدن كبرى في النيجر، وجاءت الخطوة الفرنسية بتعليق مساعداتها التنموية للنيجر وتأييد جهود إحباط الانقلاب، مما يزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي في البلاد.
وتحتل النيجر مكانة استراتيجية مهمة لدى باريس، فهي حليف في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتستضيف قاعدة عسكرية فرنسية بها نحو 1500 من القوات الفرنسية، كما تعتمد باريس على النيجر في الحصول على 35 بالمئة من احتياجاتها من اليورانيوم، لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70 بالمئة من الكهرباء.
وهذا ما قد يفسر خطوة المجلس العسكري في النيجر بإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري والأمني مع باريس التي تنشر 1500 عسكري في النيجر، وما تجره من عواقب وخيمة على الوجود الفرنسي هناك ومقدار التبرم من الدور الفرنسي في إفريقيا، فهي تشكل ضغطا إضافيا، عقب عامين من إنهاء المجلس العسكري في مالي المجاورة لجهود عملية /برخان/ التي تقودها باريس ضد العناصر المسلحة، وانسحابها من مالي تحت ضغط من الحكومة.
ورغم دق طبول الحرب في النيجر من بعض الدول، فإن الخبراء يؤكدون على أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، وأن سبل التصدي للانقلابات المتتالية في قارة إفريقيا تحتاج أكثر من شن الحروب والتدخلات العسكرية، وأهمها إيجاد حلول دولية تنموية اقتصادية والتلويح بعقوبات سياسية تفرض على تلك الحكومات احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وضمان نزاهة العملية الانتخابية، ووقف السلطات الحاكمة المحاكمات الجائرة والإقصاء السياسي للمنافسين والسماح بتداول السلطة.
وتضم النيجر خمسة أعراق بخمس لغات مختلفة، ويعتمد اقتصادها على الثروتين الزراعية والحيوانية، ورغم أنها تحتل المرتبة الأولى عالميا في احتياطي اليورانيوم والسابعة في إنتاجه وفق إحصائيات الجمعية العالمية للطاقة النووية، لكنها لا تترجم تلك الموارد إلى بنية تحتية أو مصانع تشغيلية، إذ أن الحكومات المتعاقبة فشلت في تحويل عائدات اليورانيوم منذ عقود إلى بنية تحتية أو مصانع استراتيجية، فاقتصادها يستخدم البترول المدعوم بالفحم المستخرج محليا، لتوليد الغالبية العظمى من كهرباء النيجر، بينما يعد الخشب وقودا محليا تقليديا، كما تفتقد أقاليم البلاد لصناعة حقيقية، إذ تحتكر العاصمة نيامي تقريبا معظم الصناعات التحويلية والمواد الكيميائية، والمنتجات الغذائية القليلة نسبيا.
ومن هنا فإن المخاوف من الانعكاسات السلبية للتدخلات العسكرية لها ما يبررها، من حيث احتمالية تفجر الصراعات الإقليمية والنزاعات المحلية، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم سكانها ذوي الطبيعة القبلية يقاسون وضعا اقتصاديا مريعا من حيث شظف العيش والفقر وقلة الموارد، وقد تدفع الحرب فئات عديدة للانخراط في أي سبيل يعود عليهم بمردود مالي.
وتوجه بعض الإثنيات والقبائل سهام النقد نحو الحكومات المتعاقبة وفئات محدودة من قطاعي السياسة والاقتصاد المرتبطين بها، بالاستفادة من تلك المعادن على حساب أغلبية السكان، إذ تعيش أغلبية قبائل الفولان والطوارق التي تتنقل مساكنها حسب المواسم المناخية في كسب قوتهم على تجارة المواشي وبيع حليبها وإنتاج اللحوم وصناعة الأحذية من جلودها، فضلا عن زراعة التمور، بينما تعتمد إثنيات الهوسا على الزراعة والصيد على ضفاف أحواض نهر النيجر.
وتمر النيجر بوضع إنساني معقد بحسب ما تقوله الأمم المتحدة التي أعلنت /الخميس/ الماضي تعليق عملياتها الإنسانية في هذا البلد حيث بلغ عدد من يحتاجون إلى مساعدات إنسانية العام الجاري أكثر من 4 ملايين شخص، كما يتدنى فيها مستوى الخدمات الأساسية من سكن وتعليم وصحة وسلامة لأدنى التقييمات الدولية، حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية 2021 / 2022.
ولا تخفى ضراوة الصراع على النيجر بين فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين على الأوساط المهتمة، ولا يمكن الجزم بشكل الجهود الأممية والإفريقية ونوع التدخلات الغربية، بيد أن الصراع الداخلي على السلطة والامتيازات بين القوى المحلية والقبلية والإثنية، لها حظ وافر من معالم التغييرات والتبدلات في تلك البلدان ومنها النيجر التي يعاني أكثر من 70 بالمئة من سكانها من الفقر المدقع، وتحتل المرتبة الـ 189 من أصل 191 على مؤشر التنمية البشرية.
وتحظى منطقة الساحل الإفريقي التي تضم (تشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا) بأهمية استراتيجية على مستوى مصادر الطاقة وخطوط الإمداد والقواعد العسكرية لمواجهة تمدد الجماعات المسلحة التي نشطت كثيرا في السنوات العشر الأخيرة، دون إغفال أن منطقة غرب ووسط إفريقيا شهدت سبع انقلابات عسكرية خلال ثلاث سنوات.
مساحة إعلانية