عندما اقتحمت القوات الروسية أوكرانيا في فبراير الماضي، ودفعت ملايين الأوكرانيين للفرار حفاظًا على حياتهم، تسابق آلاف الروس أيضًا لحزم أمتعتهم ومغادرة منازلهم خوفًا من أن يغلق الكرملين الحدود ويفرض الأحكام العرفية.
ولطالما عارض البعض تصاعد القيود الداخلية، وكانت الحرب على أوكرانيا بمثابة القشة الأخيرة بالنسبة لهم.
وتنوعت أسباب الهجرة الجماعية من روسيا، فهناك مجموعات غادرت مدفوعة بالمصالح الاقتصادية للحفاظ على سبل العيش أو للهروب من لدغة العقوبات. وفي الخريف الماضي، حفزت التعبئة العسكرية مئات الآلاف من الرجال على الهرب.
وأدت حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا إلى هجرة جماعية تاريخية لشعبه. وتُظهر البيانات الأولية أن ما لا يقل عن نصف مليون، وربما ما يقرب من مليون، قد رحلوا منذ بدء الهجوم.
متظاهر يندد بقرار التعبئة في روسيا (فرانس برس)
ووصفت صحيفة “واشنطن بوست” هذه الهجرة بموجة المد واسعة النطاق، وشبهتها بما حدث بعد الثورة البلشفية عام 1917 وانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
وأضاف التقرير أن المهاجرين سيعيدون تعريف البلاد لأجيال، وربما لا يزال الطوفان في مراحله الأولى، حيث إن الحرب لم تنته بعد.
وسيؤدي أي جهد جديد للتجنيد الإجباري من قبل الكرملين إلى موجة هجرة جديدة، وسط الظروف الاقتصادية المتدهورة والتي من المتوقع أن تتواصل مع استمرار الصراع.
وأدى التدفق الهائل للمهاجرين إلى تضخم مجتمعات المغتربين الروس الموجودة في جميع أنحاء العالم، وخلق مجتمعات جديدة، حيث فر البعض إلى بلدان قريبة مثل أرمينيا وكازاخستان عبر الحدود المفتوحة للروس. وفر البعض ممن يحملون تأشيرات دخول إلى فنلندا ودول البلطيق أو أماكن أخرى في أوروبا.
وغامر آخرون أبعد من ذلك إلى دبي وإسرائيل وتايلاند والأرجنتين، حتى إن رجلين من الشرق الأقصى لروسيا أبحرا بقارب صغير إلى ألاسكا.
وبحسب التقرير، من المستحيل حساب التكلفة المالية لهذه الهجرة رغم كونها ضخمة.
وفي أواخر ديسمبر، أفادت وزارة الاتصالات الروسية أن 10 في المائة من موظفي تكنولوجيا المعلومات في البلاد قد غادروا في عام 2022 ولم يعودوا. ويناقش البرلمان الروسي الآن حزمة من الحوافز لإعادتهم.
لكن كان هناك حديث أيضًا في البرلمان عن معاقبة الروس الذين غادروا من خلال تجريدهم من ممتلكاتهم في الوطن.
ووصف بوتين هؤلاء الأشخاص بأنهم “حثالة”، وقال إن خروجهم من شأنه “تطهير” البلاد على الرغم من أن بعض الذين غادروا لم يعارضوه أو يعارضوا الحرب.
ومع تقييد الحكومة بشدة للمعارضة، وتنفيذ العقوبات ضد من ينتقد الحرب، واجه الباقون في المعارضة السياسية المستنزفة أيضًا خيارًا هذا العام: السجن أو المنفى، واختار معظمهم المنفى، ويتجمع النشطاء والصحافيون الآن في مدن مثل برلين وعواصم ليتوانيا ولاتفيا وجورجيا.
وتقول تمارا إيدلمان، وهي مؤرخة روسية انتقلت إلى البرتغال بعد الهجوم: “هذا النزوح الجماعي ضربة مروعة لروسيا، الطبقة التي كان من الممكن أن تغير شيئًا ما في البلاد تم جرفها الآن”.
وبينما تم احتضان اللاجئين الأوكرانيين في الغرب، تجنبت العديد من الدول المهاجرين الروس وباتت هذه الدول غير متأكدة مما إذا كانوا أصدقاء أم أعداء، وما إذا كانت الدولة بأكملها، على مستوى ما، مذنبة.
ومنعت بعض الدول الوافدين من خلال فرض قيود على الدخول أو رفض منح تأشيرات جديدة، مما أدى في بعض الأحيان إلى نشر الذعر بين الروس الموجودين بالفعل في الخارج، خاصة الطلاب.
وفي غضون ذلك، أدى تدفق الروس إلى دول مثل كازاخستان وقيرغيزستان، اللتين ترسلان مهاجرين إلى روسيا منذ فترة طويلة، إلى حدوث هزات سياسية، ما أدى إلى توتر العلاقات بين موسكو ودول الاتحاد السوفيتي (سابقا) الأخرى. وارتفعت أسعار العقارات في تلك البلدان، وثارت توترات مع السكان المحليين.