عربي ودولي
32
الدوحة – قنا
وسط توقعات بارتفاع ضحايا السيول والفيضانات غير المسبوقة التي ضربت المنطقة الشرقية من ليبيا، تتسارع دول المنطقة لإرسال المساعدات العاجلة إلى الشعب الليبي في لفتة عروبية إسلامية معهودة، وفي المقدمة تأتي دولة قطر، حيث وجه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بإرسال مساعدات عاجلة للمناطق المتأثرة بالفيضانات والسيول في شرق دولة ليبيا الشقيقة، كما بعث سموه ببرقية تعزية إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي في ضحايا العاصفة.
وحتى الآن، تتضارب الأرقام حول ضحايا السيول والفيضانات، إلا أن الأرقام المتوقعة مرعبة، وتنذر بتضاعف ما تم الإعلان عنه حتى الساعات الأولى من صباح اليوم، والمقدر بأكثر من 2000 قتيل وآلاف المفقودين، فضلا عن اختفاء أحياء سكنية بأكملها بعد أن جرفتها السيول إلى البحر مع الآلاف من سكانها.
وفي الداخل الليبي، تبذل جهود مضاعفة في محاولة لاحتواء آثار الوضع الكارثي غير المسبوق في ليبيا، فقد أعلن جهاز الإسعاف الليبي عن إنشاء جسر جوي من طرابلس إلى المنطقة الشرقية لنقل الحالات الحرجة، كما أطلقت العديد من البلديات الليبية في الغرب والجنوب، إضافة إلى نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة بعنوان “فزعة لهلنا في الشرق” لجمع التبرعات والمساعدات للمتضررين من الفيضانات والسيول، التي اجتاحت عددا من مدن وقرى شرقي ليبيا.
وتأتي هذه الحملة عقب إعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام وتنكيس الأعلام، على خلفية الأضرار البشرية والمادية التي خلفتها عاصفة “دانيال” في شرق ليبيا، ووصلت إلى حد إعلان بعض المسؤولين مصرع أكثر من ألفي شخص في مدينة درنة وحدها.
وأطلق المجلس البلدي في مدينة مصراتة نداء إلى أهل الخير، وإلى كافة المؤسسات والجهات المختصة والعامة، من أجل تقديم الدعم للأخوة في شرق البلاد، نظرا لما يمرون به من كارثة إنسانية.
وقال المجلس في بيان، إن قافلة مساعدات ستنطلق وعلى متنها مساعدات تتمثل في المواد الغذائية والخيام، وكذلك مساعدات نقدية.
كما نشرت فرق الإنقاذ في درنة الواقعة على مسافة نحو 900 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس، وتقع المدينة التي تعد 100 ألف نسمة في وادي نهر يحمل الاسم نفسه، ويضم شرق ليبيا حقول ومحطات النفط الرئيسية، وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حالة التأهب القصوى وإيقاف الرحلات الجوية بين مواقع الإنتاج التي انخفض نشاطها بشكل كبير.
ولم تتمكن الأجهزة الليبية حتى الآن من حصر الضحايا، وذكر مسؤولون ومصادر طبية أن السيول التي ضربت شرق ليبيا جراء العاصفة “دانيال” تسببت في مقتل وفقدان الآلاف، خاصة في مدينة درنة، في أكبر كارثة من نوعها تشهدها البلاد منذ 40 عاما.
وقال مسؤول ليبي بوزارة الصحة إن التقديرات الأولية تشير إلى نحو ألفي قتيل سقطوا في مدينة درنة وحدها، وأن السلطات بالمنطقة الشرقية تتوقع آلاف المفقودين جراء الفيضانات والسيول في درنة وحدها، وأن السيول والفيضانات بالمدينة ناجمة عن انهيار سدين مائيين، مشيرا إلى الصعوبات التي تواجه عمليات الإنقاذ في المناطق المنكوبة بالفيضانات.
وفي بيان لغرفة الأزمة بجمعية الهلال الأحمر الليبية، قالت الغرفة إن القتلى بين من قضى غرقا أو بسبب انهيار المباني السكنية، وأن عدد العالقين في المناطق المنكوبة، وصل إلى أكثر من سبعة آلاف عائلة، تجري حاليا عمليات إنقاذهم، إضافة إلى عدد كبير من المفقودين لم يتم تحديدهم بعد لكون كثيرين لم يتم الإبلاغ عن فقدانهم وخاصة في درنة التي انقطعت فيها الاتصالات الهاتفية.
وسجلت مدينة درنة أكثر الخسائر بين المدن الليبية، حيث أعلن المجلس البلدي أن المدينة “منكوبة” وكانت الخسائر هي الأشد فداحة على المستوى البشري والمادي، إذ وصفت الهيئة العامة للسلامة الوطنية الوضع في المدينة بالكارثي، عقب انهيار سدين من سدود وادي مدينة درنة، مؤكدة أن المنطقة الموجودة بجانب الوادي انجرفت بالكامل إلى البحر، حيث أخرج مئات الضحايا واستقبلت مقبرة “مرتوبة” قرب درنة أكثر من 350 جثة من ضحايا السيول حتى أمس /الإثنين/، بينما نجحت بعض الجهود بإنقاذ العديد من العالقين المحاصرين، وزاد من حجم التحديات انقطاع الطرق بعد أن غمرت المياه حتى العمارات السكنية، فلم يعد هنالك مدخل للمدينة سوى مدخل وحيد جانب شارع الظهر الأحمر.
ولم يكد العالم يفيق من هول الصدمة لضحايا زلزال المغرب حتى فوجئ بمأساة الشرق الليبي، حيث أودت العاصفة بآلاف القتلى والمصابين بجانب آلاف المفقودين والمشردين في مدن درنة وسوسة الأثرية والمرج والبيضاء وشحات التي تعرف بمدن الجبل الأخضر وصولا إلى مدينة بنغازي التي نالت حظها من الخسائر، في ظل غرق آلاف المنازل والبساتين والأسواق وانهيار الطرق وانقطاع السبل التي عزلت مناطق واسعة عن متطلبات الحياة.
وقضى الليبيون في مدن شرق البلاد ليلتهم الماضية على واقع مرير وتحت هول صدمة إنسانية وبيوت مدمرة نجمت عن وصول عاصفة “دانيال” إلى السواحل الليبية منذ أمس الأول، وما تلاه من موجة أمطار استمرت لساعات وفيضانات أدت إلى سيول جرفت كل شيء بطريقها، وسط عجز حكومي بالقدرات الحالية عن مواجهة فاجعة بهذا الحجم من السوء، لم يسبق أن تعرضت البلاد لمثلها منذ عقود.
وأظهرت صور التقطها سكان في المنطقة المنكوبة سيولا ومباني منهارة وأحياء بأكملها غارقة تحت المياه، ووصف خبراء العاصفة /دانيال/ التي ضربت أيضا أجزاء من اليونان وتركيا وبلغاريا في الأيام الأخيرة بأنها شديدة للغاية، من حيث كمية المياه التي تساقطت خلال 24 ساعة.
فبعد أن اجتاحت العاصفة /دانيال/ اليونان قبل أيام، تحركت مجددا كعاصفة عاتية في البحر المتوسط يوم /الأحد/ الماضي، مما تسبب في غمر الطرق بالمياه وتدمير مبان في درنة، وألحق أضرارا بتجمعات سكنية أخرى على امتداد الساحل، بما في ذلك بمدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية.
وأظهرت لقطات مصورة من درنه تدفق سيل واسع من المياه عبر مركز المدينة في مكان كان من قبل يقع فيه ممر مائي أقل اتساعا بكثير، بينما تظهر بنايات مدمرة ومتضررة على الجانبين.. وقال شهود عيان إن منسوب الماء وصل إلى ثلاثة أمتار في مدينة درنة الساحلية، ونشرت قناة /ليبيا المستقبل/ صورا لطريق منهار بين سوسة وشحات الموجود فيها قورينائية، الموقع الأثري الذي أنشأه الإغريق والمدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وكانت العاصفة المتوسطية “دانيال” قد تحركت من مركزها في البحر المتوسط متوجهة إلى ساحل المنطقة الشرقية في ليبيا، فاجتاحت عدة مدن وخلفت مئات الضحايا، حيث هطلت أمطار غزيرة فغمرت بعض المناطق وتسببت في إغلاق الطرق، كما تعرضت المدارس والمستشفيات لأضرار جسيمة، ولم تعد بعض المستشفيات تتحمل أعداد الجثث التي يتم تسليمها، وأعلنت السلطات الليبية حالة الطوارئ القصوى والتي شملت إيقاف الدراسة في جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة وإغلاق المحال التجارية وحظر تجوال، وذلك لمواجهة أي تداعيات مضاعفة للعاصفة”دانيال”.
وفي مواجهة الكارثة، تواترت الدعوات داخل ليبيا إلى التدخل العاجل لإغاثة المتضررين، واستنفرت الجهات الصحية والخدمية إمكاناتها المتواضعة لمواجهة تبعات الفيضانات، التي لم تسلم منها حتى المرافق الصحية ومنها مستشفى البيضاء الذي غمرته المياه، وبادرت بعض الجهات لإرسال تجهيزات طبية وغذائية ومعدات كهربائية وناقلات حوضية لتقليل التبعات الكارثية المتوقعة، بينما أعلنت الحكومة في طرابلس إطلاق جسر جوي بدءا من صباح اليوم لنقل المساعدات الإنسانية انطلاقا من مطاري مصراتة ومعيتيقة باتجاه مطاري الأبرق وبنغازي في الشرق الليبي.
من جهتها قالت وزارة الموارد المائية إن وضع مياه سدي وادي القطارة ووادي جازة القريبين من مدينة بنغازي مازالا تحت السيطرة، رغم سقوط جسر وادي الكوف القديم وانهيار جسر عمر المختار أسفل الوادي، وأن منسوب المياه في الوادي مازال منخفضا رغم وصوله إلى 5 ملايين متر مكعب، وهذا يعني أنه لم يصل إلى الحد الأقصى ليؤدي إلى تحركه أو امتلائه بالمياه، على الأقل في الوقت الراهن.
على صعيد متصل أعلن مصرف ليبيا المركزي، تشكيل خلية أزمة لتوفير احتياجات المصارف التجارية شرق البلاد من السيولة، ودعم الحكومة لتسيير جسر جوي لنقل شحنات سيولة إلى مطاري مدينتي البيضاء وبنغازي، فضلا عن دعم أرصدة المصارف بـ 5.4 مليار دينار لمساعدتها في مواجهة الأزمة، والسعي لتلبية احتياجات الحكومة والمواطنين من السيولة لدعم المناطق المنكوبة.
والعاصفة المتوسطية “دانيال” التي ضربت شرق ليبيا أدت إلى تساقط أمطار غزيرة – تجاوزت 400 مليمتر – على بعض المناطق، وأكدت حكومة الوحدة الليبية أن كمية الأمطار في شرق البلاد لم تسجل منذ أكثر من 40 عاما.
الجدير بالذكر أن خبراء المناخ حذروا من أن ظاهرة الاحتباس الحراري تعني تبخر المزيد من المياه خلال فصل الصيف، مما يؤدي إلى عواصف أشد، وقد شهدت أنحاء العالم في الأسابيع الأخيرة ظواهر مناخية متطرفة، مع حدوث أعاصير في الولايات المتحدة والصين وهونغ كونغ بجانب سيول وفيضانات في إسبانيا والدول الاسكندنافية وجنوب شرق أوروبا وصولا إلى البرازيل، كما كان شهر أغسطس أكثر الشهور المسجلة جفافا في الهند ومناطق في الشرق الأوسط منذ أكثر من قرن.
مساحة إعلانية