تكنولوجيا
16
الدوحة – قنا
أكد عدد من الخبراء في مجالات التكنولوجيا والآداب والفنون أنه على الرغم من التطور شبه اليومي في برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي فإنه ليس بالإمكان التخلي عن المبدع البشري.
وقال الخبراء في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية/ قنا/ : إن برامج الذكاء الاصطناعي تساعد على إنشاء أعمال إبداعية من كتابة قصص وروايات وأشعار ولكن لا يمكن أن تصل إلى قدرة العقل البشري، فهي يمكن أن تساعد في إعداد محتوى نصي بأنواعه المتعددة سواء كانت نصوصا موجهة للمنصات الاجتماعية أو الأبحاث العلمية أو المقالات والمدونات وغيرها الكثير لكنها لن تلغي وجود المبدع البشري.
ومع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي، فإنه وفقا لأحدث الدراسات قد تم دعم هذه البرامج باستخدام قواعد البيانات النصية من الإنترنت، بما في ذلك الكتب والمجلات ونصوص ويكيبيديا، حيث تم إدخال 300 مليار كلمة في النظام ، ويمكن لواحد من أشهر برامج الذكاء الاصطناعي/ تشات جي بي تي /عند الطلب أن يقدم نصا يبدو وكأنه كتب من قبل كاتب بشري، ولعل من أهم النماذج التي تؤكد نجاح برامج الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية ما ذكره كاتب الخيال العلمي الكندي تيم باوتشر في صحيفة /نيويورك بوست/، أنه تمكن من تأليف 97 كتابا صغيرا في أقل من عام اعتمادا على برامج الذكاء الاصطناعي .. هذا التطور الهائل في تقنيات برامج الذكاء الاصطناعي وإنتاجها، جعلنا نطرح السؤال عن الآثار السلبية لمثل هذه البرامج وتأثيرها على الكتابة سواء الإبداعية أو البحثية، وكذلك على التصميم والفنون المختلفة.
وأوضح الدكتور أحمد عبدالعالي كبير مهندسي البرمجيات بمعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن نماذج الذكاء الاصطناعي عن طريق تدريب الحاسوب بخوارزميات تعلم تستخدم بيانات ذات أحجام كبيرة جدا ، هذه البيانات تحوي كل محتوى الإنترنت بالإضافة إلى الكثير من الكتب المرقمنة، وتقوم هذه النماذج الإحصائية أو التي تستخدم الشبكات العصبية بنوع من تذكر الأساليب البيانية والتراكيب اللغوية ومنه تقوم بنوع من حفظ هذه المعلومات، مضيفا أنه “في حالة توليد هذه النماذج تقوم باستخدام المعلومات التي تم تخزينها وبالتالي لا يمكن وصف هذه النماذج بالذكاء”.
وأشار إلى أنه على الرغم من قدرة هذه النماذج على التذكر وكذلك التفاعل لكن لا يخرج عن نطاق ما هو مألوف ومن هنا لا يمكن وصف مخرجات هذه الخوارزميات بأنها إبداع، مضيفا “قد يعترض الكثيرون على هذا ويستشهدون بأمثلة نحو اللوحة Portrait of Edmond de Belamy (2018) التي بيعت بأكثر من 432 ألف دولار، ولكن هذه اللوحة كانت نتيجة تدريب أحد نماذج الشبكات العصبية باستخدام أكثر من 15,000 لوحة فنية بين القرن الخامس عشر والقرن العشرين، لكن على النقيض من هذا فإن هناك قدرة لهذه الخوارزميات على توليد أفكار جديدة لم يسبق للكاتب أن خمنها من قبل. فبمساعدة خوارزميات التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات النصية لتحديد الأنماط والموضوعات، حيث يمكن أن تولد أفكارا جديدة لقصص وروايات ربما لم ترد على ذهن لكاتب بشري.
وتابع عبدالعالي، أن برامج الذكاء الاصطناعي ستظل المساعد الوفي للباحث في الموضوعات العلمية لمساعدته في ترتيب أفكاره وإخراجها في قالب متناسق، لكن الباحث لابد أن يقوم بالتجارب واستخلاص نتائجها، فيما يتم الاستعانة بهذه البرامج في المجال الأدبي لتحسين الكتابة أو تسريع عملية الكتابة والإخراج، لافتا إلى الكثير من التقنيات والنماذج نحو:LLaMA (Meta)) ، (Alpaca (Stanford University، GPT4All Nomic.ai ،BLOOM BigScience، Cerebras-GPT Cerebras، GPT-J EleutherAI، مبينا أن هذه البرامج مفتوحة المصدر أي أن جميع المعلومات التي استخدمت في تدريبها متاحة ومتوفرة للجميع، وأغلبها تستخدم طرقا متشابهة، وربما تختلف في حجم البيانات المستخدمة وكذلك فترة التدريب وهندسة الشبكة العصبية وعدد المعاملات المستخدمة.
وأكد كبير مهندسي البرمجيات بمعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة في ختام تصريحه لـ/قنا/ أن الكتابة العلمية مضبوطة بقواعد كثيرة منها التبسيط والمنهجية، وأن النماذج العصبية تستخدم في نحو هذه المجالات العلمية كأداة مساعدة لا أكثر، وهذا هو نفس الوظيفة بالنسبة للمجال الأدبي، فالإنسان هو مصدر الإبداع والإلهام الذي يستطيع استخدام هذه الأدوات والاستعانة بها لإخراج أعمال جديدة ذات مستوى راق، مبينا أن الاعتماد الكلي على هذه النماذج سيحد من الإبداع فلا مناص من أن يكون الإنسان عنصرا داخل هذه المعادلة وبدونها ستكون حلقة الإبداع فارغة. فالإنسان بخياله الذى يتعدى الحاضر وبقدراته على استشراف المستقبل يمكن أن يدفع عملية الإبداع إلى مستويات غير مسبوقة ولا يمكن للآلة القيام بهذا البتة.
ومن جهته قال المهندس شادي حداد مدير حلول البيانات والذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت الشرق الأوسط في تصريح مماثل لـ /قنا/ إن الذكاء الاصطناعي يلعب دورا محوريا في حل التحديات الاقتصادية المعقدة وإحداث نقلة نوعية للعديد من الأعمال وتحسين أداء المؤسسات وتجربة العملاء، وتطوير إمكانات التنبؤ والتخطيط ، كما تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل والمكاتب المنزلية، والمؤسسات الأكاديمية، ومختبرات الأبحاث ومرافق التصنيع في جميع أنحاء العالم، وتساعد في تحسين وتعزيز حياة كافة فئات المجتمع بدءا من الطلاب والمعلمين وصولا إلى المزارعين ومطوري البرامج ومتخصصي الأمن، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي شمل العديد من المجالات مثل الطاقة، والرعاية الصحية، والخدمات المالية، والتعليم وغيرها.
وأردف أن العالم شهد ثورات تكنولوجية متسلسلة مع إطلاق أجهزة الكمبيوتر والهواتف المتنقلة والهواتف الذكية والانترنت والسحابة والتي ساهمت كل منها بتغيير عالمنا وأعمالنا وحياتنا، وكذلك هي ثورة الذكاء الاصطناعي، والتي ستنقل بدورها عالمنا إلى حقبة تطويرية جديدة لم يسبق لها مثيل،موضحا أنه مع التطور السريع في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية التي تطلق العنان لمزيد من الاحتمالات لتعزيز البحث ورفع الإنتاجية وتسهيل الابتكار والإبداع.
وأضاف المهندس شادي حداد أن الحقبة التالية من الذكاء الاصطناعي ستشهد نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة وتساعد في مهام مثل تلخيص المحتوى وإدارة المستندات وتبسيط تدفقات المبيعات، ويمكن أن تمتد إلى مجالات مثل تصميم جزيئات جديدة للأدوية أو كتابة نصوص أو رسم صور أو تأليف قطع موسيقية أو حل رموز أو تنفيذ مقاطع فيديو، مؤكدا أن شركة/مايكروسوفت/ تدرك أن الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة في مستقبلنا وسيغير مجرى حياتنا وعملنا اليومي، ولذلك من المهم جدا أن يتم استخدامه بطريقة أخلاقية ومسؤولة. وقد تم تصميم سياسات ولوائح مايكروسوفت في مجال الذكاء الاصطناعي بطريقة تراعي وتتماشى مع الأطر التنظيمية للاستخدام المسؤول والأخلاقي لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتحدث مدير حلول البيانات والذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت الشرق الأوسط، عن اهتمام الشركة بالذكاء الاصطناعي حيث تمتلك الشركة عقودا من الخبرة في أبحاثه، ففي عام 2019، تم عمل شراكة مع OpenAI وهو مختبر الأبحاث الذي يقف وراء روبوتات الدردشة “تشات بوت” و”تشات جي بي تي”، وكذلك منشئ الصور “دال- إي 2” (Dall-E2) الذي يحول المطالبات اللغوية إلى صور جديدة.
كما استعرض العديد من البرامج التي اعتمدتها الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث اعتمدت قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة من OpenAI ضمن منتجاتها وخدماتها، مثل إصدارات مطورة من: متصفح “إيدج Edge” ونظام البحث “بينغBing ” اللذين يعملان معا كمساعدين شخصيين مدعومين بالذكاء الصناعي، وأداة Bing Image Creator الجديدة التي تسمح لمستخدمي بحث “بينغ” الجديد المزود بتقنيات الذكاء الصناعي Bing Chat أو متصفح “إيدج” إنشاء صور مبتكرة بمختلف أنواعها من خلال نصوص وصفية.
وحول انعكاس برامج الذكاء الاصطناعي على الإبداع في مجال الأدب قال الروائي والأكاديمي القطري الدكتور أحمد عبدالملك، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ إن التطور في جميع مناحي الحياة جزء من الحتمية التاريخية لتطور الإنسان عموما، ودخول التكنولوجيا في العملية الإبداعية كان وما زال حاضرا في ذلك، فنجد الأغنية على سبيل المثال دخل عليها التطور التكنولوجي منذ عشرة أعوام وصارت تنفذ في أيام قلائل وبدقة كبيرة، مهما اختلفنا على مدى وجود الإحساس الصادق فيها.
وأضاف أن سماح النقاد بادخال التكنولوجيا ومنها الذكاء الاصطناعي في الأعمال الإبداعية لم يعد أمرا يحكمه النقاد، في ظل واقع سيطرة التكنولوجيا على مصائر الناس، لذلك ظهرت الرواية الإلكترونية منذ سنوات عدة، وتقبلها النقاد، وإن عارضها بعضهم.
وتابع قائلا: “أنا مع أي تطور في أي مجال، وفي مجال الرواية ظهرت الطائرة، وسفن الفضاء، والغواصات وآلة الزمن… وغيرها من مخرجات التكنولوجيا وتقبلها الناس والنقاد، كما أرى وجود تأثير لتقنيات الذكاء الاصطناعي على القدرات الإبداعية فهي تفتح الآفاق للكاتب المبدع، وليس الكاتب الجامد، الذي يدخل الذكاء الاصطناعي كنوع من مجاراة الزمن، أو ليكون سباقا في هذا المجال، موضحا أن الكاتب المبدع يجاري الزمن، معتمدا على تجربته الأساسية وهي أن الرواية فن إبداعي في المقام الأول، وليس نحتا في قوالب جامدة، أو حشرا لأفكار سطحية لا تلامس فكر وذائقة المتلقي.
وشدد الروائي أحمد عبدالملك على أن تقنيات الذكاء الاصطناعي غير قاتلة للإبداع طالما استخدمها مبدعون، وليس دخلاء على المجال الروائي، أما عن اكتشاف الفروق بين إنتاج الموهبة الفطرية وبين الإنتاج الصادر عن مثل هذه التقنيات، فهذا أمر سهل، نظرا لوجود برامج الكترونية تكشف مثل هذه الاتجاهات، مؤكدا أن ذاكرة المجتمع والنقاد متقدة وواعية لمثل هذه الاساليب غير السوية، والتي يدينها العقل والمنطق.
ودعا عبدالملك لجان التحكيم في المسابقات الأدبية (الشعر والقصة القصيرة والرواية) إلى الانتباه إلى مثل هذه الأمور، وكذلك الهيئات المختصة بالتعليم، خصوصا التعليم العالي، لما له من دور في تحجيم استخدام الذكاء الاصطناعي، وفي تغييب الحقائق في المجتمع، فمثلا إنتاج مشاريع البحث عبر تقنية الذكاء الاصطناعي تحرم الطالب المجتهد من حصد ما زرعه في سنوات وتكافئ الطالب الخامل أو الذي يريد الشهادة دون تعب، ولكن مع ذلك فإن هناك برامج تكشف زيف البحوث.
وبدوره قال المهندس والفنان التشكيلي القطري عبدالله دسمال الكواري،في تصريح مماثل لـ/قنا/ إن هناك الكثير من برامج الذكاء الاصطناعي تم تصميهما لتطوير العمل في مجالات الطباعة والإخراج الفني مثلا تمكن الممارس لهذا النوع من الإخراج الفني أن يعمل بوسائل وأدوات تسهل له العمل والابداع شأنه شأن العاملين في مجال مستخدمي البرامج الهندسية المتخصصة للمهندسين في مختلف التخصصات مثل الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي إلى آخره من الابتكارات الحديثة المساعدة في كل المجالات من ضمنها الطب والصناعة.
وأضاف الكواري أن الإبداع الفني التقليدي كالرسم والتلوين والنحت يقع في منطقة مختلفة لها طرق إنتاج تقليدية يعتبر من يخرج عنها قد أخل بشروط العمل الفني. لكن الوضع يختلف عندما يبيع الفنان أعمالا فنية منسوخة من أعماله الأصلية سواء كانت رسما أو طباعة أو نحتا أو خزفا. وعدا عن ذلك نجد أن من يعول على وسائل الذكاء الاصطناعي تؤدي به إلى فقدان الأسلوب والتطور وسيكون عرضة لتقليد أعمال آخرين ينتهجون نفس النهج من التعويل على مخرجات الذكاء الاصطناعي. وقد كتب الفنان العالمي البريطاني الأصل ديفيد هكني كتابا تحدث فيه عن ابن الهيثم مكتشف الكاميرا وعلم انعكاس الصورة وبعد ذلك كشف أول طريقة لنقل صورة استخدمها رسام أوروبي لنقل صورة شخص، أجلسه أمام جدار فيه فتحة بها عدسه تعكس الصورة في الغرفة المجاورة، على ورق معد يقوم الرسام برسم الانعكاس عليه. وهذا مثل متقدم من استخدام وسيلة مساعدة للرسم أعقبها اكتشاف الأفلام وطبع الصور. وقامت بعدها ثورة الفن الحديث للبحث عن مدارس فنية غير واقعية ما يدل على التطور المستمر لوسائل التكنولوجيا.
مساحة إعلانية