ثقافة وفنون
14
أحمد الصادق يتحدث لـ «الشرق»
❖ حاورته هاجر بوغانمي
زار المؤثر وصانع المحتوى الأردني أحمد الصادق قطر خلال بطولة كأس آسيا كي يساند منتخب بلاده والمنتخب الفلسطيني قبل مغادرة الأخير البطولة من الدور ثمن النهائي بعد خسارته أمام المنتخب القطري. جاء «أبو الصادق» كما يلقب نفسه في منصات التواصل الاجتماعي، عاقدا العزم على توجيه رسالة للعالم بأن القضية الفلسطينية في وجدان كل عربي، وبأن الرواية الإسرائيلية المضللة، والحرب المسعورة على الأرض وفي العالم الافتراضي هدفها ضرب وحدة الصف العربي تجاه ما يجري في غزة من جرائم حرب وحشية.
شاهد «بو الصادق» كما شاهد العالم بأسره الجماهير في الملاعب وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية وتهتف بشعارات النصر، وتقف دقيقة صمت على أرواح الشهداء في فلسطين. وقبل أن يشد الرحال إلى وطنه الأم، التقته (الشرق) فكان الحديث عن الرسالة التي آمن بها وحملها في وجدانه غير آبه بالتهديدات التي طالته، مثابرا في المزيد من الكشف وإظهار الحقيقة بأسلوبه الذي جذب ملايين المتابعين، فكان هذا الحوار..
– لماذا اخترت أن تزور قطر خلال بطولة كأس آسيا وليس في وقت آخر؟
زيارتنا لقطر كان الهدف منها تشجيع المنتخب الفلسطيني الذي شارك في منافسات كأس آسيا، وأيضا دعم المنتخب الأردني اعتقادا مني بأن لا أحد باستطاعته أن يقدم شيئا لغزة، لذلك نحاول كصناع محتوى أن تكون فلسطين حاضرة في الرياضة والثقافة وغيرها؛ لأن الكيان الإسرائلي يحاول طمس الهوية الفلسطينية في كل المجالات.
– خلال حضورك مباريات البطولة القارية.. كيف رأيت الهوية والثقافة الفلسطينية في الملاعب؟
هناك تعليقات من الذباب الإلكتروني تدعي أن ليس هناك وحدة عربية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وأن هذه القضية ليست همي كمواطن سعودي أو قطري أو إماراتي.. لكننا ندرك جيدا أن القضية في وجدان كل مواطن عربي، وأن العرب جميعهم يحبون فلسطين. اكتشفت في هذه البطولة أن الملعب ليس مكانا لمباراة تدوم 90 دقيقة؛ بل مكان يتجمع فيه أكثر من 40 ألف شخص بإمكانهم أن يوصلوا رسالة للعالم، ذلك هو هدفي، أن يكون تفكير هذه الأعداد الكبيرة من الجماهير على أرض الواقع وليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي مثل تفكيري، وأننا نحب فلسطين وندعمها، وبالفعل هذا ما وجدته في الملعب. كنت أشاهد القطري بجانب الإماراتي والأردني كلهم يدعمون المنتخب الفلسطيني حتى على حساب منتخباتهم، ولله الحمد كانت توقعاتي في محلها، واستطعنا أن نوصل هذه الرسالة إلى العالم عن طريق الصور والفيديوهات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
مقاومة
– هذه المساندة للمنتخب الفلسطيني هي شكل من أشكال الدعم والمقاومة أيضا.. ما أبرز المشاهد التي استوقفتك في هذه البطولة؟
من اللافت أنك عندما تقول إن هناك جالية أردنية كبيرة في قطر حاضرة في الملاعب لمساندة المنتخب الأردني فإن الحضور الجماهيري كبير بلا شك، لكن في مباريات المنتخب الفلسطيني كان العدد يفوق 40 ألف متفرج وهو ما يؤكد أن الجالية الأردنية والعربية كانت حاضرة لدعم المنتخب الفلسطيني قبل مغادرته البطولة.
الجميع كان يصور ويوثق تلك المشاهد وينشرها على السوشيال ميديا سواء كان هذا الشخص مؤثرا أم مستخدما عاديا، وبالفعل ليس شرطا أن تكون مؤثرا معروفا على السوشيال ميديا ولديك ملايين المتابعين حتى تنشر عن القضية الفلسطينية. يمكن أن يكون شخصا عاديا يشارك في نشر مقاطع الفيديو والصور التي تؤكد وحدتنا ودعمنا للقضية. لفت انتباهي أيضا الأعداد الكبيرة من الجماهير التي كانت ترتدي الكوفية الفلسطينية، والبعض كان يرتدي الزي الفلسطيني وهو ما يؤكد هذا الدعم الذي تحدثت عنه.
– هذه الرحلة في مجال صناعة المحتوى ما الذي قادك إليها كي تكون اليوم أحد أهم صناع المحتوى في الوطن العربي؟
الهبوط المفاجئ في الحياة الواقعية هو الذي دفعني كي أكون صانع محتوى. كنت شخصا ناجحا في مشروعي الخاص، وخلال جائحة كورونا توقفنا عن العمل لمدة ثلاثة أشهر واستيقظت على واقع مخيف بعد أن دُمر مشروعي بكامله وخسرت تجارتي. تأكد لدي أن العمل في الحياة الواقعية انتهى، وأن الوقت قد حان كي أخوض تجربة أخرى ولكن هذه المرة في العالم الافتراضي، أن يكون عندي عمل عن بعد يكون مصدر دخل ثابت، لأنك تتعامل مع شركات كبيرة (فيسبوك، إنستجرام، يوتيوب، وغيرها) وهو ما يجعل الوضع أكثر أمانا ماديا، وهذا ما دفعني كي أخوض التجربة.
محتوى
– كيف غذيت هذه التجربة في البداية؟ هل كانت لك مرجعيات معينة للانطلاقة؟
بصراحة لم تكن لدي أي مرجعيات. كنت أريد أن أكون صانع محتوى، وكانت التجربة أو فكرة التجربة نفسها هي التي تدفعني. عندما بحثت واطلعت عرفت أن واحدا من أسباب النجاح أن تحدد هدفك ونوع المحتوى الذي ستقدمه والذي تحبه لأنك إذا لم تحب المحتوى الذي تقدمه سيأتي يوم تمل من التصنع.
جربت أكثر من نوع من المحتوى وفشلت حتى وصلت إلى هذا النوع الذي أقدمه والذي كان غائبا عن بالي وكنت مبدعا فيه؛ فقلت في نفسي لماذا لا أخوض التجربة أمام الكاميرا، وكانت البداية بخبر عن حالة غريبة حدثت في الهند حيث توفيت عروس يوم زفافها فقرر العريس أن يتزوج أختها وشرحت هذا الموضوع، فإذا بالفيديو يحقق 5 ملايين مشاهدة خلال ثماني ساعات.
من هنا كانت الانطلاقة، كوّنت فريقا وبدأنا البحث عن القصص الغريبة في العالم، ووجدت العديد من القصص التي لم يتم تسليط الضوء عليها. كنت أحكي هذه القصص، وكنت حريصا على أن أنطق أسماء الشخصيات نطقا صحيحا مهما كانت جنسياتها فالجمهور تعوّد على أن أقدم له معلومات صحيحة، وتطورت في هذا الموضوع إلى أن أصبح لديَّ اليوم 6 ملايين متابع على وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى غاية 7 أكتوبر الماضي تحولت إلى الحديث عن أغرب قصة نعيشها اليوم. نحن تعبنا من التشدق في دول الغرب بحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الحيوان وحقوق البيئة، أين هذا الكلام مما نراه في غزة؟! أين حقوق الطفل الفلسطيني الذي يموت في الشارع؟! أنا لست إنسانا إذا لم أسلط الضوء على مثل هذه المشاهد المرعبة.
في لحظة من اللحظات نشروا صوري في الكيان الإسرائيلي وكتبوا عليها بالعبرية إني أزوّر التاريخ لأني أوجعتهم خلال شرحي للحقائق التي أسردها، وكشفت سبب دعم الغرب للكيان المحتل لأنه لا يريده أن يعود إليه، هذه هي الحقيقة التي على العالم أن يعرفها وقد عرفها.
– منذ 7 أكتوبر وحتى وقت قريب حدثت طفرة في المحتوى الإلكتروني، ثم صارت غربلة لهذا المحتوى… كيف استطعت أن تحافظ على حضورك ومتابعيك؟
من يقدمون محتوى عن القضية الفلسطينية موجودون منذ سنوات، ولكن 7 أكتوبر سلط الضوء علينا. كان الناس يتابعون محتوى بلا معنى ولا قيمة، ومع مشاهد القتل والدمار التي لا يتحملها إنسان صارت هناك شرارة لمعرفة المزيد. هناك جمهور أصبح يطالب صانع المحتوى بأن تكون لديه توجهات سياسية، وهناك جمهور يطالبني بأن أحرك القرارات السياسية. وقد قلتها مرارا: أنا لست سياسيا بل صانع محتوى، وظفت منصاتي كي أحكي عن حق في زمن قل فيه من يتحدث عن الحق.
مفاهيم
– من يعيش على أرض الواقع ليس كمن يشاهد.. كيف تابعت صناع المحتوى الذين ينقلون الحقيقة من غزة وهم معرضون في كل حين للاستهداف؟
ما فعله هؤلاء الشباب عمل بطولي لا يستطيع أحد أن يقدمه. ومن لا يعلم فإن صناعة المحتوى تحتاج إلى راحة بال وتجهيز وتحضير وتحتاج إلى بيئة مساعدة، لكن عندما تحمل نفسك على كفك وتركض بين الأشلاء والدمار وتحاول أن تفضح جرائم الكيان الصهيوني والظلم الواقع عليه وفي نفس الوقت تتعاطى مع الجمهور وترد على التعليقات وتحاول أن تحافظ على منصتك من محاولات الاختراق فذلك منتهى التعقيد والصعوبة. كم مرة أغلقوا صفحة صالح الجعفراوي أو معتز عزايزة أو غيرهم، ولك أن تتخيلي كمية المصاعب التي يواجهها صانع المحتوى الفلسطيني ورغم ذلك هو مستمر، لذلك أقول عنهم إنهم أبطال.
– هل تعرضت إلى تهديدات مباشرة أو غير مباشرة؟
وصلتني تهديدات بالقتل والرسائل موجودة على هاتفي، وهي تهديدات من أشخاص وحسابات غير معروفة، لأنهم يريدونك أن تتوقف عن تقديم هذا المحتوى الذي يفضح الكيان الصهيوني. لكنهم لا يعلمون أن تراب الكرة الأرضية أصبح يكره هذا الكيان الصهيوني.
– هل دفعتك تلك التهديدات إلى تخفيف حدة الكشف؟
الخوف غريزة في الإنسان وفي لحظة من اللحظات خفت، لكني سألت نفسي: ما الفرق بيني وبين ذلك الطفل الفلسطيني الذي استشهد؟ لماذا هم يموتون ونحن لا؟ كان لابد أن يكون السؤال: لماذا لا يعيشون مثلما نحن نعيش؟ اليوم صار السؤال: لماذا لا نموت مثلما يموتون؟ كل المفاهيم تغيرت بعد 7 أكتوبر، والتهديدات التي وصلتني معناها الحقيقي أن الرسالة وصلت، وأني أوجعتهم مثلما هم أوجعونا، وهناك عدد كبير من الشباب يقول لك الموت لا يعنيني مثلما كان قبل 7 أكتوبر.
مساحة إعلانية