ثقافة وفنون
36
الفنان سلمان المالك لـ الشرق: الدوحة تحولت لمتحف مفتوح بأعمال محلية وعالمية
الفنان سلمان المالك
حوار: طه عبدالرحمن
يعد الفنان سلمان المالك أحد رواد التشكيل القطري، إذ ساهم مع رفقاء دربه في إثراء الفن التشكيلي منذ مراحله المبكرة، حيث اشترك معهم في إقامة أول معرض تشكيلي بالدولة، والذي أُقيم في عقد السبعينيات من القرن الماضي، ومن وقتها وإطلالته الفنية حاضرة عبر المشهد التشكيلي، سواء بالعمل الإداري وتأسيسه للعديد من الصروح الفنية، أو بالاحتراف الفني، وإنجازه للعديد من الأعمال الفنية.
في حديثه لـ ، يرصد المالك تفاصيل أحدث أعماله الفنية، التي أنجزها على خلفية المونديال، والتي استوحى فكرتها من الإرث القطري، والعادات الأصيلة، متوقفاً عند الإرث الذي سيخلفه كأس العالم على الفن التشكيلي خصوصاً، والثقافة عموماً.
ولم يغفل اللقاء تناول أبرز تحديات المشهد التشكيلي الحالي، وغياب الرؤى النقدية عنه، والتي يمكن بدورها أن تسهم في تصويب الأعمال الفنية إلى بوصلتها التشكيلية، بما يمكنها أن تعكس عراقة الفن القطري، وما يتميز به من ثراء ونضج، بالإضافة إلى حديثه عن جوانب أخرى ذات الصلة، وجاءت على النحو التالي:
خلال مشاركتك بأعمال فنية أثناء إقامة كأس العالم 2023.. إلى أي حد ترى أن مثل هذه الأعمال يمكن أن تكون إرثًا لهذا الحدث العالمي؟
كنت منذ وقت طويل، أسمع بأن الدوحة ستتحول إلى متحف مفتوح، إلى أن رأى هذا المشروع النور بالفعل خلال فترة المونديال، وأصبحت الدوحة تتألق بأعمال راقية لفنانين قطريين وعالميين، وهذا من فضائل كأس العالم علينا، بأن تتحول الدوحة إلى متحف مفتوح، بما يلبي معه الذائقة الفنية لأفراد المجتمع، ويعكس في الوقت نفسه اهتمام الدولة بالفنون ورعايتها، بما يقدم صورة ذهنية إيجابية عما تحظى به الفنون في قطر من رعاية واهتمام، ما يعني أن المونديال شكل نقلة نوعية في المشهد البصري على المستوى المحلي.
وكما هو معروف، فإن الفنون تعد مقياسًا لتحضر الشعوب، وكم من حضارات خلفت ثقافة بصرية وراءها، فامتد إرثها لآلاف السنين، الأمر الذي يعكس مدى أهمية الفنون، وضرورة نشرها في أوساط المجتمع.
وأذكر أنني وأثناء المونديال، كنت في سويسرا، ووجدت كثيرين يسألونني عن قطر، ما يعني مدى التأثير الكبير الذي خلفته إقامة كأس العالم في قطر، في أوساط الغرب، وتطلع الكثيرين من الأجانب لمعرفة المزيد عن قطر والتطلع إلى زيارتها.
بصمات فنية
في هذا الإطار، لك مجسمان أنجزتهما أثناء المونديال يعكسان أهمية الفن العام.. فماذا عن طبيعة هذين العملين؟
حقيقة تغمرني سعادة بالغة بأن تكون لي بصمة في أعمال “الفن العام”، وهو حلم أي فنان بالطبع، بأن تكون له بصمة فنية في هذا الحدث العالمي، وهذا شيء يثلج الصدر.
وانطلقت خلال هذين العملين من ثقافة محلية، وترسيخ للهوية القطرية، وحرصت فيهما على مزج الأصالة بالمعاصرة.
والعملان تم تنفيذهما بالتعاون بين متاحف قطر و”أشغال”، أحدهما على كورنيش الدوحة، والآخر يقع في “شرق”، وحرصت على استخدام خامات تلائم البيئة القطرية، مراعاة للعوامل المختلفة.
ويجسد العمل الأول، والمعنون بـ “توب توب يا بحر” انتظار النساء لعودة أهاليهن من رحلة الغوص للبحث عن اللؤلؤ، مع غناء “توب توب يا بحر”، حيث كانت تشرف عليه امرأة تتحمل المسؤولية عن جميع النساء، واستوحيت فكرة هذا العمل من “الانتظار”، من خلال مجسم لسيدة حزينة تجلس على زاوية البحر قبل موعد “القفال”، وكان معروفًا أنه يوم مهم عند الأهالي ممن لهم أبناء ورجال ينتظرون عودتهم من الغوص.أما العمل الآخر، فهو مستمد من الجساسية في شمالي قطر، وهي منطقة أثرية منذ عصور قديمة، واستحضرت في هذا العمل رسوم الجساسية بطريقة حديثة. ولا شك أن وجود العمل أمام إحدى المدارس، يجعله موضعاً للتفاعل من جانب الطلاب، وفي الوقت نفسه موضع لتساؤلهم عن طبيعة هذه الرسومات، والتعرف على منطقة الجساسية، وهي وسائل جميعها تؤدي إلى إيصال المعلومة بطريقة ذكية وغير تقليدية، وبعيداً عن التلقين.
وحقيقة، كم أنا سعيد بدعم بلدي للفنانين، ونشر هذا الموروث الأصيل داخل المجتمع، وأن يكون هناك احتفاء بالثقافة البصرية، وترجمة مثل هذه الأفكار إلى أعمال فنية، ما يعكس إيمان الجهات المعنية بقيمة الفن، ونشره في أوساط المجتمع.
غياب التنسيق
لكن مع هذا التطور النوعي، هناك من يرى أن الفن التشكيلي المحلي يعاني من عدم تنسيق الجهات المعنية به، الأمر الذي ينعكس على المنتج ذاته.. فما تعليقك على ذلك؟
على العكس، أتصور أن تعدد مثل هذه الجهات يصب في النهاية لصالح إثراء المشهد الثقافي والفني عموماً، وإن كان الأمر يحتاج إلى تنظيم، وإعادة ترتيب الأوضاع، وهذا أمر بسيط للغاية، ويمكن حدوثه دعمًا لمسيرة وتطور الفن التشكيلي القطري.
هناك من يرى أن هذا التعدد أفرز أعمالاً دون المستوى، ولا ترق إلى مواصفات العمل التشكيلي؟
أقول دائمًا، إنه لا يصح إلا الصحيح، ومهما كانت هناك أعمال دون المستوى، فلن يُكتب لها النجاح أو البقاء، وقد تكون هناك أعمال نصف إبداعية، وقد تخدع المتلقي لبعض الوقت، ولكنها لن تظل كذلك طوال الوقت، وسرعان ما يكتشف المتلقي ضعف مستواها.
إشكالية النقد
لكن ألا ترى أنه مع غياب الرؤى النقدية يمكن أن يهدد ذلك جودة العمل الفني ذاته؟
كما هو معروف، فإن غياب الرؤى النقدية، إشكالية في العالم العربي، لذلك فإن هذه الحالة لا تقتصر على قطر وحدها، لكن هناك من يعزف عن ممارسة النقد درءاً للمشاكل، أو لعدم الدخول في خلافات مع الغير، فيما قد يقدم البعض آراء وكتابات انطباعية، دون أن يكون هناك نقد حقيقي للأعمال الفنية، الأمر الذي يستدعي ضرورة الاهتمام بتشكيل حركة نقدية، تثري المشهد التشكيلي.
هناك من الفنانين من ينغلق على ذاته الفنية، فينكفئ على أسلوب أو مدرسة بعينها، دون تجاوزها إلى تنوع في الأساليب.. فهل ترى أن هذا الانكفاء يمكن أن يدعم العمل الفني، أم العكس؟
هذا السؤال يأتي على جُرح كبير، والحديث عنه يطول، وخلاصته أنه مع تعدد وتنوع التجارب، يمكن أن يكون ذلك مفيداً للعمل الفني، وإذا استحضرنا “بيكاسو” لوجدناه لم يقف عند أسلوب فني واحد، وهكذا “هنري ماتيس”، وكثير غيرهما، نجدهم ينتقلون من مدرسة إلى أخرى، ومن أسلوب إلى آخر، بل ومن خلال هذا الانتقال، قد يخترعون مدارس فنية جديدة. غير أننا مع ذلك كله، نجد بعض الفنانين أسرى لأساليبهم الفنية. لذلك، أدعو الفنانين إلى خوض روح المغامرة، والدخول إلى فضاءات مجهولة، لأنه لولا روح المغامرة، ما قدم لنا فنانون أعمالاً غير تقليدية، لأن العملية الإبداعية غير ثابتة، كما أن الفن نفسه دائماً متغير.
رعاية الفنون
هل أصبح مشهد التشكيل القطري مختلفًا عما كان عليه قبل المونديال؟
بكل تأكيد، فالمونديال اختصر مسافات ضوئية في مسيرة الفن التشكيلي القطري، وعكس للعالم ما تتمتع به قطر من فنون وثقافة، خلاف تلك النسخة الاستثنائية التي قدمتها قطر بتنظيمها للمونديال، ما جعلها فخرا للعرب والمسلمين، والنسخة الأكثر تميزاً في تاريخ
بطولات كأس العالم.
تجمع فني
لك مشاركة في مشروع فني يضم أعمالاً مشتركة مع فنانين عرب.. فما طبيعة هذا المشروع؟ وما فكرته؟
هذا مشروع فني، نعمل عليه من خلال جماعة “وصل”، والتي أنتمي إليها بالتعاون مع الفنانين محمد الجالوس من الأردن، وقاسم الساعدي من (العراق- هولندا)، وهو تجمع يضم فنانين من ثلاث قارات مختلفة، سبق أن أقمنا معرضًا مشتركًا، أقيمت نسخته الأولى في الأردن، بينما أقيمت النسخة الثانية في الدوحة، من خلال جاليري المرخية، في شهر أبريل الماضي، فيما ينتظر أن تقام النسخة الثالثة في القاهرة، خلال شهر سبتمبر المقبل.وفكرة تشكيل هذه الجماعة، تنبع من أنه على الرغم من بُعد المسافات بين الفنانين، إلا أن ذلك لا يجب أن يكون حائلًا عن إقامة حوار فني، وتقريب المسافات، وإن تباعدت جغرافيًا، والتأكيد على أن الفن لا يعرف الحدود ولا جنسية له.
أخيراً.. هل يمكننا القول إن الفنان يمكنه أن يقضي “إستراحة محارب”؟
بالفعل، فالفنان، مثله مثل غيره من شرائح المجتمع المختلفة، من حقه أن تكون لديه “إستراتحة محارب”، ولكن عندما تبرز لديه الفكرة، يقوم ببلورتها وسرعان ما يسقطها على الواقع في عمل فني.
مساحة إعلانية