عربي ودولي
64
شلل في بريطانيا بسبب أضخم موجة من الإضرابات
اضراب قطاع خدمات الاسعاف البريطاني
لندن – هويدا باز
تعيش المملكة المتحدة حالة من الشلل التام بسبب أضخم موجة من إضرابات موظفي وعمال قطاع الخدمة المدنية منذ فترة رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر، وذلك للمطالبة بزيادة الأجور، مما دفع الحكومة البريطانية إلى الاعتماد بشكل أساسي على الجيش البريطاني للقيام بمهام قطاعات الخدمة المدنية المضربة عن العمل، سواء في المطارات والنقل والسكك الحديدية وسائقي الشاحنات أو قطاع الصحة والإسعاف والبريد وموظفي الحكومة، ووفق مؤسسة « كابيتال إيكونوميست» البريطانية للدراسات الإحصائية فإن المملكة المتحدة قد خسرت نحو 1.5 مليون يوم عمل بسبب الإضرابات خلال شهر ديسمبر الجاري فقط، وهذا الرقم يعد الأعلى منذ يوليو من عام 1989، كما أن أكثر من نصف ساعات العمل الضائعة خلال الإضرابات كانت من نصيب قطاع البريد البريطاني، حيث وصل عدد الإضرابات التي نظمها هذا القطاع إلى أكثر من 10 مرات في الشهر الواحد.
التضخم والإضرابات
مع اشتداد معضلة الأزمة الاقتصادية على مستوى العالم، ومنها في المملكة المتحدة تقع الحكومة البريطانية بين مطرقة التضخم المتزايد والذي وصل أعلى مستوى له منذ قرون، مسجلا 10.7 %، وبين سندان مطالب موظفي وعمال قطاع الخدمات المدنية في جميع أنحاء البلاد والذي حقق خسائر ضخمة بالنسبة للعديد من المؤسسات والشركات العاملة في قطاع الخدمات المدنية، وتسعى الحكومة البريطانية إلى مواجهة التضخم وحماية الأسر البريطانية الأكثر احتياجا خاصة خلال أشهر الشتاء، نظرا لارتفاع أسعار الطاقة والتي تعد المحرك الأساسي للحياة في المملكة المتحدة سواء داخل المنازل أو في الطرقات أو الهيئات الحكومية والخاصة في جميع المناحي، ولا تلوح في الأفق أية بوادر للتوصل إلى حلول وسط لوقف الإضرابات والحد من التضخم المتسارع، حيث يتوقع خبراء الاقتصاد في السوق البريطاني أن هذه الإضرابات سوف تسبب فوضى غير مسبوقة في السوق الداخلي وتراجعا شديدا في الاقتصاد.
رد الحكومة
ورغم تزايد حدة التضخم واستمرار موجة الإضرابات في العديد من قطاعات الخدمة المدنية في المملكة المتحدة، ترفض الحكومة البريطانية تغيير موقفها بعدم الرضوخ للإضرابات، حيث تعهد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بإصدار قوانين أكثر صرامة في هذا الشأن، وأكد أن التحدي الاقتصادي الأكبر الذي نواجهه هو التضخم الذي يأكل من رواتب الجميع، ويجب أن يتم خفضه، ومن ناحيته، ذكر وزير الصحة البريطاني ستيف باركلي أن مطالب النقابات التي تنظم الإضرابات والتي تطالب بتحسين الأجور، لا يمكن أن تتحملها الحكومة في الوقت الحالي، وسوف تحرم الجميع من الخدمات الأساسية التي تحتاج زيادة مالية لتحسينها وسوف تتسبب في مزيد من التأخير على صعيد الرعاية الصحية، وأعرب عن خيبة أمله لاستمرار الممرضين وموظفي الرعاية العاجلة في إضرابهم، موضحا في بيان صحفي أن هذه الإضرابات لا تصب في مصلحة أحد، بل تضر بصحة المرضى، ودعا النقابات الداعية للإضراب إلى إعادة النظر في قرار المضي قدما في مزيد من الإضرابات، وذلك تجنبا لتداعيات أكبر على المرضى، أما وزير الدفاع البريطاني بين والاس فقد ذكر أنه في حين يتواصل المضربون عن العمل في توقف تقديم الخدمات المدنية للمواطنين، يسعى عناصر قطاع الخدمات الجوية والبرية والبحرية للقيام بهذه المهام لمواجهة أية اضطرابات تواجهها قطاعات الخدمات المدنية.
أرقام مؤثرة
تشير أحدث الإحصاءات الصادرة من مكتب الإحصاء الوطني إلى أن مليونا ونصف المليون يوم عمل فقدت خلال الإضرابات في قطاعات الخدمات المدنية خلال شهر ديسمبر وحده، بينما شهد شهر أكتوبر الماضي خسارة 417 ألف يوم عمل خلال الإضرابات، واعتبر هذه الأرقام تشكل أعلى معدل منذ عام 2011، كما أن قطاع الطيران والسفر قد تأثر كثيرا بموجة الإضرابات من قبل حرس الحدود وموظفي المطارات البريطانية، حيث تعرض ما يقرب من ربع مليون مسافر عبر المطارات البريطانية لمصاعب جمة خلال تواجدهم في المطارات نظرا لإضراب موظفي الجوازات مما أصاب هذا القطاع بالشلل التام خلال فترة أعياد الميلاد، وسوف تستمر هذه المصاعب حتى العام القادم لاستمرار الموظفين في إضرابهم، أما الرعاية الصحية فقد تأثرت بشكل كبير بالإضرابات حيث تم تأجيل وإلغاء آلاف المواعيد الطبية، واجلت مواعيد إجراء العمليات الجراحية بسبب إضراب طواقم التمريض والإسعاف، مع استمرار المخاوف من تزايد حالات التدهور الصحي للمرضى، وعلى الطرق السريعة ذكرت شركات التأمين البريطانية أن ما يقرب من 9 آلاف حالة تعطل للسيارات في اليوم الواحد، جرى تسجيلها خلال إضراب عمال القطارات والسكك الحديدية نظرا لاستخدام المواطنين لسياراتهم الخاصة في التنقل بسبب الإضراب، وهذه الأرقام تعتبر نادرة الحدوث، ووفق بيانات شركة «انريكس» للإحصاءات البريطانية، فإن هناك زيادة تقدر بـ 14% لعدد الرحلات التي يقوم بها البريطانيون عن طريق البر لتوقف القطارات بسبب الاضرابات، وذلك مقارنة بالعام الماضي.
القطاعات المضربة
شهدت قطاعات النقل والمواصلات والبريد والشحن والمطارات والمحاماة والتمريض والاستجابة العاجلة والإسعاف موجة إضرابات ضخمة متتالية في المملكة المتحدة، حيث استمر آلاف العمال في قطاعات النقل والبريد وحرس الحدود وموظفي وكالة البيئة في كل من إنجلترا وويلز في موجات متواصلة للإضراب عن العمل للمطالبة بتحسين الأجور، كما نظمت نقابة التمريض إضرابا عاما ومتواصلا لطواقم التمريض والإسعاف للمطالبة ايضا بتحسين أوضاعهم، وشهد قطاع السكك الحديدية والطرق السريعة في بريطانيا استمرارا لحالة الفوضى الشديدة لجميع المسافرين عبر السكك الحديدية وقطارات الأنفاق والطرق السريعة طوال الشهرين الماضيين، فقد تعطلت الكثير من الأعمال التي تقوم بها المؤسسات والشركات البريطانية بسبب حالة الفوضى المترتبة على الإضرابات، وسجلت خسائر لم تشهدها منذ القرن الماضي، ودافع الأمين العام لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل مايك لينتش بأن العمال البريطانيين بحاجة لزيادة في الأجور ويحتاجون الى توفر نزع من الامان وتحسن ظروف الحالة المعيشية، أما قطاع الطيران فقد أضرب أكثر من ألف عامل في جميع مطارات المملكة المتحدة وسوف يستمرون في الإضراب لحين التوصل إلى صيغة لتحسين الأجور، كما تعطلت حركة الملاحة في كثير من الموانئ البريطانية بسبب إضراب عمال الموانئ والنقل البحري.
القوات البريطانية
وفي مواجهة الإضرابات التي اتسعت دائرتها وعمت جميع قطاعات الخدمات المدنية في البلاد، توجهت الحكومة البريطانية إلى الجيش للمساعدة حيث قدمت التدريبات اللازمة لعناصر الجيش كي يحلوا محل المضربين عن العمل في هذه القطاعات، وخصصت أكثر من ألف من القوات الجوية والبرية والبحرية والعسكرية للعمل في المطارات وقطاع شؤون الهجرة والبريد والنقل والمواصلات والقيام بمهام طواقم سيارات الإسعاف والاستدعاء العاجل، وتم تخصيص قيمة مالية إضافية لكل مهمة يقومون بها خلال فترة الإضرابات.
مساحة إعلانية