عربي ودولي
62
والدة الشهيد مجدي عرعراوي فوق قبره
رام الله – محمـد الرنتيسي
هذه المرة، لم يكن الشبان الفلسطينيون “كعادتهم” يتملكهم الغضب على إعدام زميل لهم، ولا محتجين على اقتحام مدينة أو مخيم فلسطيني، فشاشات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي، كانت تنقل مشاهد الفرح، وهم في غمرة الاحتفال بنجاحهم في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي).
للحظات، تحولت الميادين والشوارع التي اشتهرت بالمواجهات الغاضبة مع جيش الاحتلال، إلى أعراس حقيقية، احتفالاً بالناجحين والمتفوقين، تخللها توزيع الحلوى، وإطلاق المفرقعات النارية، بينما أطلقت السيارات لأبواقها العنان.
لكن ما هي إلا لحظات، وسحابة فرح عابرة في حياة الفلسطينيين، الذين يكابدون أطول وأشرس احتلال عرفه التاريخ، حتى تحولت الأجواء المفعمة بالفرح، إلى حزن عميق، مع خبر استشهاد الشاب بدر المصري خلال مواجهات مع جيش الاحتلال في مدينة نابلس، في ذات اليوم الذي كان يحتفل فيه العام الماضي بنجاحه في الثانوية العامة.
كان صباحاً مختلفاً بالنسبة للفلسطينيين، الذين أداروا ظهورهم لأزماتهم السياسية والمعيشية، وهم المتعطشون للإنجاز والفرح، فثمة فتية وفتيات تمكّنوا من حملهم ولو بشكل مؤقت، خارج عالمهم المثقل بالهموم، وواقعهم المتجهم، ولكن في لحظات جنون احتلالية، تنقلب الوجوه والملامح التي كانت تغط في الفرح، إلى أخرى تنبعث ألماً وتنطق حزناً.
الفلسطينيون يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا.. ولعل أبرز ما غير الصورة النمطية في مشهد حياتهم اليومي، أن صانعي هذا التحول، هم فتية، قهروا الاحتلال وإجرامه وعدوانه، دون أدنى وسيلة، سوى الجد والمثابرة، وكان لافتاً أن أبناء الأسرى والشهداء، احتلوا مساحة واسعة على لائحة الناجحين والمتفوقين، فكانت الرسالة في زحمة احتفالات تلقائية وعفوية، بأن على الأرض الفلسطينية ما يستحق الحياة.
ستة شهداء فلسطينيين، حرمهم الاحتلال ورصاصه القاتل من فرحة النجاح في الثانوية العامة لهذا العام، فنالوا “الشَهادة” قبل “الشِهادة”.. وديع أبو رموز (القدس)، أحمد دراغمة (طوباس)، أسامة عدوي (الخليل)، محمود السعدي ومحمـد تركمان (جنين)، هؤلاء لم يمهلهم رصاص الاحتلال حتى يتقدموا لامتحاناتهم، لكن سادسهم مجدي عرعرواي (مخيم جنين) الذي استشهد خلال العدوان الأخير، نجح وتفوق بمعدل (90.4) لكنه فضل “الشهادة العليا” على مذبح حرية شعبه ووطنه.
كان المشهد “تراجيدياً” عند والدة الشهيد عرعراوي، التي استقبلت نبأ نجاح وتفوق ابنها الشهيد، فخفت مسرعة إلى ضريحه، لتستقبل المهنئات هناك!.
تقول الوالدة المكلومة: “كان مجدي متفوقاً في دروسه، وكان يطمح لدراسة الهندسة الكهربائية، كي يتمكن من تغيير وضع عائلته، خصوصاً وأنه يتيم الأب، وكنا ننتظر هذا اليوم على أحر من الجمر، كي نفرح بنجاحه، لكن رصاص الاحتلال اطاح بكل أحلامنا”.
وفي منزلها، استبدلت والدة مجدي، ملابسه الجديدة التي كانت قد أعدتها لهذه المناسبة، بتلك المخضبة بالدم التي استشهد فيها، وزينت المنزل بصوره، وأصرت على تقديم الحلوى للمهنئين، قائلة: “مجدي نال الشهادة العليا”.
مساحة إعلانية