عربي ودولي
32
رام الله – محمـد الرنتيسي
المخيمات الفلسطينية أينما وجدت، هي أصل الحكاية بالنسبة للفلسطينيين، وهي من الشواهد الحية التي لا زالت ترمز لقضيتهم وهويتهم، وما يجري هذه الأيام من أحداث مؤسفة في مخيم عين الحلوة للاجئين جنوب لبنان، وما يتخلل ذلك من اشتباكات مسلحة، أدت الى سقوط ضحايا وإصابات بالغة، فضلاً عن نزوح أكثر من ألفي لاجئ، واضطرارهم للخروج من منازلهم، لا تمثل بالمطلق، الفلسطينيين ولا نهجهم التحرري.
وما يثير القلق لدى الفلسطينيين، أن القتلة والمقتولين في أحداث عين الحلوة، هم من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين عانوا اللجوء والتشريد، بفعل الاحتلال الإسرائيلي، ولا زالوا يعيشون حياة البؤس والفقر والبطالة، وهم أحوج ما يكونون إلى وحدة الكلمة والصف، بحسبان المخيمات من وجهة نظر الفلسطينيين حيثما حلوا، ما هي إلا محطات انتظار إلى حين العودة.
وعلى الرغم من الأحداث المؤسفة في مخيم عين الحلوة، إلا أن هناك أصواتا عاقلة وجريئة، نهضت من بين زخات الرصاص والقذائف، ورفضت أن تلوذ بالصمت، بل إنها عبرت عن نقاء سريرة، بضرورة الاعتصام بفضيلة ضبط النفس، معتبرة أن هذه الأحداث العابرة، لا تمت للعادات والتقاليد الفلسطينية، ولا تعكس أحوال شعب عانى اللجوء والتشريد، ويتطلع للحرية والاستقلال.
حسب مراقبين، فإن هذه الأحداث ان استمرت، فإن انعكاساتها ستكون وبالاً على الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات لبنان، وهم الذين يلتقون في هذا البلد، من أجل غرس قيم نبيلة في نفوس الأجيال الناشئة، وفي مقدمتها وأد الفتنة، وتجنب النفخ في نيرانها القاتلة والحارقة.
وبحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس، امس، في اتصال هاتفي مع نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، الأحداث الجارية بمخيم عين الحلوة. وأكد الرئيس الفلسطيني خلال الاتصال، أن “التواجد الفلسطيني في لبنان مؤقت إلى حين تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتمسكين بتنفيذها”، مشددا على دعم ما تقوم به الحكومة والجيش اللبنانيان، حفاظا على النظام والقانون، وللمحافظة على التهدئة ووقف إطلاق النار بالمخيم.
وخلال الساعات الأخيرة، نشطت هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان، في متابعة الأحداث الجارية، فشكلت لجنة ميدانية بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، وإجلاء العناصر المسلحة من الشوارع، وتوفير مناخ آمن لعودة العائلات التي نزحت جراء الاشتباكات.
ووفقاً لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين أحمد أبو هولي، فإن الأحداث التي شهدها مخيم عين الحلوة، تعد خسارة كبرى للشعب الفلسطيني، الذي اكتوى بنار التشريد، والعيش في منازل آيلة للانهيار، داعياً الجميع للارتقاء إلى مستوى التحديات.
يقول أبو هولي: “يكفي شعبنا ما يعانيه من ممارسات الاحتلال على الأرض الفلسطينية، وهذه الصراعات الداخلية من شأنها أن تحرف البوصلة عن عدونا الأوحد وهو الاحتلال، وعن أهدافنا الوطنية، التي لا يمكن أن تتحقق بقتال بعضنا للآخر، ونرفض المس بأمن لبنان الذي يستضيف أبناء شعبنا”.
وكانت الاشتباكات المؤسفة في مخيم عين الحلوة، أسفرت عن مقتل 11 شخصا وأكثر من ستين جريحا وتسببت بأضرار جسيمة بالممتلكات والبنى التحتية داخل المخيم، ونزوح عشرات العائلات الذين ينتظرون عودتهم إلى منازلهم لتفقدها، كما توقفت على إثرها الاعانات المقدمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” وتعطلت بفعلها الحياة في المخيم.
وكانت الاشتباكات قد اندلعت في مخيم عين الحلوة، الذي يعد من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، ليل السبت الماضي، إثر إطلاق مسلح النار على “ناشط” بالمخيم، ما أدى إلى إصابته وعدد آخر من المتواجدين في المكان، وأعقب العملية إطلاق رشقات من أسلحة رشاشة متوسطة وقنابل يدوية وقذائف صاروخية.
وتأتي هذه الاشتباكات بعد نحو شهرين على اشتباكات مماثلة، أسفرت عن مقتل شخص داخل المخيم نفسه.
ويرفض الفلسطينيون على اختلاف ألوانهم وتموجاتهم السياسية، المس بأمن المخيمات الفلسطينية أينما وجدت، أو المس بأمن لبنان الذي يستضيف أعداد هائلة من اللاجئين الفلسطينيين، إلى حين عودتهم إلى قراهم وبلادهم التي هجروا منها قبل أكثر من 75 عاماً.
مساحة إعلانية