محليات
180
حوار: محمد علي المهندي
ضيف مجلس الشرق الباحث عبدالرحمن بن عبدالرحمن السنيدي، عاشق وهاوٍ ويحرص على جمع المقتنيات ولديه متحف يضم أجهزة التكنولوجيا والحاسوب الآلي، وأقام عدة معارض تتعلق بالأجهزة القديمة لتطور التكنولوجيا والحاسوب الآلي، بدأت رحلته مع الحاسب الآلي في أواخر عام 1989، وبدأ في جمع مقتنيات الحاسب في حوالي عام 2010، ولديه حوالي أكثر من (600) قطعة من برامج وأجهزة ومجلات وكتب، كما توجد بمكتبته عدة مجلات وكتيبات تؤرخ نشأة التكنولوجيا منذ نشأته، قام بتأليف الجزء الأول من كتاب (المتاحف والمكتبات الخاصة في قطر)، والده من أوائل المطاوعة (المعلمين) الكتاتيب الذين فتحوا لهم مدارس لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم في حكم الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني وتخرج على يديه العديد من طلبة العلم الذين قادوا مسيرة النهضة في قطر، الشرق كانت في مجلسه العامر بالغرافة وكان هذا اللقاء.
ولادتي بالقرب من مسجد الشيوخ
ولادتي كانت في مشيرب عام 1960 مقابل مسجد الشيوخ، مكان متاحف مشيرب حالياً، وقد تمت ولادتي بعد وفاة الوالد، وقد سميت على اسم والدي، وبعد وفاة الوالد انتقلنا إلى بيت جدي من والدتي الذي يقع عند مسجد أبوالقبيب، وكان خالي يعمل في الإطفائية بشركة النفط بإمسيعيد، ثم انتقلنا في بداية سبعينيات القرن الماضي إلى فريج بن محمود، وهناك دخلت أدرس في روضة الجيل الجديد التي تقع بالفريج، ثم انتقلت للدراسة في مدرسة طارق بن زياد الابتدائية، وأتذكر (السد) الذي بني لكي يمنع دخول مياه الأمطار إلى الدوحة، وأذكر عندما يفوتنا الباص للذهاب للمدرسة كنا نعبر ونصعد على السد مع زملائي الطلاب ونحن سعداء بذلك، ويقال إن الذي أشار عليهم ببناء السد هو جاسم الدرويش.
ودرست المرحلة الإعدادية في مدرسة علي بن أبي طالب الإعدادية، ثم أكملت دراسة الثانوية في مدرسة أحمد بن حنبل الثانوية.
والدي افتتح مدرسة السنيدي
والدي عبدالرحمن السنيدي كان يتنقل بين قطر والسعودية، واستقر في قطر بداية ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك في عهد الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني، وكان رجل علم ودين وافتتح له مدرسة (كتاتيب) باسم السنيدي وهي عبارة عن غرفة في نفس بيتنا، وكان يعلّم فيها الطلبة تحفيظ وقراءة القرآن الكريم، كما كانت زوجة أبي عاشة الدرهم تدرس البنات. ودرس على يديه شخصيات كثيرة من أبناء الشيوخ والمواطنين أذكر منهم عميد الصحافة القطرية الآن الأستاذ ناصر محمد العثمان، ورجل الأعمال يوسف بن جاسم الدرويش وأخوه أحمد، والسفير المرحوم جاسم جمال والفنان التشكيلي المرحوم جاسم زيني والمرحوم عبدالرحمن المعضادي مدير إذاعة قطر وجاسم حسين بوعباس وغيرهم، كما كان يستضيف في مجلسه بعض علماء ومشايخ الأزهر الذين كانوا يأتون لقطر في شهر رمضان في أواخر خمسينيات القرن الماضي.
وكان الوالد يعمل إماما وخطيبا في مسجد الشيوخ بالقرب من قصر الحاكم، وكان قريباً جداً من الحاكم، وكان في بعض الأحيان يخط ويكتب بعض كتب (رسائل) الحاكم عبدالله بن جاسم آل ثاني في تلك الفترة.
عملت بالإذاعة بوزارة الإعلام
أذكر بعد إنهاء دراستي الثانوية، درست لمدة سنتين في معهد الإدارة ثم اتجهت إلى سوق العمل وجذبتني إذاعة قطر لأن أخي الأكبر عبدالهادي كان يعمل موظفاً بالإذاعة، وكان يومها المرحوم الأستاذ عبدالرحمن بن سيف المعضادي مدير الإذاعة ويسكن في فريج بن محمود، وهو من المعاصرين للوالد ودرس عنده، وتقدمت للعمل في الإذاعة في إدارة الشؤون الإدارية، وتدرجت بالعمل حتى تقاعدت عن العمل عندما وصلت إلى سن التقاعد، وأصبحت لي علاقات كثيرة مع المثقفين والمذيعين والعاملين في الإذاعة وكانت مسيرة حافلة بالعطاء.
حادثة التسمم في الستينيات كانت كارثة !!
من الذكريات المؤلمة هي حادثة التسمم التي وقعت في قطر وذلك يوم السبت الثالث من يونيو من عام 1967 من القرن الماضي وراح ضحيتها العديد من المواطنين والمقيمين، كنت أسمع أصوات هرن (زمامير) سيارات الإسعاف وهي تنقل المصابين إلى مستشفى الرميلة القريب من فريج بن محمود مكان سكني ـ وقد كانت الناس تعتقد بأن سبب التسمم هو الماء، وقد أصيب الناس بالخوف والهلع، خاصة بعد أن كثرت الحالات ولم يعرف السبب وأصبحت كارثة ودب الرعب في أنحاء قطر لدرجة أن البعض غادر البلاد خوفاً من الإصابة بالتسمم، وقد ذكرت قصة التسمم في قطر الدكتورة (فاي جوتينج) الأسكتلندية في كتاب أيادي الشفاء في قطر (حكاية الأندرين) الذي يحكي قصة الطب في قطر، وقد كانت موظفة في مستشفى الرميلة، حيث ذكرت قائلة: “رن الهاتف في مكتبي حوالي الساعة السابعة والنصف وتم استدعائي على الفور للحضور إلى مستشفى الرميلة وكنت في عيادة السل في مستشفى الدوحة، وذلك بسبب زيادة عدد حالات المرضى الذين أصيبوا بحالة تسمم وفقدان الوعي، والبعض أصابهم الصرع والتشنج وحالة غثيان وكان عددهم حوالي أكثر من (552) مصابا ووفاة (7) حالات، وكان الناس يظنون بأن السبب هو ماء الشرب، وأسرعت الإدارة العامة لمصلحة المياه في تلك الفترة إلى استدعائي إلى اجتماع مع الشرطة والفنيين وكان المهندس أحمد الجتال معنا، وتم فحص مياه الشرب، وقد تم عمل تجربة إسقاء بعض الكلاب وذلك بغية الحصول على نتائح فورية، ولم يظهر على الكلاب أذى وتنفسنا الصعداء، وأثبتنا أنه ليس من مياه الشرب، وبعد التحقيق مع بعض الحالات استنتجنا بأن المشكلة في الطحين لأن أغلب الذين تناولوا الخبز أصيبوا بالتسمم، في آخر اليوم وجدنا أن بعض الطيور والحمام والبقر وبعض الحيوانات نفقت وبعد أن عرفنا أن السبب يعود لأكلها من الخبز المسمم الذي كان في الزبالة، واتصلنا بشركة أرامكو بالسعودية وطلبنا الاستعانة بخبراء لفحص المرضى وعينات الطحين وتشريح بعض جثث المرضى، وأثبتت الفحوصات وجود مواد سامة وهي (كلوريد الهيدروكاربون).
وبعد مرور شهر على الحادثة بتاريخ 2 يوليو 1967 وقعت حادثة تسمم أخرى مماثلة بسبب ما تبقى من الطحين الملوث وقد وصل عدد المصابين أكثر من (170) حالة، وكان عدد الوفيات كبيراً في هذه الحادثة حوالي (17) حالة وفاة، وبعد التحقيق عرف السبب وهو ما تبقى من أكياس الطحين الملوّث.
سفينة التسمم قادمة من هيوستن!
ويروى عن قصة التسمم بأن السبب كان سفينة قادمة من هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية وقد فرّغت بعض حمولتها في عدد من الموانئ بالخليج، وكان عليها شحنة طحين إلى قطر، وكذلك كانت هناك شحنة براميل تحتوي على مبيدات حشرية إلى ميناء خرم شهر الإيراني، وكانت إيران تستورد (مادة الأندرين) لاستخدامها في مكافحة دودة القطن، وتم اكتشاف أن بعض البراميل كانت فارغة حيث تسربت المواد الكيماوية التي كانت موضوعة في البراميل إلى شحنة أكياس الطحين المرسلة إلى قطر التي أصابها التلوث وتسمم الطحين، وعندما وزع على المخابز لم يكن أحد يعلم بالقصة، لأن كمية المواد السامة كانت مبيدة، وبعد معرفة السبب أنه التلوث فقد تم سحب الطحين، وقامت قطر في تلك الفترة بإرسال سعادة علي الأنصاري برفقة الدكتور حسن المعارجي للاستفسار لدى سلطات ميناء خرم شهر، وأكد الجميع في الميناء أن هناك أربعة براميل وصلت فارغة من محتواها، وهذا ما أكد أن الطحين كان ملوثاً، وقد تم حرق (50) ألف كيس حرقاً كاملا، وقامت قطر بواجبها في دفع تعويضات لأقرباء جميع الذين ماتوا بسبب التسمم، فقد مات حوالي 22 شخصا، وقد أكد المسؤولون بقطر بأن الحادثة لن تتكرر، وبعده قد تم إنشاء شركة مطاحن الدقيق القطرية كما وعد بذلك المسؤولون، ولم تتكرر تلك الحادثة.
حكايتي مع هواية الكمبيوتر
بتشجيع من زميلي وليد العبيدلي (رحمه الله) الذي درس إدارة المستشفيات بأمريكا، ولديه إلمام كبير بالحاسوب وشهدت تلك الفترة (فترة الثمانينيات) طفرة وانتشارا للكمبيوتر في أمريكا والعالم، وكان للعبيدلي دور رئيسي في شغفي بالحاسوب الآلي، وقد أحببت الكمبيوتر واشتريت أول جهاز (صخر) المعرب، وفي عام 2010 بدأت بجمع وشراء المقتنيات التي تتعلق بالحاسوب الآلي، بالإضافة إلى تزويدي
من قبل بعض الشباب وأصدقائي، وكنت أشتري بعض المقتنيات من الخارج، وأصبح لديَّ متحف في بيتي يضم العديد من القطع والمقتنيات التي جمعتها خلال مسيرتي مع هواية جمع واقتناء أدوات ومعدات الحاسوب، ولديَّ أكثر من (600) قطعة ما بين أجهزة وبرامج ومطبوعات، وكلها مخزنة وموثقة بالصوت والصورة، وسيكون لديَّ صالة عرض قريباً بإذن الله.
كان السوق التجاري في طابق الميزانين في فندق السوفوتيل المقر الرئيسي لهواة ومحترفي هذا الجهاز، بالإضافة إلى محلات أخرى تبيع الحاسب الآلي في شارع الكهرباء والسد وأذكر كنت أذهب يومياً بعد العصر إلى مجمع (السوفوتيل) الذي يضم مجموعة من محلات الكمبيوتر، ونتجمع مع الأصدقاء هناك في محل عالم الكمبيوتر لأن صاحب المحل زميلنا وكذلك نستفيد من الأمور الجديدة وآخر المستجدات التي تطرأ على عالم الكمبيوتر، وكلما تعلمت ازددت شغفاً بالكمبيوتر، كما قمت بعمل معرضين خاصين بالحاسوب الآلي يعرض فيه كل ما يتعلق بالكمبيوتر الأول كان في عام 2015 في كتارا وشهد إقبالا جماهيريا، كما كان المعرض الثاني في الحي الثقافي (كتارا) أيضاً وكان أكبر وزاد عدد المعروضات واستمتعت الجماهير بالمعروض من المقتنيات، وكذلك كانت لي مساهمات بالتعريف بالحاسوب وذلك من خلال إقامة المحاضرات في نادي الجسرة وكتارا وغيرها، وامتد نشاطي لإقامة عدة محاضرات في المدارس تتعلق بالحاسوب الآلي ولاقت إقبالا كبيراً واستفاد الطلبة من تلك المحاضرات وكانوا متفاعلين.
قصة الحاسوب الآلي
ومن شغفي بالكمبيوتر فقد قرأت عنه كثيراً، وأصبح ضمن مجالات اهتمامي، وقد تتبعت رحلته منذ نشأته كآلة حاسبة على جهاز الاباكوس، في ثلاثينيات القرن الماضي تم صنع الحاسب الإلكتروني وكان أول استخداماته في الحرب، في الخمسينيات بدأ استخدام الجهاز في مجال الإدارة، وبريطانيا هي أول من استخدمه في الإدارة. وبدأ تعريب الحاسب الآلي منذ ستينيات القرن الماضي بواسطة مجموعة من العلماء العرب المتواجدين في جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية واتفقوا مع شركة IBM لعمل كمبيوتر معرّب، وفي السبعينيات برز الكمبيوتر الشخصي، وفي السبعينيات نشطت حركة التعريب وتبعه التطور في الثمانينيات، وكان التعريب يتم في أكثر من بلد، والماكنتوش سبقت الوندوز في التعريب، وكان سعره غاليا جداً في بدايته، ولكن لما عربت مايكروسوفت نظام التشغيل الخاص بها (ويندوز)، بدأت الأسعار في الانخفاض.
أما في قطر فأول من استخدم الحاسب الآلي على مستوى الحكومة كما ذكر لي سعادة صالح بوداوود المهندي هي وزارة المالية لأنها تعد رواتب موظفي الدولة وكان المسؤول عنها هو السيد داوود فانوس مدير إدارة شؤون الموظفين في تلك الفترة، ثم تبعتها وزارة البلدية. أما على مستوى الشركات الخاصة، فهي شركة الدرويش. وأول شركة خاصة لبيع الحاسب الآلي فهي شركة قطر لخدمات الكمبيوتر ثم الكمبيوتر العربية، وكان ذلك في سبعينيات القرن الماضي.
لولا احتلال الكويت لكان لصخر شأن آخر !!
شركة صخر لها دور كبير في تطوير التعريب وسهلت الأمر، ولكن بعد احتلال العراق للكويت في عام 1990 تم إغلاق مكتب صخر الذي يترأسه محمد الشارخ الذي كان مسؤولا عن تعريب صخر بالكويت التي لها ثلاثة مكاتب الإدارة بالكويت والتعريب كان يتم في مكتب القاهرة الذي يقوم بإرسال البرنامج لمكتب الشركة في اليابان وهناك تقوم شركة ياماها باليابان بتجهيزه على أشرطة كاتردج، ثم ترسل للدول العربية، ولما أغلقت الشركة بالكويت أبوابها وهاجر معظم المبرمجين إلى أمريكا وهناك استقبلهم (بيل غيتس) جاهزين واستفاد من خبراتهم لتعريب برنامجي ويندوز وأوفيس.
ومن القطريين يعتبر الدكتور عبدالله بن سالم المناعي (رحمه الله) أول من قام بتأليف الكتب التي تتعلق بالحاسوب الآلي، وكان يعمل في جامعة قطر، فقد صدر له كتابان الأول بعنوان ثقافة الكمبيوتر في عام 1996، والثاني أيضاً ثقافة الكمبيوتر وصدر عام 2004، وله دور كبير كذلك بإصدار أول مجلة قطرية متخصصة هي (الكمبيوتر للجميع) فقد صدر العدد التجريبي في سبتمبر من عام 1991، ثم تلاه العدد الأول وصدر في 15 سبتمبر من عام 1991 م ويرأس تحريرها فريد القصيبي وقد صدر منها عددان فقط ثم توقفت !!.
صدر لي كتاب والبقية تحتاج للدعم
خلال مسيرتي مع البحث في التاريخ القطري صدر لي كتاب المتاحف والمكتبات الخاصة بقطر (الجزء الأول) وذلك عن طريق الحيّ الثقافي كتارا، وأنا أعكف حالياً على تكملة الجزء الثاني من نفس الكتاب، كما أن لديَّ كتاب عن تاريخ نشأة التكنولوجيا في قطر (تحت الطبع)، لم تتم طباعته حتى الآن بسبب التكلفة المالية لأنه كبير وفيه مقابلات ومعلومات هامة تتعلق بنشأة التكنولوجيا في قطر، وأغلب صور الكتاب من تصويري لأنني كنت عضوا في جمعية قطر للتصوير واستفدت خبرة وتعلمت التصوير.
أمنيتي أن يكون هناك متحف للتكنولوجيا في قطر
وفي الختام شكراً لكم على هذا اللقاء، وأتمنى أن يتم إنشاء متحف خاص بالتكنولوجيا يوثق ويحكي قصة بداية التكنولوجيا في قطر بدءا من مطار دخان وام سعيد أيام شركات النفط يوثق دخول التلغراف وغيرها أسوة بالمتحف الرياضي الأولمبي ومتحف قطر للسيارات وغيرها، ويخلد للأجيال القادمة قصة دخول التكنولوجيا إلى قطر ليكون جزءاً من التاريخ، وأن يكون قبلة للسياح والزائرين إلى دولتنا الغالية قطر. وفي الختام أشكر جريدة الشرق الغراء على هذا اللقاء.
مساحة إعلانية