محليات
0
عيسى آل إسحاق يروي لـ الشرق ذكرياته
حوار: محمد علي المهندي
ضيف مجلس الشرق الإعلامي عيسى بن محمد آل إسحاق، رجل عصامي مكافح ومجتهد، توفي والده وهو صغير جداً، لكنه لم يتوقف ولم ييأس، قَبِل التحدي والظروف الصعبة، وانهمك في التعليم منذ نعومة أظفاره، لم يتجه مع أقرانه لممارسة الرياضة كالمعتاد بل كان يعشق الرياضة، ويحضر مباريات كرة القدم والسلة والطائرة، حول بوصلته تجاه الثقافة والعلم والمعرفة فنهل من مختلف الثقافات، كان يحب السياسة ويعشقها، وكان قلبه متعلقا بالقومية العربية رغم صغر سنه فخرج وهو في سن التاسعة مع المتظاهرين وذلك لتأييد ثورة الجزائر واستقلالها عن الاستعمار الفرنسي، يحب الأخبار ويحلل ما وراء الخبر ويتابعها عبر الإذاعات منذ ستينيات القرن الماضي، درس في أمريكا ولكن بعض الظروف لم تمكنه من الاستمرار وتحقيق الحلم وقطع دراسته وعاد لأرض الوطن وعمل في الإعلام وتولى منصب مدير تحرير مجلة الخليج الجديد وبعد إغلاقها عام 1983م، انتقل للعمل في قطاع البترول، لكن في نهاية المطاف تحقق الحلم الذي يتمناه، (الشرق) زارته في مجلسه العامر بالدفنة وكان هذا اللقاء الذي يحمل بين طياته الكثير من الذكريات والتحديات وتحدث عن تجربته الصعبة.
الولادة في الجفيري والنشأة في الغانم الجديد
كانت ولادتي بتاريخ 11/11/ 1953م حسب ما ذكرته الوالدة الله يرحمها وكان ذلك في فريج “براحة الجفيري” وتحديدا في بيت صالح تلفت الذي تم استئجاره من قبل الوالد للسكن فيه، ثم انتقلنا إلى فريج الغانم الجديد حيث قام والدي ببناء بيت خاص لنا، وهناك نشأت وترعرت فيه ولعبت في الفريج مع أقراني من الشباب وخاصة في الملعب الرملي القريب من المسجد الذي على طريق رأس أبوعبود مقابل دار الكتب، وهذا الملعب تخرج منه لاعبون مميّزون وبرزت منه مواهب عديدة أغلبها لعبت ضمن الأندية والمنتخبات وأذكر منهم الكابتن (ماجد الصايغ)، وكان والدي مطوّعا يؤم الناس في المسجد القريب من بيتنا، وكوّن علاقات طيبة مع الجيران في الفريج وكان مجلسه مجلس علم، وقد توفي الوالد وأنا عمري صغير وقد تأثرت كثيراً وحزنت لفراقه.
اللجنة الرياضية العليا في فريج إسحاق
نظراً لوقوع مقر اللجنة الرياضية العليا في فريج إسحاق بمنطقة أم غويلينة (منذ عام 1964)، وقريبة من منزلنا فقد كنا نتابع ونحضر المباريات والاحتفالات التي تقام هناك، وكان مقرها يحتوي على عدة غرف للإداريين، وشبه صالة مغطاة تقام عليها مباريات كرة الطاولة، وتضم ملاعب كرة السلة والطائرة وكرة اليد، وأذكر كانت تقام عليها مباريات الدوري، وتقام عليها الدورات الرمضانية الليلية وخاصة كرة السلة والطائرة، كانت المباريات قوية ومثيرة، وشهدت إقامة السيرك وألعاب التسلية المختلفة، وتم نصب خيمة كبيرة، وتقام في أيام الأعياد حيث يكثر الزوار والرواد، وأيضاً تقام عليها بعض الاحتفالات وكنا ونحن صغار ندخر العيدية لنذهب لمشاهدة السيرك ونلعب في الألعاب، واستمر هذا المقر يخدم الرياضة ويساهم في تطويرها حيث كونت لجان لكرة اليد والطائرة والسلة والتنس، ثم تحولت هذه اللجان إلى اتحادات، هنا كانت بداية الرياضة لهذه الألعاب الجماعية والفردية وبدأ التنظيم الحقيقي للرياضة، وكان يرأس اللجنة الرياضية العليا سعادة الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني وزير المعارف في تلك الفترة، وكان عبدالعزيز بن فهد بوزوير هو سكرتير هذه اللجنة، واستمرت اللجنة في تطوير الرياضة حتى صدور قرار إنشاء إدارة رعاية الشباب، وتم دمج بعض الأندية القطرية وذلك في عام 1972.
خالد بن الوليد كانت بداية عهدي بالتعليم
التحاقي بالتعليم النظامي كان في عام 1960 /1961 بمدرسة خالد بن الوليد الابتدائية لأنها كانت قريبة من بيتنا، ودرست الأول ابتدائي فيها ثم نقلونا إلى مدرسة قطر النموذجية بسبب إجراء تصليحات وبناء القسم الجديد من مدرسة خالد بن الوليد درست سنة واحدة فقط الصف الثاني ابتدائي، ثم رجعت إلى مدرسة خالد بن الوليد للدراسة مرة أخرى، وكان قسم التغذية يقع بالقرب منا، وأذكر كنا نتناول فيه وجبة الغداء وكان طعم الأرز رائعاً وكنا سعداء بوجبة الفطور مع حليب وليامس، كما خصصت لنا وزارة المعارف كسوة الشتاء والصيف من الملابس وكذلك الأحذية وخصصت راتبا شهريا لجميع الطلبة وهو مبلغ (45) ريالا، وكانت فرحتنا لا توصف بتلك الأشياء والهدف هو تحفيزنا على التعليم، وفي فناء المدرسة ساحة كبيرة وبها ملعب كرة قدم وملاعب لكرة السلة والطائرة وكانت الأرضية من الإسفلت، وهناك غرف متعددة، كانت تابعة لمدرسة قطر الابتدائية القديمة أول مدرسة نظامية في قطر، ونظراً للإقبال المتزايد لعدد الطلاب، فقد تم بناء مدرسة خالد بن الوليد الابتدائية الجديدة وحلت مكان مدرسة قطر القديمة، وتتكون من طابقين وصفوف جميلة مع مسجد معماري جميل، هذه المدرسة خرّجت أجيالا ساهمت في بناء وتطور النهضة في قطر، وكان أغلب أبناء العوائل القطرية درس فيها، ولديها فرق رياضية قوية في المنافسات الرياضية، أذكر كانت هناك نشاطات في الفترة المسائية مثل الرسم التي برز فيها يوسف أحمد وماجد المسلماني وكنت ضمن جماعة العلوم وكان المشرف عليها هو الأستاذ (أحمد وحيد) فقد كان يعلمنا تحنيط الطيور والحيوانات وكانت هواية جميلة وممتعة تشغل أوقات فراغنا ونستفيد منها.
كدت أفقد بصري!!
رغم حبي للتحنيط لكن الحلو ما يكمل، فقد حدث لي حادث كدت أن أفقد فيه بصري، وذلك أثناء حقن (الضب) بإبرة مخدر انكسرت الإبرة التي بها المادة المخدرة (الكلوروفورم) في جسم “الضب” وجاءت مادة المخدر صوب عيني وعين المدرس الذي أنقذ نفسه مسرعاً بغسل وجهه لأن لديه زمزمية فيها ماء، أما أنا فقد أخذني زميلي سعود الدليمي بسرعة إلى الحمام وغسل وجهي من سطل متروس بالماء، ثم من الخوف غمرت رأسي في درام الماء ومن يومها وأنا ألبس النظارة، كان شغفنا كبيراً على التعلّم وممارسة نشاطات متنوّعة.
مدرسة الخليج العربي تصميمها إبداعي
أكملت الصف الخامس والسادس الابتدائي في مدرسة الخليج العربي رمز العروبة، وكانت أول مدرسة مبناها نموذجي جميل وقامت ببنائها وتصميمها شركة إنجليزية لذا استمرت مبانيها لفترة طويلة لم تتضرر كما أن بها صالة ألعاب رياضية للألعاب الفردية والجمباز، وكان المكان المفضل لي هو الجلوس والتأمل في حديقة المدرسة الغنَّاء التي كان يشرف عليها مزارع فلسطيني كان مهتما بأدق التفاصيل فيها.
وقد استفدت في هذه المدرسة من علم الأستاذ يوسف بن عبدالرحمن الخليفي فقد أثرت دروسه فيَّ كثيراً بالإيجاب، وخاصة استفدت من دروس الحياة الخاصة والنصائح التي يعطيني إياها في مكتبة المدرسة التي يشرف عليها، وكذلك استفدت من علم مدرس العلوم الشرعية الأستاذ جاسم المناعي، وبالمناسبة مبناها نفس مدرسة أبوبكر الصديق الابتدائية التي قامت ببنائها وتصميمها شركة إنجليزية.
والدي استعرض على ظهر الخيل في قطر النموذجية
أتذكر عند زيارة الملك سعود بن عبدالعزيز إلى قطر افتتح مدرسة قطر النموذجية، وتم عمل برنامج حفل افتتاح رائع كنت أنا في فرقة الأشبال وكنا نحن والكشافة مصطفين على قارعة الطريق في صف طويل نستقبل العاهل السعودي ضيف قطر الكبير في تلك الأيام، وكان والدي يقوم بتربية الخيول ولديه إسطبل صغير في البيت، وكان يستعرض أيام المناسبات والأعياد وخاصة عند قلعة الريان، ويقولون إن والدي فارس ماهر، كما يذكر أنه قدم استعراضا أمام العاهل السعودي عند افتتاح مدرسة قطر النموذجية في تلك الفترة.
رغم صغر سني كنت من المتظاهرين لاستقلال الجزائر
أذكر عندما كنت صغيراً وعمري لا يتجاوز تسع سنوات وفي ستينيات القرن الماضي تقريباً 1963، شاركت في المظاهرات التي أقيمت في الدوحة تأييداً للجزائر، فقد كان في شركة عمي إسحاق بن حسين للمقاولات موظف اسمه يوسف الأيوبي من فلسطين، قام بكتابة يافطة حملتها مع المتظاهرين وكنت سعيداً بترديد الهتافات والأناشيد الوطنية مثل (ياهل الجزائر هلّت بشاير) وغيرها وكنا نطوف شوارع الدوحة الرئيسية يملؤنا الحماس والشعور بالوطنية والقومية العربية، كنا سعداء باستقلال الجزائر بلد المليون شهيد، وأذكر كنت أستمع للأخبار من إذاعة (BBC) من لندن وكنت شغوفاً بالاستماع للأخبار والتحليلات ومعرفة ما يجري في العالم، وقضية الجزائر هي التي أوصلت جمال عبدالناصر لقلوب الجماهير وأصبح متوهجاً في تلك الفترة وكانت الجماهير في كل أرجاء الوطن العربي تهتف باسمه، وتجمّع العرب نحو قضية الجزائر لأول مرة بالإضافة لقضية فلسطين الكبرى.
درست الإعدادية في رأس أبوعبود
درست المرحلة الإعدادية في أواخر ستينيات القرن الماضي في مدرسة رأس أبوعبود، وكانت مبنية حديثا من أجل استيعاب زيادة عدد طلاب المرحلة الإعدادية، وقد كنت سعيداً لأنني تعرّفت على عدة أصدقاء جدد، ومدرسين جدد وكانت المدرسة قريبة من شركة شل وميناء رأس أبوعبود، وفندق الخليج، وشاركت في الأنشطة التي تقام في المدرسة في تلك الفترة، كما توسعت مداركي وتفكيري وبدأت أهتم كثيراً بالقراءة.
في الثانوية ما زلت أذكر ما قدمه لنا الأساتذة
أذكر درست المرحلة الثانوية في القسم الأدبي بمدرسة الثانوية برأس أبوعبود التي كانت إعدادية ثم تحولت إلى ثانوية، ولقد مر عليَّ أساتذه أفاضل متمكنون ومتميزون ما زلت أذكرهم بالخير لأننا استفدنا من علمهم وخبراتهم، من هؤلاء الأساتذة أحمد علي منصور في علم الاجتماع، والأستاذ سليمان الستاوي علمنا الفلسفة وعلم النفس والأستاذ طالب بلان الذي استفدنا من علمه في التاريخ، وحققت نسبة جيدة في القسم الأدبي، كنت مهتما بالعلوم السياسية، وأتابع الأخبار في كل مكان، كما كنت من الداعمين للقومية العربية في أوج توهجها أدى ذلك إلى شغفي واهتمامي بعالم السياسة، لذا اخترت العلوم السياسية، والإعلام، لم يوافقوا على دراسة العلوم السياسية فاخترت الإعلام والصحافة والقانون وتخصص علم النفس.
اخترت أمريكا لدراسة الصحافة
منذ الصغر وأنا متعلق وشغوف ومغرم بالسلطة الرابعة وهي الصحافة والإعلام والعلوم السياسية، لذا بعد تخرجي من الثانوية العامة، اخترت دراسة الإعلام والصحافة في أمريكا، وذلك للتعرف على ثقافات مختلفة والاعتماد على النفس واسكتشاف العالم لأن أمريكا قارة كبيرة، ووافقت وزارة التربية والتعليم وأوفدتني في بعثة دراسية على حساب الدولة، كنت سعيداً وشغوفاً في الدراسة والأجواء كانت مناسبة وجميلة وفي إمكانية دراسة أكثر من تخصص، وكنت أنوي أن أدرس العلوم السياسية والاقتصادية، في البداية عندما وطئت قدماي أرض ميتشغن استقبلنا الطالب في تلك الفترة محمد بن عبدالرحمن المناعي (رحمه الله) وحسسنا بدفء وحرارة الاستقبال، ودعانا إلى وجبة عشاء أسعدتنا جميعاً، وعرّفنا على ميتشغن، وكنا سعداء بوجود مواطنين قطريين سهلوا لنا مهمتنا، درست في البداية بمعهد لتعليم اللغة الإنجليزية في (لانسج) في جامعة ولاية ميتشجن، ثم بعد ذلك تم توزيعنا حسب اختياراتنا على جامعات معينة حسب اختصاص كل طالب ومعيار وحسب قبول كل جامعة، انتقلت لمدينة (سجانا) للدراسة في كلية بالجامعة هناك، درست لمدة ثلاث سنوات ولم أكمل تعليمي في السنة الثالثة بسبب ظروف خاصة، وفي عام 1976 رجعت للدوحة على مضض وقلبي يحترق !!.
أخيراً وجدت وظيفة في الإعلام
بسبب حبي للسياسة ذهبت في عام 1976 لوزارة الخارجية وذلك للعمل هناك لكي أشبع رغبتي وأحقق طموحي وأخدم بلدي في المجال الدبلوماسي، هناك قابلت السيد/ جابر السليطي الذي قال لي لا توجد لدينا وظائف في الوقت الحالي، أصبت بالصدمة والإحباط وتبخرت أحلامي في العمل بوزارة الخارجية، لم أيأس بل حاولت البحث عن وجود وظيفة تناسبني، فذهبت مع الزميل محمد زينل لمقابلة سعادة مانع الهاجري بوزارة الإعلام استقبلني بترحاب وقال أنت درست صحافة وإعلام وتصلح للعمل في (مجلة الدوحة) لأن تخصصك إعلام ونحن نحتاج شبابا قطريين للعمل في الصحافة، وعلى الفور وافقت على العمل بإدارة مجلة الدوحة عندما كان رئيسها إبراهيم الشوش وتصدر مجلتين هما الدوحة ومجلة الخليج الجديد الشهرية وتم تعييني في عام 1977 م بمجلة الخليج الجديد.
نتابع الجزء الثاني الخميس القادم
مساحة إعلانية