عربي ودولي
26
جنين – محمـد الرنتيسي
قبل 20 عاماً، شكلت مجزرة مخيم جنين، التي ارتكبتها قوات الاحتلال في يونيو 2002 إبّان عملية «السور الواقي» والاجتياح الشهير للمدن الفلسطينية، جريمة نكراء قل نظيرها في التاريخ المعاصر، فقتلت الأبرياء ودمرت المنازل فوق رؤوس ساكنيها وسوتها بالأرض، واستهدفت طواقم الإسعاف والصحفيين، متحدية بذلك المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، والضمير الإنساني.
وظلت هذه المجزرة شاهدة على حجم المأساة التي عاشها أبناء جنين، واستهدفت بالأساس القضاء على معقل المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين الذي أطقلت عليه «عش الدبابير» وظن جنود الاحتلال في حينه أنهم سيحسمون الأمر ويجهزون على المقاومة خلال ساعات، لكنهم فوجئوا بمقاومة شرسة، كبدتهم العشرات من الجنود بين قتيل وجريح.
اليوم يتجدد العدوان على مدينة ومخيم جنين، في عملية عسكرية واسعة، هي الأعنف منذ 20 عاماً، بل إن المشهد يكاد يتكرر بنسخة كربونية، من خلال مداهمات الاحتلال (من بيت إلى بيت) وفرض الحصار على مخيم جنين، ومنع الطواقم الطبية من الوصول إليه، في وقت تدك فيه الصواريخ منازل المواطنين وتجمعاتهم، في جرائم إبادة وتطهير عرقي. وما أن تقترب من مدينة أو مخيم جنين، حتى تسمع صوت هدير الطائرات، ومحركات الدبابات، التي يكاد صوتها يطغى على صوت الرصاص والقذائف، وفي الأرجاء تسمع مكبرات الصوت من المساجد، وهي تصدح بالتكبير وتدعو الأهالي والمقاتلين لخوض معركة البطولة والشرف، مع القوات الغازية.
كانت حرارة الإيمان والعزيمة لدى رجال المقاومة، تفوق حرارة يونيو الطالعة، والأجواء الملتهبة في جنين ذات المناخ الساحلي، خاصة وأن أهالي جنين مصممون على صد محاولة الاجتياح بكل بسالة، وكانت الأسئلة تتردد على ألسنة الأهالي من قبيل: كم ستستمر هذه العملية؟.. وهل سينتقم جيش الاحتلال من «عش الدبابير» كما كان يتوعد؟.. وكم سيستمر صمود المقاومة في ظل الحصار ومنع الدخول إلى جنين؟. «المقاومون هنا يصنعون ملحمة وطنية في الدفاع عن المخيم، وبإمكانهم الصمود بإمكانياتهم المتواضعة، حتى النصر أو الشهادة، أمام الجنود المدججين بشتى أنواع الأسلحة والإسناد الجوي» هكذا قال جمال حويل، الذي كان له شرف الدفاع عن مخيم جنين خلال اجتياحه العام 2002، واصفاً ما يجري في جنين بأنه أشبه إلى مقاومة المدافعين عن مدينة «ستالين غراد» السوفييتية، وبسالتها في مقاومة الغزاة النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، مضيفاً: «هذه جنين جراد».
أضاف حويل لـ»»: «ما يجري في جنين، مذبحة دموية، يرتكبها جيش الاحتلال ضد المواطنين العزل، بهدف تشريدهم في رحلة لجوء جديدة، وهذه المرة من المخيم إلى أماكن غير معلومة، لكنه يبقى واهماً، فلن نرضى بنكبة ثانية، وهذه المعارك الأسطورة، أعادت لشعبنا الشعور بالثقة والعزة والكرامة، وسيكون لها ما بعدها من التأثيرات المعنوية». وأعادت العملية العسكرية المستمرة في مدينة ومخيم جنين، إلى أذهان الأهالي، مجازر «السور الواقي» فالقتل هو ذات القتل، والدمار ذاته، وبشاعة العدوان نفسها، ولن تمحوها موجات الاقتحامات المتعاقبة، بل ستبقى صامدة، وتتعلم منها الأجيال كيف أن أسطورة الصمود أسقطت وإلى الأبد خرافة «الجيش الذي لا يُقهر».
مساحة إعلانية